لا أحد ينكر دور الروائي المصري صنع الله إبراهيم في رصده الصادق والأمين، فضلا عن الوعي بالنضج الناقد لأحوال المجتمع المصري عبر شخصياته الروائية التي اتسمت بصفات إنسانية متعايشة مع واقعها، ولكنه تعايش فاهم فاضح يعرى قشرة الزيف والاستبداد بكافة مستوياته الاجتماعية والدينية والسياسية، وهذه سمة أساسية في أدب صنع الله الروائي. وهذه السمة قد اتخذها صنع الله ابراهيم منهاج مسار ومسيرة لحياته الشخصية، فالمتعمق في قراءة صنع الله يخرج بصورة متطابقة بين ذات صنع الله الشخصية وذوات أبطاله في أعماله الروائية. ثمة تمرد على الاستبداد غالب في كل أعماله، بل يذهب في خرق عين الاستبداد بكل جرأة يُحسد عليها..
فهو يميل لقول النقد والحق بأن الغول عينه حمراء أمام الغول ذاته بلا خوف من العواقب التي تترتب على ذلك من تهميش أعماله أو تهميش حياته الإنسانية وقيمته الأدبية، المهم عند صنع الله أن يقول ما يفيد خدمة قضيته ومجتمعه..
ولعل أبرز موقف معبر عن هذا موقفه أمام السلطة المصرية ونخبتها وأمام الجميع حين رفض جائرة ملتقى القاهرة للرواية العربية في 2003، وذهب في الإمعان بالرفض لأسباب تخص غول الاستبداد المصري والعربي مفاده أية جائزة وأي حفل في مجتمعات تعاني من الاستبداد والفساد وعطب حرية الرأي والتعبير. موقف صنع الله على مسرح الدولة لرفض جائزة الدولة وتمرده على عدم انصياعه ودخوله في زمرة حظيرة مثقفي الدولة كلفه الكثير، وزاد من مقاومته وحركة تمرده في الأدب والإبداع وحياته الشخصية، فهو نفس الشخص بالقميص والبنطال والحذاء الذي لم يتغير لونه وطرازه، ونفس عوده الممصوص الراشق بصلابة عود غاب نيلي في قعر طمي الأرض المصرية.
وهو ذات المتلصص على عورات المجتمع ونخبته لنقدها وتقويمها، وهو نفس الكاتب الذي مارس الحياة بالمواقف الحاسمة في الأوقات التي يتراجع فيها الكتاب الآخرين.
تحمل صنع الله وحده عبء فواتير مواقفه ومضى في سبيل تحقيق أحلامه بالحرية وتحرر المصري والشعوب العربية من هواجس الشياطين وشيوخهم ليكشف أنبل ما في الإنسان من حياة بكونها حياة واحدة وجب عيشها بحرية وسلام. تفنن صنع الله في المخالفة، ومغادرة منطقة الأمان الإبداعي منذ تلك الرائحة مرورا باللجنة وشرف ونجمة أغسطس وأمريكانلي والعمامة والقبعة وبيروت بيروت ووردة، وغيرهم. غرق حد إذنيه في الهموم المصرية والعربية. غرق من يريد النجاة ليس وحيدا إنما نجاة لكافة الشعوب العربية من قهر وفساد من يملك زمام الحكم سواء إن كان إنسانا عاديا أو حاكما سلطويا. وعلى ذلك امتلك صنع الله عالمه الخاص الذي يمكن تحليله على عمودين (النقد والتحريض). أي نقد كل ما هو قائم وحائل ضد حريات الإنسان، والتحريض على الثوابت ورفضها. والثوابت هنا هي تلك الأكليشهات التي فرضها الطغاة من الحكام وظنها الجهلاء من الشعوب ضروريات من الدين، حيث وقف صنع الله أمام هذه الثوابت وتعريتها وفضحها انطلاقا من إيمانه بالعقل الإنساني الذي خلق لينتقد وليتحدى المسار المفروض عليه. تلك المسار الحائد عن حرية اختيارات الإنسان. وعلى هذا النهج، هوى صنع الله إبراهيم لعبة الكشف والتعري في عالمه الروائي حيث فضح الأسباب الغامضة التي تبنى العلاقات الاجتماعية تحت سطوة المصالح، وتعرية الفكر الشائع الخادم لمنظومة السلطة الحاكمة. وما سبق كان هو مبدأ صنع الله في خطه الفني بفكره المطروح عبر أعماله الإبداعية، ولعل روايته "بيروت بيروت" في نقدية للصراعات غير المرئية التي تديرها رجال السلطة في العالم العربي وأجهزة مخابراتها لدعم روح القبلية والهيمنة وإزكاء نعرات التعصب والحروب الأهلية فضلا عن الحروب العربية العربية..
