قابلتني أفكار غبية جدا خلال حياتي المهنية في الدبلوماسية والحكومة، لكن ما أسمعه في واشنطن هذه الأيام عن تعليق المساعدات الأمريكية لمصر هو أشد غباءً. جاءت التوصيات بوقف المساعدات الأمريكية لمصر من أُناس جيدين أنا حقا معجب بهم وأحترمهم، بمن فيهم "جون ماكين"، وكان الدافع وراء هذه التوصيات هو الإحباط من إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" التي تتصرف بحماقة تجاه العالم العربي، وكذلك من دافع القناعة بأن أمريكا يجب أن تقود المبادئ الناجمة عن إيمان بأجندة الحريات وحقوق الإنسان والتي لا تسمح بالإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيا بمجرد الرغبة في التغيير دون دفع الثمن، لاسيما عندما ينص القانون الأمريكي على ثمن الانقلاب، ولذلك طالب بعض المسئولين بتعليق أو التهديد بتعليق المعونة العسكرية لمصر. أعرف كل هذه الدوافع جيدا، وهي مقنعة، لكنها ليست مقنعة بما فيه الكفاية، حيث أن تعليق المعونة لن يساعد مصر ولا الولاياتالمتحدة خلال هذه الفترة الحرجة، والسبب أن هذه الفكرة ليست منطقية. تعاملت الولاياتالمتحدة مع دولة بوليسية لما يقرب من 30 عاما ولم تفعل شيئًا من أجل تعزيز احترام حقوق الإنسان والإصلاح الجاد، والآن عندما يكون لمصر فرصة حقيقية لبناء نظام سياسي أفضل مع مرور الوقت، قررت أمريكا أخيرا اتخاذ موقف متشدد مع المؤسسة الوحيدة في مصر التي يمكنها ضمان قدر من الاستقرار خلال هذه المرحلة الحرجة؟ ويرى البعض أن الآن هو الوقت المناسب لتبني موقف متشدد مع مصر، لكني لست واحدا منهم، حيث أن تعليق المعونة لن يخلق الديمقراطية في مصر. إذا أرادت أمريكا أن تلعب دورا إيجابيا في العملية الديمقراطية في مصر، فإنها ستعمل بهدوء مع الجيش والجهات الفاعلة الأخرى في مصر حتى تدفعهم جميعا ليكونوا مسئولين وشاملين وجديين حول أفضل طريقة لتنظيم عملية انتقالية معقولة لمصر وتتضمن جماعة الإخوان المسلمين ولا تعتبر نفسها فوق القانون. ينبغي على أمريكا أن تدافع عن مبادئها، وألا تتجاهل مصالحها الأخرى، وقبل كل شيء، يجب على الولاياتالمتحدة أن تتأقلم مع ما ينبغي أن يكون واضحا جدا أمامها، ألا وهو: الآن، أصبح الواقع المصري أكثر صلة وأكثر أهمية من الواقع الأمريكي. نقلا عن مجلة فورين بوليسى الأمريكية