أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 14 يونيو 2025    إعلام إيراني: إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية في منطقة سلماس الحدودية شمال غرب البلاد    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي بزيه الأحمر التقليدي في كأس العالم للأندية    صباحك أوروبي.. قيمة صفقة فيرتز.. عودة بوجبا.. وصفقات ريال مدريد    الخريطة المرورية اليوم بطرق ومحاور القاهرة الكبرى    «تعليم البحر الأحمر»: 4154 طالبًا وطالبة يؤدون امتحانات الثانوية العامة 2025 غدًا    غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    إنتر ميامي يتلقى ضربة موجعة قبل لقاء الأهلي    وفاة والد محمد طارق عضو مجلس إدارة نادي الزمالك    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    نتيجة الشهادة الإعدادية بالدقهلية 2025 الترم الثاني.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 14-6-2025.. انخفاض كبير فوق 600 جنيه    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    أشرف داري ل«المصري اليوم»: درسنا إنتر ميامي ونعرف ميسي جيدا (فيديو)    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات قوية في شرق طهران    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    واقعة ياسين تتكرر.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    الكويت تدعو مواطنيها فى مناطق التوتر بتوخى الحذر والمغادرة حال سماح الظروف    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    «قصور الثقافة» تعرض طعم الخوف على مسرح مدينة بني مزار.. غدًا    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن نانسى عجرم

مساحة لشخصيات من لحم ودم، فيهم الصالح والطالح، من يستحق التقدير والتعظيم ومن يستحق النقد والتقويم ، هنا نوزع السخرية باليمنى وباليسرى على السادة المحترمين وغيرهم.
تكاد الأغنية تكون صورة بالأشعة الدقيقة لواقع المجتمع، وكان السابقون من الراسخين، فى العلوم الاجتماعية بكل أركان الدنيا وفى كل الأزمان يؤكدون هذه الحقيقة ويؤكدون عليها، ومن ينظر أو يستمع إلى تاريخنا الغنائى المسجل يجده يواصل تأكيد الحقيقة، ولو أخذنا العقود الثمانية الأولى من القرن العشرين وواجهناها بثلث القرن الأخير، أى الذى يبدأ من العام 1980 إلى اليوم، لصفقنا لواضعى هذه النظرية، الحقيقة.
لو أخذنا من هذه العقول - تحديداً - الفترة من نهاية الحرب العالمية الأولى وحتي ذهاب الرئيس أنور السادات إلى القدس بمبادرة السلام، لوجدنا الأغنية مرآة صادقة للحراك الوطنى والكرامة الوطنية، ولوجدناها مؤشراً دقيقاً لقياس حركة المجتمع كله صعوداً وهبوطاً، وقوة وضعفاً، فمن رحم ثورة 1919 ولدت أسطورة سيد درويش قائد أعظم ثورة موسيقية فى القرن العشرين، وعند رحيله فى العام 1923 كان تحت يده الشاب الموهوب محمد عبدالوهاب الذى يتعلم منه من خلال عملهما معاً فى فرقة منيرة المهدية، ومع رحيل سيد درويش تسلم عبدالوهاب راية التجديد والتحديث وإكمال ما بدأه درويش العظيم، فى الوقت نفسه لم يكن عبدالوهاب قادماً من فراغ، بل كامتداد لعبده الحامولى وسلامة حجازى وأبو العلا محمد، وكان تلميذاً نجيباً لمحمد القصبجى، وبمحازاة عبدالوهاب وموازاته، كانت الأسطورة الكلثومية ترتقى السلمة الأولى فى صعودها نحو القمة، ويشاء القدر، وقدر هذه الأرض المعطاءة، أن تلتقى أم كلثوم بأحمد رامى فى 24 يوليو 1924 بالقاهرة، ويلتقى محمد عبدالوهاب بأحمد شوقى فى 26 يوليو 1924 بالإسكندرية!!، شاعران عظيمان يضع كل منهما يده وعلمه وثقافته في يد صوت ناشئ ما يزال فى طور التكوين، وليواصلا معاً - رامى وشوقى - ما بدأه أستاذهما إسماعيل باشا صبرى فى انتزاع الأغنية المصرية من مستنقعات الانحطاط والانحلال، تنفيذاً لأمر الزعيم الأكبر محمود سامى البارودى الذى كان يأنف من أن تغنى أشعاره، أو أن يجالس المطربين والموسيقيين لسوء ما كانوا يقدمون - ولكن بعد عودته من المنفى وجد أشعاراً لرفيق دربه إسماعيل باشا صبرى على ألسنة المطربين، فطلب منه أن يستمر، وأن يكتب باللهجة العامية ليحرض المواطنين على الثورة ضد الاحتلال وضد الخونة بدلاً من أن تظل رهينة علب الليل القذرة التى تدفن النخوة والرجولة والروح الوطنية فى وحل الابتذال والخلاعة.
