الأفكار لا تموت أبداً، وكلما وجدت متنفساً من هواء حلقت فى السماء، أما صانعو الأفكار فنحن نستدعيهم من العالم الآخر ونستعيد أرواحهم، ونجرى معهم حوارات حية.. هنا فقط قال: أنا بطل الحرب والسلام ومرسى بطل الرغى والكلام ! الإسلاميون اغتالونى لأننى فرطت في اللجام الذى كنت أقودهم به! مبارك أخطأ عندما قاوم الإخوان فوق الأرض وتركهم يبنون إمبراطوريتهم تحتها! كعادتي عندما تتوه بى الأفكار أرجع مسرعًا للكبار.. فهم فقط من يملكون المجداف الذي يأخذني إلى بر الأمان.. اليوم وأنا أرى ما يدور في مصر من أحداث..لا أدرى لماذا سمعت صوت بطل الحرب والسلام الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وكأنه يقول لى: برافو عليكم ياولاد.. بسرعة أدركت سبب مرور القائد المغوار على خاطرى.. نعم فنحن في شهر رمضان.. وهاهو على الأبواب يوم العاشر من رمضان يوم العزة والفخر.. يوم العبور العظيم وتحطيم خط بارليف المنيع.. ولأنني كنت أتوق للحديث مع الرجل الذي حّير العالم، فقد عدت مسرعا إلى البيت، وداخل غرفتي الهادئة، جلست أمارس طقوسي الخاصة بتحضير الأرواح، كي أستحضر روح المرحوم السادات. لم يرهقني الرجل، فظهر لي فجأة، قائلا: تاعب نفسك ليه ياولد.. أنت بس كنت قلت «أنور السادات»، وأنا كنت هاظهرلك على طول.. أنت ناسي إنى شهيد يا ولد.. والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون؟! قلت: لا لم أنس ذلك أيها البطل المغوار، بطل الحرب والسلام، لكنني اعتدت أن أمارس طقوسًا معينة، بعدها تظهر لي الروح التي أبغى الحديث معها.. قال: وهل تقارن روحي أنا بأي روح أخرى ياولد.. أنا السادات يا بنى آدم! قلت: أراك مغرورا.. حيا وميتا ياسيادة الرئيس! قال: قلت لك حى ياولد.. أنا شهيد.. يعنى حي! قلت: لكن هناك فئة من الشعب لا يرون أنك شهيد يا ريسنا! قال: هذه فئة ضالة.. وستظل فئة ضالة رغم وصولهم في غفلة من الشعب لحكم مصر.. وها أنت تراهم يعودون من جديد للحياة تحت الأرض وخلف قضبان المعتقلات.. فهم لا يتنفسون إلا هناك..وهذا عهدي بهم قبل أن يغتالوني! قلت: هل تعلم ياسيدى أنهم احتفلوا بذكرى انتصارات أكتوبر الأخيرة وجلسوا مكانك بلحاهم الكثيفة وجلابيبهم الفضفاضة في مشهد أدهش العالم كله؟! قال: رأيت هذا في شهر أكتوبر الماضى وضحكت كثيرا في قبرى.. رغم أننى لم أستبعد منهم أن يفعلوا ذلك..لأنهم يكرهونني حيا وميتا.. فأنا الذي كنت أكبح جماحهم وأكسر شوكتهم وأعرف مقدارهم الضئيل.. لذا كنت أعلم أنهم لن يستمروا في حكم مصر كى يحتفلوا مرة أخرى بنصر أكتوبر.. وها أنت ترى أفول نجمهم مع أول ذكرى لنصر أكتوبر العاشر من رمضان وقبل أن يمر عليهم العام !! قلت: أنت دائما هكذا تسبق الأحداث !! قال: لكنى أعود وألقى اللوم على حسنى مبارك الذي سمح لهم بأن يصنعوا لأنفسهم إمبراطورية تحت الأرض طيلة ال30 عاما التي حكمكم