تزايدت العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة في مصر، خاصة بعد إعلان مقاطعة الدول العربية الأربع "مصر والإمارات والسعودية والبحرين" لدولة قطر بسبب تمويلها ودعمها الإرهاب في المنطقة العربية ونشرها خطاب الكراهية والتطرف والتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، مرارا وتكرارا مجلس النواب والحكومة بالتحرك السريع لإصدار قوانين تعالج وتواجه بحسم الإرهاب بشكل فعال وتعديل القوانين المكبلة دون تحقيق العدالة الناجزة، بما يضمن الجزاء الرادع لكل من يستهدف أمن المصريين. ورغم تحرك مجلس النواب، ووزارة العدل ولجنة الإصلاح التشريعى في إصدار وتعديل بعض القوانين لتحقيق العدالة الناجزة، وإصدار أحكام سريعة رادعة خاصة في قضايا الإرهاب، فإنه ما زالت هناك بعض الثغرات الموجودة على أرض الواقع تحول دون تحقيق العدالة الناجزة. وهنا تثار عدة أسئلة وهي: هل مازالت التشريعات قاصرة ويد العدالة مغلولة في مواجهة ظاهرة الإرهاب؟ وهل الوضع الحالى يفرض على جهات التشريع من مجلس النواب ووزارة العدل إصدار تشريعات جديدة لمواجهة الظاهرة بشكل حاسم وفعال؟ الدكتور صلاح فوزي، الفقيه الدستوري، عضو لجنة الإصلاح التشريعي، يرى أن هناك خطوات تشريعية تم اتخاذها لمواجهة الإرهاب، بدأت في إصدار القانون رقم 94 لسنة 2015 الخاص بمكافحة الإرهاب، والذي يواجه الإرهاب بعقوبات مغلظة. ويوضح أن القانون حدد دوائر مخصصة لقضايا الإرهاب في المادة 50 التي نصت على "تخصص دائرة أو أكثر من دوائر محاكم الجنايات يكون رئيس كل منها بدرجة رئيس بمحاكم الاستئناف لنظر الجنايات من الجرائم الإرهابية والجرائم المرتبطة بهذه الجنايات". ويضيف "فوزي" أنه تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية تحقيقا للعدالة الجنائية الناجزة من خلال وضع قواعد تعمل على سرعة إنجاز القضايا الجنائية على نحو لا يخل بقواعد المحاكمات المنصفة اتهامًا أو محاكمة، وتقصير مدة التقاضى بأن تتصدى محكمة النقض للموضوع، فضلا عن عدم تقيد المحكمة بسماع جميع الشهود، حيث تقرر المحكمة ما تراه من استدعاء الشهود. ويشير إلى أن القانون رقم 8 لسنة 2015، في شأن تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تم بمقتضاه وضع عدد من الإرهابيين على قوائم الكيانات الإرهابية، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية، موضحًا أن تطبيق حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة 3 أشهر من شأنه مواجهة الإرهاب، باعتبار أن الظروف غير العادية تواجه بإجراءات استثنائية. وطالب بضرورة إجراء تعديلات على الدستور في المادة 154 الخاصة بتطبيق حالة الطوارئ، بما يمنح لرئيس الجمهورية الحق في تحديد مدة إعلان وتطبيق حالة الطوارئ، بعد موافقة مجلس النواب، وذلك بما تتطلبه حالة البلاد، لافتا إلى أن النص الحالى وضع عدة إجراءات لفرض حالة الطوارئ وهى أخذ رأى مجلس الوزراء في حالة الطوارئ. وأكد أنه يجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأن ذلك، وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه ، كما يجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثى عدد أعضاء المجلس. من جانبه، قال الدكتور محمود كبيش، عميد كلية الحقوق سابقا، إنه ليس المطلوب إصدار أحكام سريعة وناجزة بدون عدالة، فليس بمجرد توجيه الاتهام يصدر الحكم. وأكد أهمية توفير الضمانات اللازمة لحقوق المتهمين لتوفير محاكمة عادلة، مضيفًا أن من سبل مكافحة الإرهاب ألا يحكم بإدانة شخص دون التثبت بشكل يقينى أنه ارتكب الجريمة الإرهابية بالفعل، موضحًا أن الحكم على أبرياء دون تحقيق أو منح الفرصة لدفاعهم، قد يؤدى إلى آثار سلبية وعكسية بين الأفراد في المجتمع المطالب أيضًا بمواجهة الإرهاب. وأضاف أن تضييق الحريات لن يكون حلا لمواجهة الإرهاب، مؤكدًا أهمية عدم المساس بالضمانات الأساسية لمحاكمة المتهم. ولفت "كبيش" إلى أن الإرهاب موجود في كل دول العالم، ويقدم عليه أشخاص لا يخشون الموت أو العقاب، وبالتالى فإن التشريعات ليست الحل الوحيد لمواجهة الإرهاب، إنما بتوفير المعلومات ووسائل الملاحقة بالتكنولوجيا الحديثة، فضلا عن عدم التجاوز في استخدام الأدوات الجنائية ضد أشخاص لم يرتكبوا الجرائم بل لمجرد وقوعهم في دائرة الاشتباه. ورغم أن المستشار عبد العزيز أبو عيانة، رئيس نادي قضاة الإسكندرية، رئيس المجلس الاستشارى الأندية الأقاليم، يرى أن القوانين والتشريعات الحالية كافية لمواجهة الإرهاب، فإنه يطالب في ذات الوقت بتفعيل المجلس الأعلى للإرهاب والتطرف الذي أعلن رئيس الجمهورية عن إنشائه والذي سيختص بصياغة إستراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف من جميع الجوانب. كما طالب بإصدار القرارات والإجراءات الملزمة لتنفيذها، فضلًا عن تعزيز مشاركة جميع أطياف المجتمع في التعامل مع ظاهرة الإرهاب. وأشار إلى أنه لم يتم استخدام قانون الطوارئ بشكل قوى منذ إعلان حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب، والقبض على الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم إرهابية وتصفية الإرهابيين. وطالب المستشار المحمدى قنصوة، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، بتفعيل عمل محاكم أمن الدولة العليا طوارئ الذي عاد العمل بها وفقا لقانون الطوارئ الذي تم تطبيقه لمدة ثلاثة أشهر. وأوضح أن إجراء المحاكمات بمحاكم أمن الدولة يهدف إلى سرعة إصدار أحكام في محاكمات الإرهابيين التي تمتد لسنوات، نظرًا لإجراءات الطعن عليها، أمام محاكم الاستئناف والنقض. وأوضح أن مد تطبيق حالة الطوارئ لمدة مماثلة، مع استمرار عمل محاكم أمن الدولة التي تصدر أحكام سريعة وناجزة، سوف يواجه العمليات الإرهابية بقوة. وقال المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الجنايات الأسبق، إن التشريعات الحالية كافية لمواجهة الإرهاب ولا حاجة لتشريعات جديدة، إنما يتطلب تفعيلها وتطبيق تلك القوانين لتحقيق العدالة الناجزة في أسرع وقت وبأقل التكاليف.