قصة استخدام ورقة تزوير «توكيلات المؤسسين» لإثارة الخلافات وتأجيج نار الصراع بين قياداته لماذا اتهمت جميلة إسماعيل أجهزة الدولة باستخدام موسى مصطفى لتفخيخ الحزب ردا على منافسة زوجها للرئيس؟ رجب هلال حميدة يروى شهادته: زيارة غامضة لجهاز أمني رفيع منحت «نور» الضوء الأخضر لتأسيس حزبه صفوت الشريف قالى: «نصيحة منى اقعدوا مع أيمن واتفقوا وإحنا حريصين على استمراركم» تكتل ثلاثى قاد معركة تدمير «الغد» وعلاقات مؤسسه بالأمريكان أقلقت الأجهزة الأمنية قبل أن تقرأ إقامة حياة ديمقراطية سليمة كان واحدًا من أهداف ثورة يوليو عام 1952م عندما قرر مجلس قيادة الثورة اغتيال النموذج التعددى في ذلك الوقت.. مضت السنوات تهضمها سنوات دون أن تقام حياة ديمقراطية سليمة وتحت وطأة الحرب لم يستطع أحد أن يذكر الثوار بما قطعوه على أنفسهم حتى جاء السادات إلى سدة الحكم. بعد انتصار أكتوبر المجيد كان الرئيس السادات قد فكر وتدبر وقرر أن يعيد التعددية إلى الحياة السياسية بتحويل المنابر الثلاثة إلى كيانات حزبية.. حزب مصر.. حزب التجمع.. حزب الأحرار.. هكذا عادت الحياة الحزبية قبل أن تطوى السبعينيات صفحاتها بثلاث سنوات وهكذا ولدت التجربة التعددية الثانية من رحم النظام.. ولدت مبتورة تشوهها عيوب خلقية بدت واضحة عندما قرر صاحب التجربة التعددية الثانية إقالة رئيس تحرير الأحرار مرددًا: "أنتم صدقتم ولا إيه؟"!! عبد الناصر اغتال التجربة الأعمق في تاريخ البلاد.. السادات قرر تصفية حزب مصر بتكوين الحزب الوطنى الديمقراطى.. مبارك وضع أصول اللعب الأمني في الأحزاب وعندما احتاج إليها بعد أيام من 25 يناير لم يجد إلا سرابا وتيارات ظلامية استطاعت أن تسيطر على الأرض وبدا أن محاصرة الأحزاب كان لحساب الإخوان وقوى الإسلام السياسي الأخرى عن جهل من النظام أو عمد، فكانت ثورة 25 يناير إشارة بدء النموذج التعددى الثالث والذي بدا واضحًا أنه ليس بعيدًا عن فكرة التفخيخ باستخدام نفس السيناريوهات القديمة التي ابتكرها مبارك وحافظت عليها الدولة العميقة.. ظهر ذلك جليًا في عدد من الأحزاب حيث تم استدعاء نفس الأساليب المباركية. اللعب في الأحزاب حلقات ترصد بدقة ما جرى في بحر السياسة منذ أيام السادات وحتى عهد السيسي. "عام المفاجآت".. هكذا يمكن أن نطلق على عام 2005، ففى ذلك العام فجر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك مفاجأة من العيار الثقيل بمبادرته الخاصة بطلب تعديل المادة 76 من الدستور المصري، والتي على إثرها تم فتح الباب لمن تنطبق عليه الشروط أن يرشح نفسه رئيسًا للجمهورية، لتجرى أول انتخابات تعددية مباشرة بعد ثورة 23 يوليو 1952 لاختيار رئيس الجمهورية. مفاجآت 2005 لم تتوقف على مبادرة مبارك لتعديل الدستور، وتوسيع حجم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، فقد أعلن أيمن نور زعيم حزب الغد في ذلك الوقت، ترشحه في الانتخابات أمام مبارك في خطوة اعتبرها العديد من المراقبين والمحللين تغيرا جذريا في المشهد المصري، وفى مستقبل الحياة الديمقراطية في مصر. كان نور وقتها يرتدى ثوب المعارض