فيها! قلت: لكن مبارك كان يعتقلهم أيضا.. بل كان يحرمهم من الحرية! قال: نعم كان يحرمهم من الحرية على الأرض.. لكنه نسى أن هؤلاء مثل النمل.. يصنعون إمبراطورياتهم تحت الأرض وليس فوقها مثل البشر العاديين.. بعكسي أنا الذي كنت أكبح جماحهم. قلت: لكنهم اغتالوك ياسيدى! قال: لأنني فرطت في اللجام الذي كنت أقودهم به ظنا منى أننى أعطيهم فرصة للعيش كآدميين.. إلا أن الطبع غالب! قلت: عموما الشعب أصلح الخطأ وتمرد عليهم.. فهل تتابع ما جرى؟! قال: نعم أتابع وبشغف.. أنت ناسى ياولد إن الجرايد بتجينى لغاية عندى كل يوم.. ماتنساش إنى أنا رئيس الجمهورية هنا! قلت: جمهورية إيه ياريس..دا أنت ميت؟! قال: أنت أهبل ياولد ؟.. أنا شهيد.. ومعى هنا كل الشهداء أبطال أكتوبر وأبطال حروب الاستنزاف..وجميعهم ينادوننى بالرئيس.. بل السيد الرئيس! قلت: ما رأيك في حملة «تمرد» التي أطاحت بمرسي في خمسة أيام؟! قال: الفكرة جميلة من شعب بطبعه جميل.. لكن الأجمل هو موقف الولد السيسى.. الولد دا «دكر من ضهر دكر».. وأنا كنت عارف إن مصر مش هيطهرها غير ولادها الأبطال! قلت: وهل تعرف الفريق أول عبد الفتاح السيسى ياريس؟! قال: طبعا يا ابنى.. أنا أعرف كل أولادى الأبطال.. وكنت عارف أن يوما سيأتى تتطهر فيه مصر من «الواغش» الذي حل بها على يد واحد من أولادى! قلت: لكن محمد مرسي كان يقول لنا إنه رئيس كل المصريين.. ألم تر أننا تسرعنا في عزله ولم نعطه فرصته؟! قال: عيب يا ولد تقول الكلام ده! قلت: أنا لا أقول.. بل مرسي هو الذي كان يقول! قال: اللي ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى.. مرسي لا يرقى ليكون رئيسا لجماعته.. فلقد كان يأتمر بأمر المرشد ويفعل ما يمليه عليه خيرت الشاطر.. فكيف كان يقول إنه رئيس كل المصريين.. ثم تعال هنا يا ولد.. ألم تر أن المصريين هم من خرجوا للشارع للتخلص من مرسي هذا؟! قلت: بل رأيت كل شىء وشاركت أيضا معهم.. لكن لا تنس يا سيادة الرئيس أنني صحفي وأنا الذي أدير الحوار! قال: صحفي إيه وهباب إيه.. هو أنت تعرف إيه عن الصحافة.. دا أنا أيام ما كنت باشتغل في الصحافة كنت مكسر الدنيا! قلت: يعنى حضرتك عايز تفهمني إنك كنت مكسر الدنيا وأنت صحفي ومكسرها وأنت رئيس؟! قال: ومكسرها وأنا ميت كمان يا ولد.. أنت كان لازم تعرف نفسك بتكلم مين قبل أن تقوم بتحضير روحى. قلت: العفو يا ريس.. طبعا عارف.. لكن ما يدهشنى هو ما حدث مع مرسي.. فلم أكن أتوقع أن يفشل بهذا الشكل في إدارة مصر بعد كل ما تشدق به من أنه سيراعى الله فينا وأنه لن يجوع أحد في عهده وأنه وأنه... قال: كفى هذا.. فكيف لا تعلم أن مثل مرسي لا يمكن أن يحكم دولة بحجم مصر.. مرسي هذا آخره يكون «شيخ طريقة». ضاحكا قلت: لكنه وصل للرئاسة.. فما الفرق بينك وبينه؟! قال: اسمها بين حضرتك يا ولد! قلت: آسف. قال: يا ابنى يا حبيبى أنا