سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ذكرى خطاب التنحي.. تفاصيل أخطر 10 ساعات في تاريخ «عبد الناصر».. الزعيم يعترف بالهزيمة «نحن من دمرنا أنفسنا».. يكشف سبب قرارات عبد الحكيم عامر الانهزامية.. ويختار زكريا محيي الدين لرئاسة مصر
لم يكن أحد يعرف ماذا يدور في الكواليس، هناك هزيمة تخيم أجوائها على البلاد، الهواء حامض والأنفس مضطربة، ما الخطوة المقبلة وكيف سيتصرف الزعيم الذي نعيش في كنفه طوال تلك السنوات، تلك الصدمة لم تكن إلا بداية لأخطر قرار سيتم اتخاذه خلال الساعات المقبلة والذي سيغير مجرى حقبة الستينات بالكامل. رجل واحد فقط كان يعرف ماذا سيحدث، صاغ كلمات التغيير بيده، جلس مع الزعيم وجهًا لوجه طوال 10 ساعات كتبها تفصيليًا ليحفظ ذاكرة الوطن في هذا اليوم المشهود. 9 يونيو الذي شهد خطاب عبد الناصر بالتنحي لم يكن إلا نتيجة تلك الجلسة الطويلة التي جمعت بين ناصر وصديق عمره هيكل لكتابة الخطاب ولمعرفة ماذا حدث ولتحديد اسم الرئيس المقبل. وفي كتابه كلام في السياسة يروي هيكل تلك الساعات، وبالتزامن مع ذكرى خطاب التنحي تنشر فيتو تلك الكواليس. في البداية يقول هيكل «وجدت جمال واقفًا أمام مكتبه يتكلم في التليفون، أومأ أن انتظر ثم أشار إلى مقعد أمام المكتب كي أجلس ولم أفعل حتى يتكلم على حريته، وقفت أمام المكتبة أحاول قراءة عناوين الكتب المرصوصة، التفت ناحية الرئيس وهو منهمك في حديثه التليفوني، أدهشني كيف بدا، إنني لم أره منذ ثلاثة أيام وقد تحدث معي تليفونيا عدة مرات آخرها أمس لكنه الآن اختلف كثيرا عن ما رأيته آخر مرة، عشر سنوات على الأقل زادت على عمره وبدا أن هم الدنيا كلها نزل فجأة على كتفيه». ويضيف « سألت نفسي مع من يتكلم في هذه الساعة من الصباح في هذا اليوم الكئيب، لا ينبغي أن أركز لكني أصغيت، فهمت بعد عبارتين أنه يتحدث مع عبد الحكيم عامر، نظر إلى وادرك إنني اتابع، وضع يده على بوق سماعة التليفون ووجه إلى الكلام عبدالحكيم، واستطرد وصلت عامر معلومات بأن قوات إسرائيلية تعبر القناة الآن من الشرق للغرب، قلت مستحيل فأشار مستفهما وقال لعامر على الهاتف هيكل عندي وله رأي، فقلت أن ذلك لا يمكن أن يكون معقولا، إسرائيل بوصولها إلى الضفة الشرقية للقناة حققت أكثر مما كانت تخطط به أو تحلم به، وأكثر مما تتحمله الموازين الإقليمية والدولية فوصولها بعد زحف طويل وسريع يفرض معارك جديدة لا يريدها الجيش الإسرائيلي». وتابع «لخص ناصر حديثي لعامر ثم ناولني السماعة وشرحت له رأي فقال هذا كلام نظري فات وقته وانتهى الحديث حول كلمة ناصر لعامر حاول، ثم تحرك جمال وجلس وهز رأسه بأسى لم أر مثله، قلت في محاولة للتخفيف أن المقادير تصيب الناس أحيانًا بما لم يتحسبوا له، والمهم كيف نتصرف، فقال: ما يؤلمني أن المقادير لم تكن هي التي ضربتنا نحن ضربنا أنفسنا، عبدالحكيم ضيع أعصابه تماما وضيع جيشه ولا أستطيع أن ألوم أحدا لأنني المسئول، عبدالحكيم كان يجب أن يمشي بعد الانفصال عن سوريا، فقد كان يشعر إنه قائد مهزوم وأي