في هذا الأسبوع وتحديدا يوم أمس الإثنين تجتمع ذكرى نصف قرن على نكسة سنة 1967 وفى الوقت ذاته مرور 44 عامًا على نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 1973، وتأتى هذه الذكرى "الهزيمة" و"الانتصار" في وقت نجحت فيه القوات المسلحة في تطوير نفسها وشراء أهم الأسلحة وأبرزها طائرات الرفال الفرنسية وحاملة الطائرات الألمانية "الميسترال" ليرفع جيش مصر العظيم ترتيبه بين جيوش العالم. ليس هذا فقط بل إن الجيش يحوض حربا بلا هوادة ضد الإرهابيين ونجح في توجيه ضربات قاتلة ضد التنظيمات المتطرفة في ليبيا وعلى حدودنا الغربية حيث تريد قوى الشر النفاذ إلى داخل أراضينا وارتكاب مجازر إرهابية بحق الأقباط والمصريين بعامة. 50 سنة على الهزيمة و44 عاما على النصر ولا يزال هناك الكثير من الأسرار والتفاصيل والكواليس الخاصة في سجلات حرب يونيو ودفاتر العبور التي تحتوى حكايات مثيرة عن تلقين إسرائيل درسًا لن تنساه عبر التاريخ. "فيتو" وبهذه المناسبة أجرت مجموعة من الحوارات مع عدد من أبطال جيش مصر الذين شهدوا مرارة الهزيمة وحلاوة النصر، ورووا لنا قصة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، واستطاعوا أن يسطروا أعظم المعارك والبطولات ربما في تاريخ الإنسانية كلها.. فإلى التفاصيل: الطيارون ظلموا في «67» اللواء طيار نبيل شكرى أول من أسقط طائرة إسرائيلية القوات المسلحة استطاعت في وقت قياسى تحويل الهزيمة إلى نصر البطل اللواء طيار نبيل فريد شكري، الذي أدرج اسمه في الموسوعة العالمية "جينيس ريكورد"؛ بسبب مشاركته في التدريبات القتالية 7 أعوام بعد حصوله على رتبة لواء، وهو الذي أسقط أول طائرة إسرائيلية يوم 5 يونيو 67، فهو لا يعرف شيئًا عن الهزيمة. "شكري"، الذي التقته "فيتو" لتتحدث معه عن "النكسة"، التي يصر على تسميتها "الهزيمة"، أكد أن الوطن بالنسبة له الهواء الذي يتنفسه وبخاصة أن يكون هذا الوطن "مصر أم الدنيا ومهد الحضارات" التي كرمها الله على سائر بلاد الأرض.. فإلى نص الحوار: مصر تلقت في 67 ضربة قاسية أثرت فيها لكنها لم تفقد الوعي.. كيف كانت الهزيمة وأسبابها؟ القوات المسلحة المصرية دائمًا تتعلم من أخطائها؛ لأنها تقوم بتحليل أسباب الخطأ ومعالجته، ومن جانبى سأتحدث عن القوات الجوية تحديدا، ففى 5 يونيو 67 تكرر خطأ العدوان الثلاثى عام 56، لكن القيادات وقتها لم تدرس جيدًا الموقف ولم تستمع للمتخصصين، أما بالنسبة للقوات الجوية عندما حدث العدوان الثلاثى دخلت الطائرات على ارتفاعات منخفضة ولم يرها الرادار وأيضًا الطائرات كانت مكشوفة على الأرض، وقام الفريق صدقى محمود وكان قائدًا للقوات الجوية بعمل دراسات لأسباب التدخل الجوى في 56، ووجد أنه سهل جدًا لأى دولة غزو دولة أخرى وأن النتائج في خسارة 90% من الطائرات هي ضربة على الأرض لعدم وجود دشم تحميها، وقام بعمل العديد من الدراسات وتم تنفيذ وبناء دشمة، وحاول أحد الطيارين ضربها فلم يستطع فتقدم الفريق صدقى بطلب للقيادات العليا يوصى بسرعة بناء هذه الدشم، ولكن لم يحدث ولا أعرف السبب حتى الآن، ربما كان التمويل بسبب ما كانت تمر به البلاد وقتها هذا هو الشق العسكري. تحدثنا عن الشق العسكري.. فكيف كان الأمر من الناحية السياسية؟ أما الشق السياسي فإن عبد الناصر أغلق خليج العقبة الذي يمثل شريان الحياة لإسرائيل وطرد بعثة الأممالمتحدة ووضع مدافع في شرم الشيخ وهو بمثابة إعلان الحرب، وتم رفع حالة الاستعداد القصوى للطيارين في 15 مايو وكنا ننتظر أن نحارب. وأنا تزوجت يوم 11 مايو وتم استدعائى للقاعدة في أنشاص بعد 3 أيام من فرحي، ولم أرفض الأمر لأنه يتعلق بروحى مصر والدفاع عنها، وتركت زوجتى وسلمت نفسى إلى قاعدتى في مطار أنشاص الذي رفع حالات الاستعداد الأولى والثانية والثالثة. وكان الطيارون مرابطين في المطار وهذا يعنى "أن كل طيار يرتدى الباراشوت وشادد حزام الأمان في الطائرة