الشرس لسياسات نظام مبارك، ويدعو ويبشر بالتغيير القادم، وكانت له علاقاته المتشعبة مع دول الاتحاد الأوروبي، ومعها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأمام ضغوط كثيرة على النظام المصرى اضطر مبارك إلى إعلان مبادرته الشهيرة بتعديل المادة 76 من الدستور، والتي كانت بمثابة حجر عثرة تقف أمام من يريد ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية. في الفترة التي سبقت 2005، كانت الحياة السياسية في مصر هادئة هدوءا يصل إلى مرحلة الجمود، الحزب الوطنى يهيمن ويسيطر على المشهد، والقلق والغضب يسرى في أوصال الجميع، ولا أحد يبدى رضاه عن حالة الجمود التي أصابت الحياة السياسية في مصر، وكانت الضغوط الخارجية تتزايد بشكل متصاعد، وهنا كان لابد من إلقاء حجر يحرك المياه الراكدة في شرايين السياسة المصرية، وأن تكون هناك معارك سياسية ولو بشكل صورى لصرف نظر الغرب عما يحدث في الداخل من تجاوزات، خصوصا في ظل تزايد المطالب الغربيةوالأمريكية، بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية، ومنح الفرصة لشخصيات بعيدة عن مربع السلطة بخوض المنافسة على منصب الرئيس، إلى جانب مطالب أخرى بمزيد من الحريات للمجتمع المدني. حكاية أيمن نور مع حزب الغد بدأت قبل عام واحد فقط من الانتخابات الرئاسية في 2005، حيث نجح السياسي الشاب وقتها في تأسيس الحزب في 27 أكتوبر 2004 بعد رفضه لثلاث مرات متتالية من قبل لجنة شئون الأحزاب التي كان يهيمن عليها الحزب الوطنى الديمقراطي، وكان يترأسها صفوت الشريف القيادى البارز بالحزب الحاكم. برنامج "الغد" جاء طموحا، حيث وصف نفسه بأنه حركة ليبرالية اجتماعية تجمع طليعة من جيل الشباب المصرى الساعى إلى مشاركة جادة في الإصلاح السياسي والاجتماعي، أما أهدافه فهى الإصلاح الاقتصادى والسياسي الشامل، ومشروع قومى لدعم واكتشاف الموهوبين ومساعدة المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة، ومواجهة أزمة المياه، إضافة إلى مكافحة الإدمان، وتحديث مختلف أجهزة وزارة العدل وجمع شتات التشريعات وإعادة إصدارها في تقنين واحد، وبعد مرور 3 أشهر فقط من تأسيس الحزب، ألقى القبض على "نور" في يناير 2005 بتهمة تزوير في توكيلات تأسيس الحزب، وقضى في السجن 40 يوما أخلت النيابة سبيله بعدها قبل أن تصدر المحكمة حكما في حقه بالسجن المشدد 5 سنوات في ديسمبر 2005، وقتها اتهم نور أجهزة الدولة بتلفيق القضية له، زاعما أن الحكم الذي صدر بحقه حكم سياسي. وفى غضون عام ليس أكثر تمكن "الغد" الحزب الوليد من إحداث تغيير حقيقى في الحياة السياسية، والظهور على السطح منافسا قويا، فضلا عن الرسائل التي نجح في توصيلها للغرب، والتي تتضمن أن الديمقراطية تسير في اتجاهها الصحيح، وأن التغيير قادم لا محالة. دفع "الغد" بمؤسسه أيمن نور في انتخابات الرئاسة في أول انتخابات رئاسية تعددية مباشرة في تاريخ مصر، وحقق مؤسس الغد نتيجة مذهلة، وحل في المركز الثانى بعد الرئيس مبارك، وحصل على نحو 540 ألف صوت (ما يساوى 7.5% من إجمالى الأصوات) طبقا للأرقام الرسمية