ثم يدعم صنع الله إبراهيم فكرته بالنقد لأحوال العرب الاستبدادية في روايته "وردة" التي تعد من أهم أعماله الروائية العربية الناقدة الراصدة لنفوذ وقوة سلطة الطبقة الاجتماعية المتحكمة في الوعي العام العربي حيث يفضح من خلالها الكيان العربي على صعيد الفرد والحاكم في تقليديته وحداثته في محافظته وفي ليبراليته. ويُسخر فيها زيف العبارات الرسمية التي تتصدر المؤتمرات والمحافل العربية من نوعية "الأشقاء العرب، الإخوة العرب، صوت العرب، الوطن الواحد، الأمة الواحدة"، ليؤكد أنها ما هي إلا عبارات ظلت في حيز الهواء بلا جذر أرضي يثبتها واقع فعلي.
يستمر صنع الله ابراهيم في تعرية النفس البشرية بكل جموحها وفجورها والتي تتداخل عمليات الجموح والفجور مع الطبقة الحاكمة باعتبارهم نوعا من أنواع النفس البشرية في طور أعلى من الأنا التي ترى نفسها ظل الله على الأرض وأن حكمها في الأرض وتسلطها على رقاب النفوس البشرية الأخرى هو أمر إلهي لا أحد ينزعه عنهم إلا الله.. وهذه الملامح البشرية قد رصدها صنع الله في سردية عميقة في سهولتها وطرحها الروائي حين رصد على سبيل المثال صورة الساسة العرب في نزعتهم الشوفينية في تدمير البشر وشعوبهم من خلال رصده لعمليات العنف في الحرب الأهلية في "بيروت بيروت"، وهي نفس النزعة التي رصدها في "وردة" حيث عرى زيف رغبة الحكام العرب في التطوير والنهضة والحداثة. يكشف صنع الله إبراهيم موقفه من حداثة المدن الكبرى في العالم العربي عبر منتجه الروائي، إذ يصفها بأنها لم تكن معنى من معاني الجوهر العربي الذي حدَّث المدن والشوارع، ولم يُحدث المواطن لخلق أجيال أكثر وعيا لما يخدم العالم العربي. ومن ثم يتحقق حلم الثورة بتقدم أمة العرب؛ لتصير واحدة من كبريات الأمم والدول الصناعية الكبرى. وخلال مسيرة صنع الله ابراهيم الإبداعية عبر عالمه الروائي لا يحيد عن التعمق في دراسة المجتمع وإبراز جماليته وتناقضاته وصراعاته من داخل الواقع وأحداثه اليومية، كذلك التعمق في فحص الإنسان وبواطنه كشفا عن البواعث الدفينة للسلوك البشري. وهو بذلك قد إبتكر فضاء نقديا يحقق فيه عناصر مناهضة لظلامية واقع المجتمع والإنسان، وأمسى لصنع الله بذلك مذهب إبداعي متفرد يحسب له حيث التعبير عن نفسه وعصره من خلال الفعل الجدلي واشتباكه مع الفعل اللغوي البسيط دون التكلف في صنعته البلاغية والأقرب إلى لغة أرشيف الصحف.. ليرسم عالم صنع الله الأدبي في قالب تنويري يأخذ بيد المجتمع نحو النهضة المنشودة بجنة الإنسان على الأرض والتي تكمن في العدالة والرحمة وتوزيع الثروات بمنطق الثورات الإنسانية على الظلم والفساد. وهكذا كان عالم صنع الله الروائي والشخصي أيضا. وانطلاقا من هذا، لم يتم تمرير نصوص صنع الله إبراهيم عبر المؤسسات المصرية أو العربية سوى المتمرد منها والمغرد خارج السرب الرسمي لمؤسسات الدولة للنشر وللاحتفاء النقدي والأكاديمي أو الإعلامي أو الداعم والتقديري، وإلا ماذا سيقولون عنه ويقدمونه؟! هل يجرؤون وصفه بالكاتب المحرض للشعوب على نيل حريتهم! أم يصفونه بالكاتب المُعري عهر الإنسان وحاكمه في مجتمع ضال ومُضل! لذلك يعاني الآن صنع الله من علة مرضه وشيخوخته الطاعنة في السن، بلا رفيق، ولا رحيم، ولا داعم حقيقي لمرض الرجل وشيخوخته من المؤسسات الأدبية العربية والمصرية الرسمية والخاصة منها. وقد وجب بالضرورة مراعاته والعناية به كحق إنساني لكل مواطن، فضلا عن كونه مبدعا جسد طبيعة وحال المجتمع المصري والعربي في أعماله، وصور عبر سرديته الروائية الأدب بروح مصرية خالصة مخلصة في نقدها الأمين واللاذع.
صنع الله إبراهيم، صوت المعارضة الأخير في الرواية المصرية احتلت روايته المركز الثالث بقائمة الأفضل عربيا، ومضات من مسيرة صنع الله إبراهيم صنع الله إبراهيم حالة مصرية صادقة مؤمنة بحرية العقل وقراره واختياره.لم ينفصل عما يقوله في أعماله وفي حياته الخاصة، ويكفيه فخرا محبة كل من عرفه وقرأ له دون أن يقابله. وعلينا أن نعيد النظر والاهتمام بثورات مصر والعرب الإبداعية لنضعهم في المكانة التي تليق بحقهم علينا. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا