سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"أديس أبابا" تستخدم "عنتيبى" لهز عرش "القاهرة".. مبارك قطع علاقته بالملف الأفريقى بسبب محاولة اغتياله.. أبو الغيط: دوائر المصالح فى مصر قاومت الانفتاح على أفريقيا وأطاحت ب"أبو زيد"
محاولة اغتيال الرئيس السابق حسنى مبارك فى أديس أبابا عام 1995 اعتبرها البعض بداية النهاية للعلاقات الدبلوماسية بين مصر ودول حوض النيل، حيث ترك مبارك ملف العلاقات بأكمله للمخابرات لكى تديره من خلال وزارتى الرى والموارد المائية والخارجية، وهو ما تسبب فى النهاية فى أزمة اتفاقية "عنتيبي" التى تهدد حصة مصر من المياه. الصراع على مياه النيل له جذور تاريخية رصدها أحمد أبو الغيط؛ وزير الخارجية الأسبق، فى كتابه "شهادتى"، والذى تناول فيه السياسة الخارجية المصرية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حتى مبادرة حوض النيل 1999؛ التى مثلت فرصة لدعم العلاقات بين الدول، وقال عنها "أبو الغيط": "بمرور الوقت تحول التركيز إلى خلافات حول صياغة المواد ذات الطبيعة القانونية فى مشروع الاتفاق الإطارى، والتى تتعلق بإقرار الحقوق والاستخدامات الحالية والأخطار المسبقة قبل تنفيذ المشروعات، حيث ترفض دول المنابع تضمين تلك الصياغة، بدعوى أن الاتفاقيات القائمة تعود إلى العهد الاستعمارى ولم تعد سارية، حيث أكد أبو الغيط أن هذا الكلام مردود عليه، بأن جميع الاتفاقيات الدولية فى مجال الأنهار تقر احترام الاتفاقيات القائمة. ومع إصرار دول حوض النيل على عدم توقيع الاتفاقية إلا بتعديل الاتفاقية القديمة، جاء قرار تشكيل اللجنة العليا لمياه النيل، برئاسة رئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف، وعدد كبير من وزراء ومسئولى الحكومة، للمتابعة الدورية للموقف، وخلال تلك الفترة تعامل المسئولون المصريون مع تهديدات دول حوض النيل بنوع من التهاون، مهمشين ما تقوله دول حوض النيل. واستكمل "أبو الغيط" حديثه عن تطورات الموقف مع دول حوض النيل طوال السنوات السبع التى شغل فيها منصب وزير الخارجية، مؤكدًا دفع مصر لتعزيز العلاقات مع تلك الدول، خصوصًا مبادرة التعاون الثلاثى بين وزراء خارجية "مصر- السودان- إثيوبيا"، لتحقيق التعاون فيما بينهم دون أن يغيب عن تلك المحاولات موضوع مياه النيل، إلى الحد الذى لم تعترض فيه مصر على دخول القوات الإثيوبية الصومال، واكتفت بإبداء تفهمها لاحتياجات إثيوبيا إلى ردع الجماعات المسلحة التى تسيطر على الصومال وتهدد أمنها، مع شرح أهمية الخروج من الصومال للجانب الإثيوبى حفاظًا على مصالحه، ولكن كل هذا لم يكن كافيًا لطمأنة إثيوبيا ونظام الحكم فيها. وقال وزير الخارجية الأسبق: "تعقّد ملف مفاوضات النيل، وأبلغنى رئيس الوزراء الإثيوبى، مرتين على الأقل، أن لديهم شكوى من تدخلات يرصدونها واتصالات لنا مع جماعات معارضة للحكم فى أديس أبابا، وأنهم يقدِّرون أننا نستهدف الضغط عليهم فى ملف النيل، وهو الأمر