مع ارتقاء المجتمع فى وطنيته وكرامته وثقافته واقتصاده ووقوف زعاماته الكبرى موقف الند للند سواء كان ذلك فى مواجهة القصر، أو فى مواجهة سلطة الاحتلال ومن يسير فى ركابها بالخارج، كانت الأغنية جنباً إلى جنب أو رأساً برأس، كالأوانى المستطرقة، وبرغم كل الهزات والتراجعات والخيانات العنيفة، لم يتقهقر الشعب إلى الوراء، ولم تتدحرج هيبة الدولة «كجلمود صخر حطه السيل من عل» كما قال زميلنا العزيز امرؤ القيس، وسوف نخطئ كثيراً فى العد لو جلسنا نحصى الأسماء والقامات التى طرزت تاريخ المصريين فى سنوات الصعود، وفى كل المجالات وبلا استثناء، فإذا ما جاءت ثورة يوليو فى العام 1952 كان الأدباء المصريون، ورجال الاقتصاد والفنون والعلوم كالمانشيتات الرئيسية فوق جبين العالم، ومع المد القومى باتجاه العروبة، والمد الجغرافى باتجاه عمقنا الإفريقى، أصبحت مصر محوراً لارتكاز الكرة الأرضية، وبدأت تستعيد وهجها القديم الذى يشع فى الكون كله باتساع سبعة آلاف سنة، كان عبدالناصر يتحرك كوريث شرعى لكل هذه الحضارة، وكأنه عصارة هذا الشعب بامتداد كل هذه السنين، كان «واثق الخطوة يمشى» مطمئناً بأن وراءه شعباً يحبه ويرى فيه الترجمة الفورية لكل الأحلام والطموحات المؤودة أو المؤجلة أو التى لم نحلمها بعد.. طار إلى الشرق وإلى الغرب، إلى الشمال وإلى الجنوب، وزرع اسم مصر فى أركان الدنيا مرة أخرى، وكانت إطلالته كافية لإذابة الحديد وزلزلة الأرض تحت أقدام أعدائنا وحاسدينا وشانئنياً، بما كان يملك من هيبة وقوة ومن ثقة بالله وبالنفس وبالشعب.
برغم كل الثقوب التى اخترقت التجربة الناصرية، وبرغم الاستبداد والسجون والمعتقلات وكل المساوئ التى ارتكبتها حكوماته تحت قيادته وعلى مسئوليته، فإن إنجازاته ستظل شاهدة له، وأن عصره كان عصراً من النخيل فى كل مناحى الحياة المصرية، وأن ما أنتجه المصريون من فنون وآداب، وما بنوه من مصانع ومشروعات عملاقة، وما أحرزوه فى الاقتصاد والطب والهندسة والعلوم كلها يفوق أمما تكثرنا عدداً ومساحة وقدرات مالية عشرات المرات حتى عندما غامر بالحرب ضد إسرائيل وشركائها وأورثنا الهزيمة الثقيلة التى تتمدد آثارها فى الزمن، فسوف يظل عظيماً وكبيراً، فى إنجازاته وفى أخطائه كما قلناها من قبل.
فى عصر عبدالناصر كانت الأغنية سلاحاً فعالاً على كل الجبهات، كانت أم كلثوم تطل كمسلة فرعونية شامخة تستند إلى الهرم «الأكبر» لكنها لم تستطع إلغاء الآخرين، بل تحولت إلى قدوة عظيمة احتضنت كل القادمين والقادمات من الخلف، فازدحمت الأيام بعشرات الأصوات الكبرى، ومئات الشعراء والملحنين الكبار، فأنتجوا فى عقدين فقط ما يكفى لمئات السنوات المقبلة «بالرغم من سرقة ما يفوق ثلث التراث الغنائى والفنى من مكتبتى الإذاعة والتليفزيون»، كان الكبار كباراً فى كل شىء، لم تنس أم كلثوم دورها كزعيمة للغناء حتى بعد أيلولة رئاسة نقابة الموسيقيين إلى غيرها، وسيبقى دورها الوطنى هو الأكبر على الإطلاق فى سجل الفن المعاصر، بقيادتها مبادرة تسخير الفن لدعم المجهود الحربى فى أعقاب هزيمة يونيو المنكرة، وبدلاً من أن تفتعل الاكتئاب وتمثل الحزن مثلما فعل كثيرون، أعلنت على الملأ بكل قوة وشجاعة وعقل - أن صوتها هو سلاحها، وسوف تقاتل به من أجل الثأر واسترداد الأرض والكرامة، وبدأت دورتها الطويلة بهذا السلاح قبل أن يمر شهران على النكسة، وفى الثالث والعشرين من يوليو انطلقت لتجمع المال وتوقظ الروح المصرية وتنقذها من أنياب اليأس والإحباط والإحساس بالعار والمهانة، ومن محافظات مصر إلى باريس إلى معظم العواصم العربية الشقيقة.. تغنى، وتعيد الدماء الساخنة إلى الشرايين المتيبسة، فجمعت ما جمعت، ولكن بقى الرمز والمعنى أكبر من كل أموال الدنيا وكنوزها.
بعد رحيل عبدالناصر فى الثامن والعشرين من سبتمبر 1970م لم تنطفئ جذوة الروح المصرية ولا وهج وطنيتها، استمرت النهضة «الحقيقية» علي أشدها، وكل تروس المجتمع تدور بقوة وبإتقان من أجل الوصول إلى اليوم الموعود، يوم تأديب إسرائيل ومن وراءها، وإثبات أن ما حدث فى الخامس من يونيو كان مجرد غفوة طارئة لن تتكرر، وعندما ملأت شمس العاشر من رمضان سماء مصر العظيمة وأضاءات تاريخها المجيد مرة أخرى، تحول الشعب كله إلى أسلحة، وكما كان أهل الأغنية يرابطون فى استديوهات ماسبيرو أثناء حرب 1967 وينامون فى الطرقات وعلى السلالم ولا يسألون عن أجر «عدا أحد الشعراء»، انطلقوا أيضاً إلى معسكرهم الدائم فى ماسبيرو وانسكبوا غناءً يؤرخ للقتال وللنصر لحظة بلحظة، فمنحونا الثقة وطرزوا فرحتنا بالنصر بورود المعانى، وأضاءونا بعد أن أظلمت مشاعرنا فى ليالى الهزيمة الكئيبة، ولتواصل الأغنية دورها فى التعبير عن الأحداث العظمى وتسجيلها والتأريخ لها، فإذا كان الشعر العربى هو ديوان العرب فى تاريخهم «القديم» فإن الأغنية الوطنية هى ديوان المصريين، بدءاً من نهايات القرن التاسع عشر، وهى الأصدق من كل المؤرخين المنافقين وصناع الأدوار والبطولات الوهمية والإنجازات الزائفة.
بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، ثم اغتياله فى 1981 ثم مجيء خليفته الذى يحمل لقب المخلوع، كان المنحنى المصرى يستدير إلى الوراء ليبدأ رحلة الهبوط، «الذى لم نكن لنظن أنه سيصبح شنيعا إلى هذا الحد»، تساقطت أشجار النخيل المصرى فى كل المجالات نخلة تلو نخلة، وكلما فقدنا نخلة ورثنا معها فراغاً كبيراً أو أرضاً محروقة لم تعد تقوى على حمل النخيل، سقط السياسيون الأفذاذ، والاقتصاديون العمالقة، وتوارى الموهوبون أو فروا إلى جحيم المنافى الاختيارية بعيداً عن البيئة الفاسدة وانعكس السقوط عبر الفن بسرعة البرق وكانت أسرع إصاباته فى فنون الأغنية والسينما والمسرح، عدنا مرة أخرى إلى عصور الضعف والانحطاط والابتذال، غير أن تلك الانحطاطات كانت تصيب الأمة، أو الأمم الأخرى، فى أعقاب الهزائم أو الاخفاقات الكبرى، غير أنها أصابتنا ونحن منتصرون وننعم، بمعاهدة سلام «لا يعلم محتواها إلا الله»، ونرتع فى أمان - ولو كان وهميا ولا نشعر بتهديد ما من قبل عدونا الإسرائيلى المزمن، أى نتمرغ فى الرحرحة، وبدلا من أن نستغل الفرصة والظروف لمواصلة الارتقاء استغللناها فى العودة إلى الوراء أو بدايات القرن، واستطاع صفوت الشريف - وزير الإعلام فى ثلاثة أرباع الحقبة المباركية الهباب - أن يستغل دهاءه القديم فى الطبطة على مشاعر السيد الرئيس والست مراته، فابتكر الاحتفالات الأكتوبرية إياها لتتحول إلى فرصة سنوية للاحتفال بختان علاء وجمال وزفاف السيد الرئيس - بأثر رجعى - ونشأ جيل الأغنية الارتزاقية أو السبوبة الموسمية بقيادة عمار الشريعى الذى لم يعد يجوز عليه سوى الرحمة، وأغلق الباب فى وجه الشعراء والملحنين المحترمين الذين رفضوا الانصياع لرغبات السيد الوزير أو بيع تاريخهم فى حفل نفاق حضره العمدة، وفى المقابل قفز قردانية الأغنية وتسلقوا المواسير الخلفية لمبنى ماسبيرو، وكل أنواع الرشوة وألقوا قاذوراتهم علينا من كل القنوات والإذاعات، وخلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين «اللذين شهدا بداية الانحدار فى كل شىء» تم الإجهاز على معظم كنوز الإذاعة المصرية والتليفزيون، وبعمليات نهب منظمة بقيادة رؤساء القطاعات أو تحت مسمعهم وبصرهم تسرب معظم تاريخنا المسجل بالصوت والصورة إلى الفضائيات الناشئة أو الإذاعات العربية التى أؤمن أنها أخذت ما أخذت بحسن نية، ومع دخولنا القرن الجديد.. دخلنا زحفاً على الخدين فى السياسة والاقتصاد والإعلام والعلوم وفى كل الآداب والفنون، وفى خضم فوضى الانهيارات المتتالية توارت الأصوات أو الأشجار الصالحة للنمو، أصبح كل مجال أوسع من ألف فدان ولكن لا نرى فيها سوى عدة أعواد لا تقوى على مواجهة الريح!! ومع قيام ثورتنا المسروقة التى يشار إليها بثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ومع خلع أعتى نظام - عرفه تاريخنا الحديث، توهمنا أننا استعدنا مصرنا وملكنا زمامنا، وتخيلنا أننا سوف نبدأ الخلاص من حقبة الخيبة إلى مرتقى الهيبة، لم نكن نظن أن عصر عبدالناصر والسادات وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وزكى نجيب محمود ونجيب محفوظ ورامى ومأمون الشناوى ومرسى جميل وبيرم وفؤاد حداد والقصبجى وزكريا وعبدالوهاب والسنباطى والطويل والموجى وأم كلثوم وفريد وعبدالحليم.. إلخ قد ولى إلى غير رجعة وأخذ معه بذوره وأشجاره وآثاره، لم يكن أحد يتخيل أن ثورتنا ستفقس خرابا لم نعرفه من قبل، وحكومات لا علاقة لها بالواقع، ونظام عديم الحيلة منزوع الهيبة مرتعش الأقدام، لم نكن نتخيل أن يستمر عصر رائدات النفخ والشفط والتكبير والتصغير فى مجال الغناء، كنا نحلم بميلاد أم كلثوم أخرى وانحسار موجة هيفاء وإليسا وروبى وكارول وميريام وكل هذه الأشكال، فإذا بالساحة تخلو لهن ليتوالدن ويتكاثرن وينهضن نهضة لا مثيل لها، كانت أم كلثوم زعيمة للغناء ونقيبة للموسيقيين، فجاءت أيامنا الهباب هذه بفلان الفلانى نقيبا للموسيقيين.
«أستخسر فيه أن أكتب اسمه»، وبعد ثروت عكاشة وأعلام وزارة الثقافة جاءت لنا الحقبة المقندلة بوزير للثقافة كل مؤهلاته تتمثل فى مقالين دلقهما فى خرابة «الحرية والعدالة» يسب فيها رموز المعارضة ويمدح الإخوان، سارقى الثورة والوطن، وربما كان لملامحه مبرر قوى فى عملية انتقائه فمن يدقق فى ملامح الرجل يجده وكأنما ارتدى المرشد أو بلعه، ولم أر له صورة واحدة يبتسم فيها، وهذا معناه إما أنه يعلم أنه أقل من أصغر مثقف فى وزارة الثقافة وهيئاتها، أو يشعر بتأنيب الضمير لارتضائه قبول هذا الدور الانتقامى من كل الرموز المبدعة التى يفتقر إليها الذين جاءوا به إلى هذا المنصب الرفيع، وفى مقابل هذه الحكومة الفارغة الهشة توجد معارضة أكثر هشاشة تمارس دوراً صوتيا لا غير مثل ذلك الذى يمارسه الملحن حلمى بكر فى تقطيع المطربين الجدد وانتقادهم، فلا هم سمعوا لانتقاداته ولدغاته وارتدعوا، ولا هو قدم لحناً أو بديلاً مقنعاً يسد ثغرة نحن جميعاً في المرحلة النشاز، أظهرنا ضعفنا على نواصى الطرق، فسال لعاب النمل طمعاً فينا، حدودنا مخترقة، جنودنا يقتلون ويخطفون ونهان ويهانون، كان لنا زعماء يفرضون كلمتنا بالنظرة والإشارة فيعرف الآخرون مواضع أقدامهم، ويتحسسون ملابسهم خوفاً من الإسهال، ولم يكن أحد يجرؤ على أن يسعل أو يعطس أمامهم، الآن دخلنا فى غمار الأبلج واللجلج والسجع البطىء البليد، وتخبطنا فى حروف الخطب الركيكة وتشعلقنا فيها، فقامت أنصاف القوالب النائمة، وببساطة شديدة يتم قطع الصوت عن السيد الرئيس الذى لم يراع الوقت المحدد فى مؤتمر أديس أبابا، وبعد قطع الصوت يتم قطع الماء وإغلاق محبس النيل استمراراً لفوضى الإهانات والاستهانات والطمع فى مزيد من التنازلات والركوع أمام مطالب الآخرين ورغبتهم فى الانتقام.
ولماذا جئت بنانسى عجرم لتكون بطلة العنوان والرسم المصاحب؟
- أقول: هذا بختها وقدرها، كان من الممكن أن تكون إحدى الشبيهات زعيمات هذه الانهيار، لكن نانسى الآن تحظى بحضور كعضو لجنة تحكيم مسابقة غنائية «!!» وهى، وكل المحكمين فى تلك المسابقات لا يصلحون ككورال أصلاً، ثم ما أثارته أخيراً فى ذكرى ميلادها ومداعبات راغب علامة لها ، ولم يكن راغب أول من تعاملهما ك «مزة» فقد سبقه الراحل فؤاد المهندس بعد أن أبدى إعجابه بها كأنثى بشكل لا يليق بسنه ولا مقامه ولم يكن يتحدث عنها من حيث كونها فنانة أو صاحبة صوت ما، هى بريئة ومسكينة وأغنياتها تشبهها، وهى تشبه عصرها وتنطبق معه تمام الانطباق، فإذا كانت أم كلثوم نتاجاً لعصر الشموخ والتحضر والكرامة مما جعلها رمزاً للفن المسئول فظلت - طوال أربعين عاماً - تواجه جمهورها بتسريحة شعر ثابتة، وبفساتين تشبه القصيدة العمودية، وكانت لا تدخل على الجمهور خوفا منه - بل تجلس وسط فرقتها ترتعش حتى يفتح الستار وتأخذ الأمان ثم تغنى، فإن نانسى وشبيهاتها نتاج عصر الاستهانة والضعف وعدم الاحساس بأية قيمة فى ظل الحكومات الطاغية المستبدة التى ستدخل النار، كانت مصر قبلة الدنيا وبهجتها وزينتها، وكانت الشمس المتألقة فى وجدان الحضارة والرقى الإنسانى.
وفى ظل الحكومات التى تتاجر بالدين أصبحنا مطمعاً وملطشة للأمم ولقمة سائغة تحلم بها دول فى حجم النملة وتتحداها!!.
- كانت أم كلثوم تشبه عصرها.
- ولم تخطئ نانسى عندما جاءت تشبه عصرها.
- عذراً يانانسى .. يا كوكب .. المزز .. أقصد ياكوكب الشرق فى القرن الحادى والعشرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.