سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحكومة «آخر من يعلم».. جهل محافظ القاهرة يكشف عشوائية اختيار الوزراء والمحافظين.. خبراء يطالبون بأكاديميات مستقلة لتأهيل المسئولين.. و3185 قرارا ولائحة يجب أن يستوعبها المحافظ
* د. "عمر هاشم ربيع": لا نملك رفاهية التساؤل عن سر تعيين "فلان" أو إبعاد "علان" * د. "أحمد البرعى": رفضتُ حقيبة "التعليم" لأنى لم أكن جديرًا بها * "بهاء الدين شعبان": قصر المناصب الرفيعة على "الأهل والمحاسيب كارثة" لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد في اختيار الوزراء والمحافظين وكبار المسئولين في مصر، أهل الثقة لا يزالون في الصدارة، وأهل الكفاءة في المؤخرة. الشكل الباهت الذي ظهر عليه محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي وعدد كبير من رجال الدولة، أثناء افتتاح حزمة من المشروعات القومية، يوم السبت الماضى، وعجزه عن الإجابة عن ثلاثة أسئلة تتعلق بصميم عمله، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولكنه يكشف بجلاء المستوى الحقيقى لمن بأيديهم مقاليد الأمور. المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم انكشف، فما بالك عندما يضرب الخرس لسان المسئول الرفيع، فيقف عاجزًا ولا يكاد يبينُ. محافظ القاهرة ليس حالة استثنائية، فقد سبقته من قبل وزيرة التضامن الاجتماعى الدكتورة غادة والى، عندما اكتشف رئيس مجلس النواب عدم إلمامها بمعلومات كافية خاصة بملف المعاشات، وطلب منها أن تستعين بمساعدين أكفاء قادرين على توفير المعلومات اللازمة ذات الصلة بوزارتها بدلًا من تضليلها. تلك الحالة الغريبة والمعقدة دفعت الكثيرين إلى التساؤل مجددًا، أو هكذا يتم اختيار المسؤولين، ومتى تكون لدينا معايير جادة وضوابط حقيقية لمن تُسند إليهم المناصب الرفيعة، هل لا يزال أهل الكفاءة أولى من أهل الثقة، ما مؤهلات اللواء خالد عبد العال حتى يصير محافظًا للعاصمة؟ وما مؤهلات غيره حتى يصبحوا بين ليلة وضحاها من أهل الحل والعقد؟ هذه التساؤلات وغيرها نحاول أن نبحث لها عن إجابات حقيقية في السطور التالية.. أهل الثقة أولًا وزير التنمية الأسبق المستشار محمد عطية، يبرر عدم قدرة محافظ القاهرة على الرد عن تساؤلات الرئيس له بأنه ربما لم يكن مستعدًا أو مُلمًا بالأرقام، لا سيما أن الموقف كان مُباغتًا، جازمًا بأن الرئيس لم يهدف إلى إحراج المحافظ، ولكنه أراد أن يعطى درسًا عمليًا لجميع المسئولين، بأن يكونوا أكثر إلمامًا بالمعلومات حتى يكونوا قادرين على مواجهة الرأي العام في أي وقت. الوزير الأسبق قال ل "فيتو" إن المحافظين يعملون في ظروف صعبة جدا، ولا يجب أن "نعلق لهم المشانق"، لمجرد موقف عابر، لا سيما أن الأسئلة التي فوجئ بها المحافظ، ليست سهلة أو يسيرة، ولكنها "عمليات حسابية معقدة"!! وزير تنمية محلية سابق، لكنه فضل عدم ذكر اسمه تحرُّجًا، شدد على أنه لا يوجد "محافظ حالى" ضمن جميع المحافظين الحاليين، يمكنه الإجابة عن الأسئلة التي طرحها الرئيس على محافظ العاصمة، ليس جهلًا منهم، ولكن لأسباب كثيرة تتصل بآليات العمل!! وتابع الوزير السابق قائلًا: على سبيل المثال.. لا يمكن لمحافظ معرفة ما تُحصله الضرائب من أموال من مستثمري