كانت العمامة فى الماضى اللباس الرسمى للرأس، وكان يلبسها مختلف الطبقات، فكان الحاكم التركى وشيخ البلد وعلماء الأزهر والقساوسة والتجار يلبسون العمامة، وحتى الصناع وأصحاب المتاجر. وعندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر وجد بونابرت العلماء يلبسون العمامة، فطلب منهم تصغير حجمها، فأخذت تصغر رويدا رويدا إلى أن جاء محمد على فأعادها إلى شكلها الطبيعى، وحول شكلها إلى طيات مختلفة، بعد أن نزع منها الشال، ولما تولى عباس الأول الحكم فى نوفمبر عام 1848 لبس الطربوش الإسلامبولى الذى يختلف عن الطربوش المعتاد فى الاتساع واللون، ولما جاء إسماعيل طغى الطربوش على العمامة ودخل المدن والأقاليم، كما ازداد الاهتمام بالطربوش على العمامة فى عصره. وخلال قيام الثورة العرابية، استمر الاهتمام بلبس الطربوش، كما كان للعمامة من يهتم بلبسها، ففى أثناء ثورة عرابى كان "سعد زغلول"، يلبس العمامة لفترة، فلما جاءت ثورة 1919 لبس الطربوش، وظلت هذه الظاهرة الاجتماعية تشغل الأذهان، فالبعض ينتصر للعمامة والآخر يفضل الطربوش، واستمرت الصحف تكتب الفصول الطوال حول هذا الموضوع، موضحة آراء الناس فى هذه القضية، ويبدو أن الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر خلال هذه الفترة شجعوا على ذلك حتى يتم إشغال الناس عن القضية الوطنية، وصرفهم عن المطالبة بالحرية وخروج الإنجليز من البلاد، ومما ذكرته الصحف فى ذم العمامة نذكر ما نشرته مجلة "الكشكول" حول هذا الموضوع فوصفت العمامة بأنها تاج انتهت دولته وسلطان ذهبت صولته، وكوكب تلألأ ثم انقشع. واستمر الحال على ذلك حتى لبس بعض المصريين القبعة، واعتبرها البعض شارة التفوق والغلبة، ويحكى الأديب "عبد العزيز البشرى" قصة طريفة حول هذا الموضوع فيذكر أنه كان يصحب ابنتيه فى نزهة، وكانتا تضعان على رأسيهما قبعتين فشاهدهما أحد أولاد البلد، فقال لصديق له كان يجالسه على المقهى: "شوف فضيلة الشيخ ملبِّس أولاده برانيط".. فسمع البشرى هذا التعليق ومضى يقول: "أمال عايزنى ألبسهم عمم"، وعلى أية حال فبعد انتشار الوعى القومى فى أعقاب ثورة 1919 تردد شعار، "مصر للمصريين". وعاد المصريون إلى لبس الطربوش وأصبح رمزاً للرفعة والسمو، وتمسك الناس به واستمرت الأمور على هذا الحال حتى قامت ثورة يوليو 1952، وأعيد النظر فى لباس الرأس عند المصريين، وانتهى الأمر بأن أصبح المصريون لا يلبسون لا طربوش ولا عمة ولا قبعة، واقتصر أمر العمة على الأزهريين ورجال الدين.