ومستعد للإقلاع خلال 3 دقائق والاشتباك مع أي هدف" وينتظر أوامر الملاحة الأرضية بناءً على معلومات الرادارات للاشتباك مع الأهداف المعادية. وفوجئنا الساعة التاسعة صباحًا بالطائرات الإسرائيلية تقصف أولا الممرات بقنابل جديدة تستخدم لأول مرة واسمها "قنبلة الممرات" تسقط على الممر وتقوم بعمل حفرة كبيرة ثم تنفجر لتحدث خسارة كبيرة به، وطائرات أخرى تضرب الطائرات الموجودة على الأرض، ولم يأت للطيارين أمر بالإقلاع لعدم وجود أهداف ظاهرة على الرادار لأن الطائرات الإسرائيلية دخلت على ارتفاعات منخفضة واستهدفت الممرات والطائرات وهو ما تسبب في خسارة 90% من القوات الجوية يوم 5 يونيو 67. وكيف تعاملت مع الهزيمة وأسقطت طائرة للعدو في هذا اليوم؟ حتى الآن لا أستطيع وصف شعورى وقتها لأن الألم كان صعبا ومرارته لا أزال أشعر بها حتى الآن تحطم الطائرات التي أعشقها أمامى، ولم أستطع فعل شيء، إضافة إلى استشهاد بعض زملائى داخل طائراتهم وكانوا مرابطين فيها ولم يستطيعوا حتى الطيران للدفاع عن أنفسهم "أمر مهين ومؤلم"، ولكن كان هناك بارقة أمل، فالعدو الإسرائيلى كان يستهدف أي طائرة ظاهرة، ولكن قاعدة أنشاص تقع بجوارها حديقة الملك كثيفة الأشجار، وكان هناك نحو 3 أو 4 طائرات في التخزين داخل الأشجار نجت من القصف الإسرائيلى فركبت سيارة جيب وهرعت إلى مكان تخزينها، وأصدرت أمرًا للمهندسين والفنيين بتحضير الطائرات، وتطلب الأمر نحو ساعتين؛ لأن الطائرة في التخزين يتم وضع وقود وزيوت لصيانتها ويتطلب الأمر وقت تغييرهم وأثناء ذلك الوقت ذهبت بالسيارة الجيب أستطلع الممرات حتى وجدت قطعة من ممر فرعى رقم 22 سليمة وقستها بعداد السيارة الجيب ووجدتها تصلح للطيران بحذر وتصل نسبة النجاح فيها 10% فقط. وتم تجهيز الطائرة وصعدت إليها وجاءنى الرائد سامى فؤاد وقال لى حرفيًا "بتعمل إيه يا نبيل قلت أستعد للطيران فقال مستحيل الخطر كبير، فقلت له خلى واحد يحاول ويموت"، ثم شرحت له أننى وجدت قطعة في الممر وسوف أخرج منها وبالفعل حاولت ونجحت في الصعود واشتبكت مع طائرتين ميراج، لكن للأسف طائرتى تعمل طيرانا ليليا وليس بها مدفع وإنما بصاروخين ولها شروط للإطلاق وظللت أناور مع الطائرتين لإبعادهما عن المطار وأقول "يارب يمشوا" وبالفعل استعدت إحداها للعودة وهو ما كنت أنتظره لأنه حال دورانها تكون في مرمى إطلاق صواريخي، وبالفعل أخرجت الصاروخ الأول تجاهها وشاهدت دخانا رمادى اللون، والطائرة تصعد بسرعة، ثم أخرجت الصاروخ الثانى فأصابها في مقتل وهوت بسرعة واصطدمت بالأرض، وطلبت الإذن بالنزول في المطار ولكنهم رفضوا حتى لا تنفجر طائرتى بسبب عدم صلاحية الممرات التي تم تدميرها، لكننى حاولت النزول ونجحت ولم أصب أنا أو الطائرة سوى عجلات الهبوط فقط. كيف استقبل زملاؤك هذا النجاح؟ عندما هبطت أخبرتهم أننى أسقطت طائرة، لم يصدقوا الأمر لأن طائرتى كانت طيرانا ليليا ولا تستطيع ضرب أهداف في النهار، وأبلغتهم أننى أسقطت طائرة ميراج في منطقة بين الزقازيق وأبو حماد ثم أخذت السيارة الجيب وذهبت للمنطقة ووجدت حطام الطائرة وعرفت أن الطيار قفز منها عندما ضربته أول صاروخ ولكنه مات وسقطت الطائرة بعدها وقمت بأخذ قطعة من الطائرة عليها جزء من نجمة داوود كتذكار ظل معى لمدة تزيد على 49 عاما، وأهديته منذ شهور لمتحف القوات الجوية الحديث الذي تم إنشاؤه منذ عام. أهم الطلعات التي قمت بها بعد يوم 5 يونيو؟ نفذت 3 طلعات جوية يوم 8 يونيو وناورت ولكننى لم أصيب أو أصب، واستشهد معى في تلك الطلعة الرائد حسن القصري، كما نفذت 3 طلعات أخرى يوم 9 وأيضًا ضربنا أهدافا في سيناء يومي 14 و15 يونيو، الموضوع هنا أن النصر الذي حققته إسرائيل لم يكن كبيرًا كما يدعى البعض، فسرعان ما استعادت مصر قوتها ووقفت مرة أخرى وحققت النصر، وقد حصلت على وسام النجمة العسكرية في 15 أغسطس 67 بسبب إسقاطى للطائرة الإسرائيلية يوم 5 يونيو.