المحافظة، لأنها تورد مباشرة لوزارة المالية، مضيفًا: " أشفقت على "عبد العال"، ولكنه –بالنسبة لى- معذور، ولا يجب أن يتم اغتياله معنويًا! غير أن وزير التضامن الاجتماعى الأسبق الدكتور أحمد البرعى، يتبنى رأيًا مخالفًا للرأيين المتقدمين، مؤكدًا في تصريحات ل "فيتو"، أن كل مسئول في مكانه، "وزيرًا كان أو محافظًا أو أدنى من ذلك"، لابد أن يكون مُلمًا بما في وزارته أو محافظته من مشكلات وعقبات، وأن يكون لديه حلول لهذه المشكلات والقدرة على تجاوزها، لافتا إلى أن آلية اختيار المسئولين في مصر لا تزال خاضعة لمبدأ "أهل الثقة"، متسائلًا: لو أسندت عملًا إلى شخص لا يفقه فيه كيف يحقق النجاح؟ واستطرد البرعى قائلًا: الاختيارات تتم عن طريق المعرفة والعلاقات الشخصية والتحريات الوهمية وأحيانًا تكون مكافأة نهاية الخدمة، ولا يوجد تقييم موضوعى أو عقلانى للاختيار، ومن ثم فإن محافظ القاهرة ليس بدعة من المسئولين، ولكن الواقع يؤكد أنه يشبه كثيرين ! "البرعى ضرب المثل بنفسه قائلًا: " لم آتِ وزيرًا للقوى العاملة من فراغ، لكنى كنت عضوًا في لجنة الخبراء في منظمة العمل الدولية، وكنت أستاذًا في حقوق القاهرة، ولدىَّ خبرات متراكمة في مجال عملى، وكنت أعلم بالمشكلات الموجودة في مجالى"، كاشفًا أنه رفض حقيبة التعليم لعدم إلمامه الكامل بملف التعليم ومشاكله، ولكنه وافق على اختياره لاحقًا وزيرة ل"التضامن الاجتماعى"، لأنه كان يمتلك الخبرات الكافية لذلك!! قمة الفشل! الخبير في شئون التنمية الإدارية والمحلية الدكتور حمدي عرفة، ينظر إلى الموقف الذي تعرض له محافظ القاهرة، باعتباره انعكاسًا لوضع عشوائى، يتجسد في اختيارات "المحافظين"، منوهًا إلى أن اختيار المحافظ أو المسئولين داخل الوزارات والهيئات الرسمية، لابد أن يضع في الأولوية دراية هذا الشخص بملفات الباعة الجائلين والعقارات المخالفة والإدارة المحلية، والسكك الحديدية، الترع والمصارف، رصف الطرق وتطوير القرى. ويؤكد "عرفة" أن هناك 3185 قرارا ولائحة لابد أن يكون المحافظ على دراية تامة بها، ولابد أن يكون متفهما ومستوعبا لكيفية التعامل مع المحليات ومنظمات المجتمع المدني، مفضلًا أن يكون المحافظ أكاديميًا، أي متخصصًا في جهاز المحليات، أو أن يكون موظفًا داخل أحد أجهزة الدولة، كأن يكون: "رئيس مدينة"، "سكرتير عام مساعد"، ثم "سكرتيرا عاما"، قبل تعيينه "محافظًا"، متابعا :"إذا لم يتدرج بهذا الشكل والنمط الصحي ليصبح محافظا جيدا، سيكون في قمة الفشل، وستتكرر حادثة محافظ القاهرة عشرات المرات!! الهبوط بالبراشوت برلمانيًا.. قال النائب بدوي النويشى، وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إن لوم الرئيس عبد الفتاح السيسي، لمحافظ القاهرة، على خلفية عدم إجابة الأخير عن تساؤلات تتعلق بصميم عمله، يعد رسالة لجميع المحافظين والمسئولين، بألا يعتبروا أنفسهم "ضيوف شرف" على مناصبهم، ولكن يجب أن يكونوا على دراية تامة بأدق التفاصيل، كما يفعل الرئيس تمامًا. وتابع وكيل لجنة الإدارة المحلية قائلًا: لابد أن يكون المحافظ مُلمًا بكل شيء في المحافظة، من خطط وموازنات ومشروعات وغيرها، وعليه فور استلامه العمل، أن يعقد اجتماعات مستمرة مع كل الإدارات ليعرف كل كبيرة وصغيرة