متربي صح.. فأنا زعيم منذ طفولتي.. وكنت أتخيل نفسي بطلا لكل المعارك القديمة التي كانت تحكيها لي جدتي.. فجدتي ووالدتي كانتا تحكيان لى قصصا غير عادية عن مآثر الحروب القديمة والمغامرات.. مرسي بتاعك ده أصبح رئيسا بالصدفة.. دا كان إستبن.. أنت ناسي يا ولد ولا إيه؟! قلت: لا مش ناسي ياريس.. وكان أيضا مسجونا.. يعنى رد سجون! قال: لا.. فموضوع السجن دا مش مهم.. كلنا رد سجون يا ابنى.. المهم لماذا كنت مسجونا.. والأهم أن تخرج من السجن بطلا بعكس «مرسيك» هذا الذي خرج منه وعاد إليه بخفى حنين! قلت: لكن أنصار المعزول مرسي ما زالوا يرونه سياسيا محنكا والدليل أنهم يطالبون بعودته للرئاسة! قال: محنك إيه يا ابنى وهباب إيه.. مرسي كان رئيسا ملاوعا يستخدم «التقية» مع شعبه.. هل رأيت في التاريخ رئيسا يستخدم «التقية» مع شعبه.. دى خلاص «هزلت»! قلت: لكن مرسي عالم جليل ودكتور في وكالة ناسا ياريسنا.. يعنى مش أي أي ولا زى زى! قال: أنت يا ولد شكلك ناوي تخرجني من الجنة لأنني أكاد أن ألعنك وهذا ممنوع في الجنة.. يا ابنى الرئيس لابد أن يكون محاربا مغوارا.. فتاريخي العسكري معروف للعالم أجمع.. ولولا هذا التاريخ ما كان نصر أكتوبر العظيم.. دا أنا رئيس وأنا في اللفة يا ابنى.. طب أنت عارف يا ولد إنت.. زى ما قلت لك من شوية كده.. أنا جدتي وأمي - عليهما رحمة الله - كانتا تحكيان لى قصصا غير عادية قبل النوم.. لم تكن قصصا تقليدية.. كانت عن مآثر الحروب القديمة والمغامرات.. بل كانت عن الأبطال المعاصرين ونضالهم من أجل الاستقلال الوطني.. مثل قصة دس السم لمصطفى كامل بواسطة البريطانيين الذين أرادوا وضع نهاية للصراع ضد احتلالهم لمصر.. أنور الصغير يا ولد لم يكن يعرف من هو مصطفى كامل.. لكنه تعلم من خلال تكرار تلك الحواديت أن البريطانيين أشرار ويسمون الناس.. أنور السادات يا ابنى تربى على قصة شعبية أثرت فيه بعمق لأن أحداثها وقعت على بعد ثلاثة أميال من المنزل الذي نشأت فيه! قلت: وما هي تلك القصة ياسيادة الرئيس؟! قال: حادثة دنشواي.. ألم تدرسها في كتب التاريخ ؟! قلت: بل درستها! قال: يا سلام يا ولد.. أنت لو شفت جدتي وهى تسرد أحداث دنشواي.. كنت هتطلع بطل زيي تمام.. يا سلام عندما كانت تقول لي جدتي إن الجنود البريطانيين كانوا يصطادون الحمام في دنشواي.. وأشعلت رصاصة طائشة الحريق في أحد أجران القمح.. فاجتمع الفلاحون ليطفئوا الحريق.. لكن أحد الجنود البريطانيين أطلق عليهم النار وهرب.. وفى معركة تالية قتل الجندي.. حينئذ تم القبض على العديد من الناس وتم تشكيل مجلس عسكري بالساحة.. وعلى وجه السرعة نصبت المشانق.. كما تم جلد بعض الفلاحين.. وكان زهران هو أول من تم شنقه.. وكان من فرط شجاعته قد مشى إلى المشنقة برأس مرفوعة بعد أن قرر قتل أحد المعتدين في طريقه.. وهكذا حتى نهاية الحدوتة.. فكل حكايات نضال