الذى لن يتحقق، ونصحنا أن نتوقف عن هذا الجهد لأنه يسيء إلى العلاقات، وكثيرًا ما نقلتُ هذه المناقشات والاتهامات إلى اللواء عمر سليمان الذى كان ينفى بقوة أننا نسعى للإضرار بإثيوبيا بحال من الأحوال، ولكن المؤكد أن النفسية الإثيوبية والشكوك المسيطرة عليها دائمًا تجاه مصر كان لها تأثيرها فى عدم تسهيل بناء علاقة جيدة بالشكل المرغوب فيه، رغم كل الجهود المصرية. وأضاف "أبو الغيط": إن "نظيف" كان بإمكانه حل المشكلة.. ولكن "دوائر المصالح" فى مصر قاومت الانفتاح على أفريقيا، حتى أنه أطاح بوزير كفء مثل الدكتور محمود أبو زيد، وتولى حقيبة الموارد المائية بعده نصر الدين علام؛ الذى قال عنه "أبو الغيط": إنه يمتلك الإمكانيات الفنية، ولكنه يفتقر إلى الخبرة السياسية التى تمكنه من التعامل مع الشخصية الأفريقية، مشيرًا إلى أنه مع تصاعد الخلافات فى اجتماعات دول حوض النيل، توافدت تقارير السفراء المصريين لتؤكد عصبية الوفد المصرى، ومحاولاته المستمرة تطويع مواقف دول المنابع، وكيف أن تصريحاته الإعلامية زادت من حجم الخلافات على مستوى وزراء الرى . وعن علاقة "مبارك" بالملف أوضح "أبو الغيط" أنه كان يخشى أن الرئيس المصرى لن يستطيع السيطرة على تفاصيل فنية أو قانونية تتعلق بهذا الملف، بل يشير إلى مخاوفه من اجتماع رئيس الدولة السابق مع رؤساء تلك الدول فى غرف مغلقة دون مساعديه، مبررًا ذلك بالقول: «كانت شخصية مبارك وتكوينه يبعدانه عن الدخول فى تفاصيل معقدة، وكان يجب أن أحمى مواقفنا ولا أعرضها لخطر كبوة هنا أو هناك". وفسر الوزير الأسبق الفشل فى حل الأزمة فى كتابه بقوله: "كان تقديرى دائمًا أن المساعدات المصرية، مهما كان حجمها وتأثيرها، وكذلك الرشاوى، لن تحقق مصالحنا بشكل كامل، وأن تأثيرها سيبقى لفترة زمنية محدّدة، ثم يعود الموقف إلى وضعه السابق، وأن البديل الحقيقى يكون فى إقامة مصالح مستمرة بين مصر وهذه المجتمعات، عبر التجارة؛ لربط هذه الدول بمصالح تجارية واقتصادية تُحقِّق مزايا مباشرة على الأرض لشعوب هذه الدول، وتحقق مصالحنا مع مكاسب نجنيها، كانت هذه الدول وهى: «إثيوبيا، تنزانيا، كينيا، أوغندا، جنوب السودان»، تعرض لحومها ومواشيها أمام السوق المصرية والعربية، وكنا - وما زلنا- تحت تأثير مصالح ضيقة فى بلداننا، وعرضوا علينا الأراضى الشاسعة لزراعة احتياجاتنا وتنمية الثروة الحيوانية بها، والاستفادة بها فى أسواقنا، ولم نُظهر سوى «حماس الكلام» دون حسم المواقف، وقام رجال أعمالنا بغزوات قصيرة الأجل لم تحقق المطلوب، بل كثيرًا ما وعدوا وأخلفوا. وحينما توفى "ملس زيناوى"؛ رئيس وزراء إثيوبيا والذى كان يقود حملة ضارية ضد مصر، توقع الجميع انفراجة فى الأزمة، إلا أن إثيوبيا فاجأت الجميع بإرسال اتفاقية عنتيبى، حيث أرسلتها إلى البرلمان الإثيوبى للتصديق عليها تمهيدًا لإنشاء المفوضية الدائمة لدول حوض النيل، والتى سيكون مقرها مدينة "عنتيبى" الأوغندية لدخولها حيز التنفيذ.