في محافظته، حتى لا يتعرض لنفس الموقف الذي تعرض له محافظ القاهرة، كما يرى النائب البرلمانى أن الحالة التي ظهر بها "عبد العال" أمام كبار رجال الدولة تدق ناقوس الخطر بشأن اختيارات الوزراء والمحافظين والتدقيق فيها، وتجنب سياسة الهبوط على المناصب الرفيعة بالبراشوت والاستمرار في سياسة إسناد الأمر إلى غير أهله، والاعتماد على أهل الثقة، مهما كانت العواقب جسيمة! وتابع وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب قائلًا: الواقعة تفتح بابا مهمًا، وهو ضرورة تدريب القيادات المحلية، الأمر الذي التفتت إليه اللجنة إبان إعداد قانون الإدارة المحلية الجديد، حيث نصت في مشروع القانون على: إنشاء أكاديمية لتدريب القيادات، تتراوح مدة الدراسة فيها من 6 أشهر إلى عامين، بحسب طبيعة المنصب، بدءًا من "رئيس قرية" وهكذا، على ألا يتم اختيار أي قيادة لتولى المناصب المحلية دون حصولها على شهادة من الأكاديمية. النائب هيثم الحريرى، عضو تكتل 25/30، يؤكد أن فشل محافظ القاهرة في الإجابة عن أسئلة الرئيس، يعكس الآلية غير الواضحة في اختيار المحافظين، وأيضًا في إقصائهم، ففى مصر لا أحد يعرف على أي أساس تم اختيار المسئول، وعلى أي أساس تم إبعاده، مؤكدًا أن 50% على الأقل يتم تعيينهم بالمجاملة والعشوائية! ويجزم "الحريرى" في تصريحات ل"فيتو"، بأن "أهل الثقة" يستحوذون على المناصب الرفيعة، مهما كانت مؤهلاتهم، كاشفًا عن أنه طلب في وقت سابق، بأن يعقد مجلس النواب "جلسات استماع"، مع المرشحين لمنصبى "الوزير" و"المحافظ"، للاطلاع على رؤيتهم في العمل، ومن ثم اكتشاف العناصر غير المؤهلة، إلا أن ذلك لم يحدث، وأعتقد أنه لن يحدث! "الحريري" استطرد قائلًا: سوء اختيار الوزير أو المحافظ، يتحمل آثاره السلبية، المواطن، كما أن حسن اختيار المسئول، يعود بمردود إيجابى، مؤكدًا أن انتخاب المحافظين يبقى حلًا أمثل لاختيار المحافظين بعيدًا عن سياسة العشوائية والمجاملات التي تفرز محافظين دون المستوى الشكل دون الجوهر "ليس لدينا رفاهية التساؤل".. إجابة صادمة جاءت على لسان أستاذ العلوم السياسية "عمرو هاشم"، عندما سألناه عن سياسة اختيار المحافظ أو الوزير في مصر، متابعًا: لا نعرف كيف يتم تعيين هذا أو ذلك، ولماذا يتم الاستغناء عن خدماته. وأضاف "هاشم" ساخرًا: أصبحنا نهتم بالشكل فقط دون الجوهر، فنهلل ونصفق عندما يتم تعيين قبطى أو سيدة أو شاب في منصب مهم، رغم أن الأهم هو: هل هذا الشخص أو هذه السيدة على قدر من الكفاءة أم لا؟ "هاشم" يقطع بأن معيار "أهل الثقة" لا يزال الحاكم بأمره في الاختيارات، ولا عزاء لأصحاب الخبرات العملية والعملية والكفاءة، مؤكدًا أن هناك من يتم استوزاره أو تعيينه في منصب "المحافظ"، لمجرد أنه "قريب أو صديق" مسئول رفيع وهكذا!! "هاشم".. انتقد أيضًا قصر منصب المحافظ تحديدًا على فئة محددة من "الضباط المتقاعدين ورجال القضاة وأساتذة الجامعة"، حتى لو لم يكونوا مؤهلين لذلك. ويطرح "هاشم" حلًا مناسبًا – من وجهة نظره- للخروج من هذا المأزق، وهو توفير مركز إعداد قادة مفعل وحقيقى يكون قادرًا على صقل المرشحين لمنصب المحافظ وجميع وظائف الإدارة المحلية. فرق كبير بين الرئيس والمسئولين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي، ينتقد