التي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات وقتها. خرج أيمن نور من معركة الانتخابات الرئاسية مزهوا بنفسه، رافعا شعار "يا أرض اتهدى ما عليكى قدي"، وبدلا من البناء على ما حققه في الانتخابات الرئاسية دفعته صراعات الزعامة إلى الصدام مع قيادات الحزب، خصوصا نائبه رجل الأعمال موسى مصطفى موسى وحدث انقسام حاد في الغد، بين رئيس الحزب وبين نائبه، بعد أن أصدر نور في اجتماع للهيئة العليا قرارات باستبعاد وفصل أربعة من كبار المسئولين منهم موسى، ورد نائب رئيس الحزب على تلك الخطوة بعزل وفصل نور ومجموعة من مؤيديه في اجتماع آخر للهيئة العليا. وقتها تسارعت وتيرة الأحداث داخل "الغد"، وأعلن موسى نفسه رئيسا شرعيا للحزب من قبل الجمعية العمومية، مما أسفر عن وجود هيكلين حزبيين يدعى كل منهما أنه حزب الغد ويتحدث باسمه. استمر الصراع وحالات الشد والجذب بين جبهة نور وجبهة موسى وكل منهما يؤكد أنه المتحدث الشرعى باسم الغد إلى أن وصلت الأحداث ذروتها في نوفمبر 2008، عندما تعرض مقر الحزب لحريق "متعمد" بعد اشتباكات دامية بين أنصار الكتلتين المتصارعتين على زعامة الحزب. واتهمت جميلة إسماعيل، زوجة أيمن نور، أنصار موسى بالوقوف وراء الحريق، لمنع الجمعية العمومية للحزب من الانعقاد في موعدها، مشيرة إلى أن هناك أجهزة تستخدم موسى مصطفى والقيادى بالحزب رجب هلال حميدة لتفخيخ الحزب بعد النتائج الطيبة التي حققها مؤسسه أيمن نور في الانتخابات الرئاسية. وانتهى الصراع على زعامة الحزب في مايو 2011 بعد ما اعترفت لجنة شئون الأحزاب بموسى رئيسا للحزب، ومن ثم شرع نور في تأسيس حزب جديد اسمه حزب غد الثورة. ولأن "من رأى ليس كمن سمع" تبدو أهمية شهادة القيادى بحزب الغد رجب هلال حميدة مهمة وكاشفة لطبيعة الصراعات التي أنهت تجربة حزب الغد، فحميدة شاهد عيان، وكان طرفا من أطراف الصراع في جبهة موسى مصطفى موسى. بعد ثلاث محاولات فاشلة خاضها "نور" مع لجنة شئون الأحزاب قبلت اللجنة في المرة الرابعة أوراق الغد إلا أن وراء تلك الموافقة قصة يرويها لنا حميدة قائلا: "تم رفض اعتماد أوراق الحزب بحجج واهية، كان أبرزها أن برنامجه لا يقدم جديدا مقارنة بالأحزاب الأخرى الموجودة على الساحة، إلا أن زيارة "أيمن نور" إلى جهاز أمني في ذلك الوقت، والجلوس مع رئيسه والمسئولين عن قطاع الأحزاب فيه حسمت الأمر، وبالفعل بعد أيام قليلة من تلك الزيارة الغامضة أصدرت اللجنة قرارها بالموافقة على خروج الحزب للنور". وأضاف حميدة: "كان "الغد" يضم في عضويته أسماء كبيرة متشعبة الأدوار والعلاقات، منها من وصلت علاقاته خارج الحدود، حيث الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية وعلى رأسهم هشام قاسم ومنهم من كان يمتلك جذورا مصرية ذات باع طويل في العمل السياسي الوطني، وكان أبرز المؤسسين: "دكتورة منى مكرم عبيد، وبشرى عصفور، ومحمد فريد حسنين، وجلال غريب، ورجب هلال حميدة، وناجى الغطريفي، ووائل نوارة، وموسى مصطفى موسى، ومرسي الشيخ، ومحامون وسفراء وأساتذة جامعات وأبناء وزراء". فلسفة تأسيس "الغد" شرحها حميدة قائلا: "كنا نريد أن نحدث زخمًا