جمعت كل العوامل المشتركة بين الدول العربية، فمثلا تجد في مسحراتى العرب قصيدة لأم كلثوم وأخرى لابن بطوطة وغيرها عن مصر وسوريا وأخرى عن حرب أكتوبر وقصيدة عن الأئمة الأربعة كان طلاب الكليات الأخري بجامعة القاهرة يتوافدون على كلية الإعلام – في منتصف السبعينيات – ليستمعوا إلى جمال بخيت وهو يلقي قصائده الثورية، كان يلهب حماس الجميع، بمفرداته العامية وصوته القوى الحاسم الباتر كسيف خرج من غمده. قصائده عروبية وناصرية ووطنية، إنه الشاعر جمال بخيت، مسحراتي العرب، يوقظهم ليكملوا مسيرة نهضتهم، تماما كالمسحراتي الأشهر فؤاد حداد الذي لحن الكلمات وغناها الرائع سيد مكاوي. وما بين ديوان "المسحراتي" لفؤاد حداد وأشعار "مسحراتي العرب" لجمال بخيت تدور رؤية الشارع العربي مع المسحراتي في الأدب العربي، لاستخلاص المفهوم الإنساني من البعد الديني للموروث، فكان هذا اللقاء مع مسحراتي العرب جمال بخيت.. -فكرة ديوان "مسحراتى العرب" من أين نبعت؟ اتضح لى عندما أذهب إلى أي بلد عربى وألقى بها الشعر سواء أنا أو أي شاعر مصرى عامى آخر، أشعر بميزة عظيمة لا يستشعرها إلا الشاعر المصرى، فأجد رد فعل الجماهير جارفا، لأنهم يفهمون العامية المصرية بصورة جيدة، بفضل انتشار العامية المصرية من خلال الدراما والسينما وغيرها من الفنون المصرية، لذا تأكدت لى حقيقة أصبحت راسخة في ذهنى وهى أننا كعرب شعب واحد نحيا في بلاد مختلفة ومتعددة في اللون واللكنة والدين ولكننا عرب ولغتنا العربية ومن هنا جاء ديوان مسحراتى العرب. -هل مسحراتى العرب يختلف عن مسحراتى فؤاد حداد وغيره من شعراء العامية؟ بالتأكيد، فقد نهجت نهجا مختلفا عن فؤادا حداد،لأن حداد وظف المسحراتى حسب القضايا التي كانت موجودة في تلك الفترة ، بالإضافة لوصفه طبيعة ووظيفة المسحراتي في إيقاظ الناس للسحور، وقد نهج نهج الدولة العباسية في وصفها للمسحراتى ولكنه اختلف عنهم بأنه تناولها فنيا في الأعمال الإذاعية والتليفزيونية لأول مرة في تاريخ الدراما، أما أنا فتناولت المسحراتى من وجهة نظرى الشخصية معبرا عن فكرى السياسي والوجدانى، فقد جعلت المسحراتى لسان حال العرب يقول ما أريد أن أقوله، فأنا أستشعر دائما أننا محاصرون بحدود اصطنعها الاستعمار والطغيان الذي أراد بنا أن ينعزل كل منا عن أخيه حتى نصبح صيدا سهلا له، ونحتاج لمسحراتى ينادى فينا بكل قوته اصحوا يا نايمين من غفلة السنين.. -مسحراتى مسلم مسيحى ماذا أردت بها ولمن توجهها ؟ القصيدة بدأتها قائلا (مسلم مسيحى.. بقول يا دنيا هتستريحى لو تقرأى إيه اللى جه في صحيحى.. تلقى التراحم بين النفوس.. رمضان بلدنا فانوس يمدنا وعندى صاحب اسمه فانوس)، أنا أردت بمسحراتى مسلم مسيحى أن أقول إننا كلنا مصريون ، نبت هذا البلد، لم يسأل أحدنا صاحبه أو جاره ما ديانتك، وكلنا لنا حق في العيش على أرض مصر، ولن تجد دينا يقول اسرق أو ازنِ، وأسماؤنا متشابهة وأشكالنا واحدة، فلن تجد في العالم كله شخصا مسيحيا اسمه فانوس إلا في مصر، ومن المعروف أن الفانوس ارتبط برمضان وفرحة المسلمين، فقد تأثروا بنا وتأثرنا بهم ،لأن ثقافتنا واحدة، ويقول كثير من الأقباط: نحن مسيحيو الديانة.. مسلمو الثقافة.. -من قصيدة المسحراتى "خليك في دينك".. ماذا تقصد ؟ أقول للشعب ربنا يعينك على أصحاب الدعاوي الكاذبة باسم الدين، الذين أصبحوا يملأون الفضائيات ليلا ونهارا، يضحكون على الشعب ويكلمونه ويقنعونه باسم الدين، ولكن الشعب أدرك جيدا مدى كذبهم، ولن يستمر الخداع كثيرا، وسوف يظل شركاء هذا الشعب متحابين طالما نشرب من ماء نهر واحد.. -مسحراتى العرب ومعايا مخطوطة.. جدي نقلها لي من ابن بطوطة.. لماذا ابن بطوطة؟ لقد أقحمت ابن بطوطة لأننى أعتبره رمزا للحرية والانطلاق، فجعل العالم في عينيه صغيرا، لذا جعلته مسحراتى العرب لأنه رحالة عربى، ومن الشخصيات التي جعلت العالم كله ملكا له، فلم يجعل للعالم حدودا، ولم يكن يحمل تأشيرة أو جواز سفر، لذا أعتبرته رمز الحرية والانطلاق بلا حدود، وأردت تطبيق تجربة ابن بطوطة على نطاق العالم العربى، فأنا أنتظر اليوم الذي تصبح فيه الأمة العربية بلا حدود ولا تأشيرات ولا جوازات. -جمعت في ديوان "مسحراتى العرب" كل العوامل المشتركة بين العرب ووضعتها في هذا الديوان.. كيف ولماذا؟ بالفعل أنا جمعت كل العوامل المشتركة بين الدول العربية، فمثلا تجد في مسحراتى العرب قصيدة لأم كلثوم وأخرى لابن بطوطة وغيرها عن مصر وسوريا وأخرى عن حرب أكتوبر وقصيدة عن الأئمة الأربعة، فقد وجدت في تلك العوامل عناصر قوية تجمع بين كل الشعوب العربية، فلا شك أن أم كلثوم وابن بطوطة والأئمة الأربعة والإمام البخارى أثروا في هذه الشعوب، وقد كانت حرب أكتوبر خاتمة العوامل، التي أشعرت العرب أن رءوسهم قد ارتفعت حتى من لم يشارك فيها، لأننا كلنا عرب. - يا شعب مصر لا تكتئب.. فالمسحراتى قادم..؟ أعلم أن الشعب أصابه الاكتئاب، وأقول لهم لم يحدث في تاريخ البشرية أن تحدث ثورة وسقوط نظام حكم ظل أكثر 30عاما في 18 يوما، وأقول لهم إن أغلب الشعوب الديمقراطية جاهدت سنين طويلة من أجل الحرية، فعلينا الصبر، لأن الحرية لا تقاس بأعمارنا نحن ولكن الحرية تقاس بعمر الشعب المصرى، ويكفينا الآن أننا أسقطنا فكرة الحاكم الإله من نفوس المصريين منذ بداية العهد الفرعونى، وقد سقط "الحاكم الإله" بسقوط مبارك، ولن يخرج من أذهان المصريين شكل مبارك وهو محبوس، لذا لن نرضى إلا بمسحراتى العرب بعد الثورة.