قائد مهزوم لن يستطيع النصر». ويكمل هيكل « وأضاف ناصر الكارثة أن عبد الحكيم تصرف سنة 1967 وكأننا في 1956، في السويس كان لابد أن نسحب القوات من سيناء فور أن وصلنا الإنذار البريطاني الفرنسي، معنى بقاء القوات أنها ستكون مقطوعة، هذه المرة بدا من حيث انتهينا 1956 والظروف مختلفة، وحينما أصدر أمر الانسحاب كان معناه دون أن يفهم أنه يعطي للقوات الإسرائيلية ما تريده بالضبط، عبد الحكيم فوجئ بكل شيء لقد اقتنع برسالة السكرتير العام للأمم المتحدة يوثانت بأن الحرب لن تكون خلال تلك الأيام رغم اني أكدت عليه الاستعداد». ويستطرد «بعد ذلك سألني ماذا كتبت، وقلت اني معي مشروعًا لا ينقصه إلا اسم من تراه قادرًا على تحمل مسئولية الرئاسة بعدك، بالأمس قلت لي أنه شمس بدران ولكن لماذا؟، فرد جمال من أجل الجيش، الجيش مجروح والخشية أن يحدث احتكاك يعبر فيه الناس عن غضبهم. وقلت أن شمس بدران واحد من المسئولين عما جرى بوصفه وزير للحربية ثم هو من جماعة لا رصيد لها عند الناس فقال إني اتفقت بالأمس مع عبدالحكيم على اختيار شمس للأسباب التي قلتها لك». ويضيف «رددت عليه، أنت أخذت قرار الاستقالة وهذا قرار سليم لكن يجب أن يكون هناك مراعاة للشعب، فقال جمال ماذا سيكون رد فعل الناس حين يعرفوا الحقيقة، الصدمة ستكون قاسية وهنا أهمية الموقف بعد أن أتنحى، واحسست من حديثه أنه يريد أن يسمع بديل فقلت زكريا محيي الدين، فقال لماذا؟، قلت أنه الأقدم بين الأعضاء الباقين من مجلس الثورة وهو رجل عاقل فقال صحيح لكن موقف الجيش، قلت الجيش يريد رجل يعطيه احساس الطمأنينة، فقال والاتحاد الاشتراكي قلت تعرف رأي فيه». ويكمل « فقال كأنه يحدث نفسه زكريا يمكن أن يكون مقبولا عالميًا خصوصا في الغرب، هو يعرفهم من زمن طويل وتعامل معهم والأمريكان بالذات وهو يختلف عن غيره لكن هناك مشكلة مع السوفييت، قلت إن السوفييت سوف يفهمون معني مجيء زكريا محيي الدين أكثر مما يفهمون مجيء شمس بدران». ويتابع «فقال جمال اترك اسم الرئيس المقترح ودعنا نقرأ مشروع الخطاب وقرأت عليه حتى جاءت كلمة النكسة فسألني لماذا اخترتها؟، قلت إنني كنت أمام ثلاث كلمات الهزيمة وقد وجدتها أسوأ من اللازم، ثم صدمة ووجدتها أقل من اللازم ثم نكسة واسترحت لها، إن هزيمة تعني الاستسلام والتأثير على روح الجيش المعنوية، فقال نعم القرار قرار الرئيس المقبل وطلب أن أعدل في الخطاب لأضيف أتحمل المسئولية كاملة بدلًا من نصيبي فيها ثم طلب مني الذهاب إلى مكتب سامي شرف حتى يكتب الخطاب». ويروي هيكل ذهابه لسامي شرف فيقول «حين قرأ سامي شرف الخطاب انفعل وبكي بشدة وحاولت إقناعه أن هذا ليس وقته، ثم طلب موظف يكتب الورقة لأنه لا يستطيع، وبمجرد جلوس الموظف انهال عليه وسبه وحين اتصل بي جمال يستعجلني سمع هياج سامي شرف وقال له يهدأ، وانتهى اليوم بأن طلب مني أن تستمر العلاقة بيني وبينه وكان آخر قراراته تعيين الفريق محمد فوزي مسئولًا عن الجيش وشعراوي جمعة عن الأمن الداخلي وان لا يكون هناك أي خطاب إعلامي بدون الرجوع لي».