[email protected] حتى لو وفقت جماعة الإخوان المسلمين أوضاعها كما يطالبها كثيرون الآن، فإنها لن تكشف عن حجم تمويلها! هذا هو ما خرج به علينا د.عصام العريان -قيادى الجماعة والقائم بأعمال حزبها «الحرية والعدالة»- مبررا ذلك بأن أموال الجماعة ليست أموالا عامة، إنما هى أموال خاصة تأتى من اشتراكات وتبرعات وهبات أعضائها، ولذلك لا يحق لأيه جهة حكومية أن تعرفها، ناهيك بالطبع عن مراقبتها! وكل ماقد تسمح به الجماعة مستقبلا- كما قال العريان-الإعلان فقط عن ذلك القسط من أموالها الذى تنفقه على خدمات اجتماعية.. وبما أن هذا الكلام الذى خرج به علينا قيادى الجماعة ليس جديدا، فقد سبقه قيادى آخر فى اطلاقه وهوالمتحدث باسمها، فإن ذلك يشير إلى شكل ومحتوى قانون الجمعيات الأهلية الذى تنتوى الجماعة اصداره، أو الذى ستفعله تفعيلا خاصا يعفيها من الكشف عن حقيقة تمويلها، ومصادر هذا التمويل، وحجم ما فى حوزتها من أموال، وتفاصيل ما تنفقه من هذه الأموال. الجماعة تريد أن تحتفظ بتلك الثنائية الشاذة الحادثة الآن، التى تجمع ما بين العلنية والسرية.. علنية فى بعض أنشطتها وأعمال وأفعال عدد من قيادييها، وسرية فى باقى أنشتطها وأعمال وأفعال بقية أعضائها وكوادرها، وكذلك سرية ما فى حوزتها من أموال. هى لا تريد أن نعرف طبيعة كل أنشطتها، لأنها تنوى -حتى بعد انشاء حزب سياسى لها- أن تمارس نشاطا سياسيا مباشرا للحفاظ على السلطة التى أمسكت بها بين يديها مؤخرا، وهذا يتعارض مع جوهر مفهوم ودور المجتمع المدنى.. ولعلنا نتذكر أن الذى اختار مرشحى الحزب فى الانتخابات البرلمانية السابقة والذي أحار حملاتهم الانتخابية وأنفق عليها لم يكن الحزب إنما الجماعة وتحديدا قياداتها.. وذات الأمر حدث فى الانتخابات الرئاسية أيضا.. مكتب إرشاد الجماعة هو الذى قرر خوض الإخوان الانتخابات الرئاسية، وهو الذى اختار المرشح الأساسى ثم الاحتياطى فيها، وهو أيضا الذى أدار له حملته الانتخابية وأنفق عليها. وهى أيضا لا تريد أن نعرف عدد أعضائها وحقيقة أوضاعها التنظيمية، لأنها ترتبط بتنظيم دولى، له فروع فى عدد من الدول المختلفة، وتعتبر الجماعة فى مصر هى فرعه الرئيسى.. وبالتالى هذا التنظيم الدولى يشارك فى اختيار مرشد الجماعة فى مصر.. وهذا أمر لا يمكن أن يسمح به قانون الجمعيات الأهلية، وإن سمح بعد اعادة صياغته بما يلائم أوضاع الجماعة سوف يلزم الجماعة بالإفصاح عن هذه العلاقة ونوعها على الأقل فى جانبها المالى! وهى كذلك لا تريد أن نعرف حجم تمويلها، ليس خوفا من مطالبتها بالاسهام بقدر من أموالها فى سد عجز الموازنة، وإنما حتى لا نكتشف كيف تنفق هذه الأموال، خاصة أنها تنفقها لشراء أصوات الناخبين، وهذا يعرضها للمساءلة القانونية، كما تنفقها فى كسب المتعاطفين والمؤيدين، وهذا يعرضها لنقد الخصوم السياسيين، والأهم أنه يفضح هؤلاء المتعاطفين والمؤيدين الذين تم شراؤهم. هذه هى المشكلة التى وجدت جماعة الإخوان نفسها تواجهها بعد أن وصلت إلى الحكم، فى أعقاب اجبار الناس الرئيس السابق على التنحى.. فهى تحكم، ولكنها لا تريد كشف كل أوراقها، والتخلى عن السرية التى كانت تحتمى بها وهى مطاردة. إنها تريد أن تحتفظ بتنظيمها وكيانها السرى فاعلا ونشيطا بعيدا عن العيون، لتستخدمه دوما فيما لا تقدر أن تستخدم فيه أجهزة الدولة ، التى صارت معظمها طوع بنانها، وتحت سيطرتها الآن، سواء فى ملاحقة المفهوم أو فى شراء الموالين. فالجماعة لا تبغى -كما قال المرشد السابق مهدى عاكف- أخونة الدولة فقط ، إنما تبغى أخونة المجتمع كله، أى إخضاع المجتمع كله لا أجهزة الدولة وحدها لإرادتها ورؤيتها.