الأبطال من أجل الاستقلال.. كنت أحفظها عن ظهر قلب.. بعكس مرسي هذا الذي نشأ على حواديت بوجى وطمطم! قلت: لكن مرسي وجماعته كانوا ينوون تحرير القدس وإنشاء خلافة إسلامية وكاد أن يأخذ منك لقب الرئيس المؤمن !! ضاحكا قال: مؤمن إيه وهباب إيه.. إنت غاوى تستفزنى وخلاص ياولد.. طب إنت سمعهتهم بيقولوا شعارهم ده بتاع «عالقدس رايحين شهداء بالملايين» بعد وصولهم للحكم ؟! قلت: لا ! قال: علشان الناس دى بتاعة شعارات وبس.. بيضحكوا على السذج من أبناء الشعب.. بعكسى أنا الذي حررت سيناء بضربة واحدة ودون ترديد أي شعارات.. إسرائيل استيقظت من النوم وجدت نفسها متبهدلة يا ابنى.. لو كنت أردد شعارات مثل مرسي والإخوان المتأسلمين بأننا على سينا رايحين شهداء بالملايين ماكانت نامت إسرائيل مطمئنة !! قلت: إذن أنت خدعت إسرائيل بعكس مرسي اللى كل شوية يهددهم بأنه وجماعته عالقدس رايحين !! قال: إيه الغباوة دى ياولد.. أصلا يا ابنى الحرب خدعة.. و«اللى بيحارب مابيقولشى واللى بيقول مابيحاربشى».. والحرب إعدادات وتجهيزات وليس شعارات..إنت فاهم ؟! قلت: فاهم فاهم أنا بس «بنكشك» بمناسبة ذكرى انتصارات العاشر من رمضان !! قال: ماتنكشنيش تانى ياولد ! قلت: لكن قل لي يا ريسنا.. إيه اللي بيوحشك في دنيتنا؟! قال: تراب مصر! قلت: وإيه كمان؟! قال: جيهان وإقبال والعيال! قلت: ومن هي إقبال هذه؟! قال: إنت متأكد إنك صحفي يا ولد إنت! قلت: أيوه يا ريس.. أمال يعنى محضر روحك علشان تبستفنى وخلاص! قال: إقبال دى زوجتي الأولى أم البنات! قلت له: لكن مرسي تزوج مرة واحدة وزوجته لم تخرج للجمهور مثل زوجتك لأنها متدينة! قال: بل قل لأنها مش هانم زى جيهان مثلا.. لكنها قد تكون مثل زوجتي الأولى ما تنفعش غير هانم في منزلها ليس أكثر.. أنا يا ابنى تزوجت مرتين.. المرة الأولى كنت أبحث عن النسب.. فرحت أطلب زوجتي الأولى إقبال عفيفي صاحبة الأصول التركية والتي كانت تربطها صلة قرابة بالخديو عباس.. عارف يعنى إيه الخديو عباس يا ولد؟! قلت:عارف يا ريس.. ها وبعدين؟! قال: هذا بخلاف الأراضي التي كانت تمتلكها عائلتها بقرية ميت أبو الكوم.. هما رفضوني في الأول يا ولد.. لكن بعد أن التحقت بالكلية الحربية وصرت ضابطا تغير الحال.. فقبلوا زواجي بإقبال.. أما الزواج الثاني فكنت أبحث فيه عن الحب والأناقة والشياكة.. فكانت أم جمال سيدة مصر الأولى جيهان هانم.. فاهم يا ولد.. جيهان هانم.. هذا إن كنت تريد مقارنتي بمرسي الذي أصبح رئيسا بالصدفة وتم خلعه بسهولة لأنه كان رئيسا هشا لا يحتمى إلا بالخفافيش! قلت له: هل تشرب «البايب» في الجنة؟! قال: إنت ولد رغاى.. وأنا هاعزمك على تفاحة آدم.. وماشوفكش هنا تانى.... وهنا شعرت أن الرئيس المغوار قد بدت عليه علامات الإرهاق.. فتركته وانصرفت وفي رأسي أسئلة كثيرة وكلام أكثر.. وقلت لنفسي: سوف أكرر الزيارة.