يظهر أن أبعد ألبستنا تناسبا مع طقس بلادنا وشدة شمسها هو لباس رؤوسنا. يلبس الشيوخ منا العمائم ويلبس الافندية الطرابيش ويلبس جماعة الريف من المزارعين اللبد ويلبس العامة الطواقي. وليس بين هذه الانواع المختلفة نوع واحد يحجب الشمس عن الوجه ومؤخر الرأس وفي ذلك من الاضرار الصحية الشيء الكثير فان حرارة الشمس تؤذي العيون وتسبب لها أمراضا نترك لاطباء العيون شرحها، ولا اظن واحدا ممن يسيرون معرضي الرؤوس للشمس غير متقين شعاعها بالمظلات لم يشعر بالصداع الذي تسببه حرارة الشمس القتالة. كذلك ليس بين تلك الالبسة ما يجعل للهواء سبيلا إلي الرأس اللهم الا الطاقية فان الهواء يمكن أن يتخلل قماشها فلا تحرم منه الرأس. ولكنها كزميلاتها لاتمنع عنا أذي الشمس. ولقد أدركت الحكومة ضرر لبس الطربوش في الشمس ولما كان أكثر رجالها تعرضا للشمس هم نفر البوليس الذين يقفون مدة طويلة في الشوارع للمحافظة علي النظام فقد أنشأت لهم وقاية خاصة من التيل الابيض يلبسونها فوق الطرابيش. وقبل أن نتصدي للكلام في وجوب تغيير هذه الالبسة نبحث عما اذا كان لها أثر تاريخي يجعلها من تقاليدنا القومية ام هي ألبسة غريبة عنا أخذناها عن أهلها بغير أن نفكر في موافقتها لنا. العمامة - لباس شرقي قديم اشتهر استعماله في القارة الاسيوية فاستعمله العرب والتتر وغيرهم ولم يستعمل في مصر الابعد الفتح الاسلامي. علي أن العمامة لم تكن في تلك الاوقات علي ما هي عليه الآن. لان الطربوش المغربي الذي يلبسه الشيوخ لم يكن معروفا في ذلك العهد وانما كانت العمامة كلها من قماش مختلفة أنواعها. وكان لكل جهة ولكل فئة من الناس صنف خاص من العمائم. وكانت كبيرة الحجم لدرجة أنها تحجب الشمس عن الجبهة ومؤخر الرأس. ويظهر أنها علي كبر حجمها كانت خفيفة القماش لاتؤذي الرأس بثقلها وكان للهواء من خلال اقمشتها طريق إلي الرأس وفي ذلك فائدة صحية كبيرة. أما عمامة اليوم المركبة من الطربوش المغربي والشال الابيض أو الاخضر الذي يلبسه الأشراف أو الاسود الذي يلبسه رجال الدين من القبط، هذه العمامة ثقيلة جدا علي الرأس لان قماش طربوشها سميك وهي فضلا عن ذلك لاتحجب الشمس ولاتسمح للهواء بالوصول إلي الرأس لان الطربوش لم يوضع في باديء الامر لبلاد حارة فلم يلاحظ في نسيجه أن يكون قابلا لمرور الهواء. فالعمامة علي ذلك ليست لباسا قوميا ولكن هي لباس شرقي اشتركت فيه كثير من الاممالشرقية وهي كذلك ليست بلباس صحي. فاستبدال لباس آخر بها يتفق مع طقس بلادنا ويكون لنا شعارا وطنيا متفقا عليه عمل لايضر بتقاليدنا القومية ولايؤذي عواطفنا. الطربوش. لباس يوناني الاصل أخذه الاتراك عن اليونان واخذناه نحن عن الاتراك وللطربوش ما للعمامة من الاضرار فحكمه في الاستبدال حكمها. اللبدة مختصر الطربوش فهي تكاد تكون طربوشا لولا انها عاطلة من الزر ولايحليها اللون الاحمر أما الطواقي فانها في نظري اقل ضررا من زميلاتها لانها وان كانت مثلها من وجهة عدم حجبها الشمس ودفع أذاها عن الرؤوس الا أنها أخف من صاحباتها علي الرأس. واذا نحن رجعنا إلي الأزياء التاريخية في مصر أو في البلاد العربية التي يقارب طقسها طقس بلادنا وجدنا أن المصريين القدماء كانوا يلبسون علي رؤوسهم قلنسوة من القماش لا أظن واحدا لم ير صورتها في دار الآثار أو علي رأس أبي الهول أو علي مسارح التمثيل في الروايات المصرية القديمة. وهذا النوع من اللباس يوافق جدا حال الطقس عندنا فهو يقي الرأس ضربة الشمس ويأذن للهواء أن يتخلله فلا تبقي الرأس مكتومة وتكاد تنفجر من شدة الحرارة. أما العرب فكانوا ولا يزالون يلبسون الكوفية والعقال وهما يكونان لباسا يشابه لباس قدماء المصريين وان كان فيه بعض العيوب. واظننا نستطيع، لو أردنا، أن نهذب هذين النوعين من اللباس فنشتق منهما نوعا ثالثا يجمع الشروط الصحية ويكون ذا مسحة خاصة بنا.