البون الشاسع بين أداء الرئيس السيسي من جهة، وأداء بقية المسئولين من جهة ثانية، منوهًا إلى أنه في الوقت الذي يبدو الرئيس فيه مُلمًا بكل صغيرة وكبيرة، من خلال لجنة المتابعة بمؤسسة الرئاسة فضلًا عن شخصية الرئيس الشغوفة بالإلمام بجميع التفاصيل، نجد الوزراء والمسئولين يركنون إلى حالة من الكسل المهنى الواضح. "فهمي" يرى أن المحافظ لا يجب أن تكون معلوماته مقتصرة فقط على حدود محافظته، بل يجب أن يكون مُلمًا ومستوعبًا لسياسات وإستراتيجيات الدولة ككل، داعيًا إلى ضرورة توسيع دائرة الاختيار، وتأهيل المرشحين للمناصب الرفيعة من خلال مؤسسات متخصصة في البرنامج الرئاسي. أستاذ الإدارة والاقتصاد الدكتور يحيى كاظم، يدفع أيضًا بأن واقعة جهل محافظ القاهرة بما يدور داخل محافظته، نتيجة طبيعية لعدم وجود معايير واضحة في اختيار قيادات المحليات، وفى الصدارة منها منصب المحافظ. "كاظم" قال ل"فيتو" إن جهل القيادات بمهام وظيفتهم وعدم قدرتهم على الإلمام يفتح أبوابًا واسعة للفساد لا حصر لها، وهو ما ينعكس بدوره على الفساد المتجذر في المحليات. وشدد "كاظم" على ضرورة تأهيل القيادات قبل دفعهم إلى مناصبهم، موضحًا أن دولًا مثل: كندا وأستراليا أنشأت أكاديميات لتأهيل القيادات لضمان نجاحهم في أداء وظائفهم وأدوارهم. ويعتقد "كاظم" أن الإصرار على اختيار "أهل الثقة" رهان خاسر في كل الأحوال، منوهًا إلى أن "أهل الثقة" إن لم يقعوا في فخ الجهل، فسوف يقعون في فخ الخيانة، إذا ما تعرضت مصالحهم الشخصية لأى أضرار. سياسات عقيمة أستاذ الإدارة المحلية بجامعة الإسكندرية والمدير العام الأسبق للمنظمة العربية للتنمية الإدارية "أحمد صقر شاهين" يؤكد أن الأسس والمعايير التي يتم اختيار المسئولين في مصر من خلالها، لا تعطي أفضل النتائج، لأنها تفتقد غالبًا للشفافية والنزاهة والعدالة والمنطقية. واستطرد قائلًا: لا يجب أن يتم اختيار أشخاص في مناصب رفيعة لم يخضعوا للصقل والتأهيل ولا يمتلكون خبرات متراكمة، ولا سيرة ذاتية متميزة، مطالبًا بالتخلص من السياسات العقيمة والانفتاح على الغرب وتجاربه المتقدمة في تعيين المسئولين. "إدارة شئون المحافظات بحاجة لمسئولين يتمتعون بمزايا معينة"، بحسب "صقر"، منوهًا إلى أن " الوزير/المحافظ" ينبغي أن يكون سريع البديهة عندما يلتقي بالرئيس، ويتمتع بذهن حاضر ببيانات ومعلومات صحيحة. وتساءل "صقر": من يراقب عمل المحافظين؟! مؤكدًا أن الأوضاع – في مجملها- غير مُرضية ولا يمكن في ظلها تحقيق أي إنجازات. الأهل والمحاسيب رئيس الحزب الاشتراكى المصرى المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، يؤكد أن قصر اختيار كبار المسئولين على "الأهل والمحاسيب" إرث قديم أنتجته الحقبة الناصرية، وظل منهجًا لا يتغير، مؤكدًا أن تلك السياسة هي التي تفرز مسئولين جهلاء، أو مرتشين أو فاسدين، لأن "ما بني على باطل فهو باطل"! وتابع "شعبان" قائلًا: المسئول الذي لا يعلم شيئًا عن عمله وملفاته، هو شخص غير كفء وغير مناسب، مشيرا إلى أن الجهاز الإدارى للدولة يجب أن يختار مسئولين على أعلى كفاءة، وخاصة أنه لا نستطيع أن نأتى بشخص مجهول ونتوقع منه إنجازا كبيرا. "نقلا عن العدد الورقي..."