إعلاميا حقيقيا في أوساط الحياة السياسية، لذا عمد أيمن نور إلى أن يتقدم بآلاف التوكيلات لإنشاء الحزب، والتي وصلت إلى ما يزيد على 2000 توكيل، في الوقت الذي لم نكن نحتاج فيه أكثر من 100 توكيل"، وهو ما جعل أنظار القوى السياسية والأجهزة الأمنية تتجه إلى الحزب الوليد، ومن وقتها بدأ تربص بعض الأجهزة ب"الغد" وتم تبييت النية لتفخيخ الحزب. يروى لنا رجب هلال حميدة، كيف عصفت تلك الأجهزة بأحلام الحزب الليبرالى الوليد، وكيف تجمع الفرقاء على جثة الحزب بعد أن سقط، وكان أول الغيث قطرة، قائلا:" كان تسلط "نور" في حكم الحزب وحده منفردًا أول نقطة في طريق الفشل والسقوط، وفى ظنى أنه طُلب من أيمن نور أن يخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة حسنى مبارك، ليضفى على الحياة السياسية مسحة ديمقراطية، وإشارة إلى وجود تعددية داخل العمل السياسي في مصر، ليحصل "نور" على المركز الثاني، ويبدأ التحول الدراماتيكى في حياته ومسيرة الحزب معه". مع توالى الأحداث بدا واضحا أن "نور" أصابه جنون العظمة هكذا يقول "حميدة" متابعا: "كان هو صاحب القرار الأوحد والرجل الأول والأخير لا يمنح مساحة لغيره، وامتلأت مقرات حزب الغد بصور "نور" على كل جدار صورة للرجل، فأراد أن يستأثر بالحكم وحده، لذا عقد اجتماعا مخالفا للائحة الداخلية للحزب، وقرر على إثره إقصاء كل من "موسى مصطفى موسى، مرسي الشيخ، رجب هلال حميدة، وإبراهم صالح" لتبدأ مرحلة السقوط وتدب الأزمات داخل الحزب". وأضاف:"لا يمكن القول إن الأمن تدخل بشكل مباشر في أزمة الحزب إلا أن صفوت الشريف قال لى بشكل مباشر وواضح: "نصيحة منى ارجعوا لأيمن نور وتفاهموا معه لأننا حريصون على بقاء الحزب في الحياة السياسية" لنفهم الرسالة التي أراد أن يوصلها لنا صفوت الشريف أن الأمن يريد "نور". وتابع: "نور" كان رجلا قويا بعلاقاته سواء في الأجهزة الأمنية أو العلاقات الخارجية، والأمن كان حريصا على بقاء حزب الغد حسب تعليمات القيادة السياسية، والحزب الوطنى في ذلك الوقت كان مهيمنا على كل نواحى الحياة السياسية، لكن كان يريد حزب "ديكور" وليس فاعلا في الحياة السياسية، وبدأ صراع الأجنحة يظهر للعلن، وتتضح لنا الرؤية فكان هناك جناح داخل الغد يقوده ويحركه "صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني، وزكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية سابقا، وعضو الحزب الوطنى الديموقراطى والأمين العام المساعد لشئون التنظيم والعضوية والمالية والإدارية في الحزب، وكمال الشاذلى عضو الهيئة العليا للحزب الوطنى الديمقراطي" وأيمن نور كانت علاقاته بهؤلاء الثلاثة قوية ومتينة، وكان هدفهم في بقاء الحزب هو نفى الاتهامات التي كانت توجه للحزب الوطنى بالانفراد بالحياة السياسية فضلا عن انقلابه على الحرس القديم، ووجود رغبة في الانتهاء من الوجوه القديمة" "حميدة" يرى أن المرحلة الفاصلة في تاريخ "الغد" كانت عقب انتهاء انتخابات الرئاسة، لتبدأ مرحلة صراع الأجنحة داخل السلطة، والتي انقسمت على نفسها، فهناك جناح يقوده "كمال الجنزورى وطلعت حماد، ومفيد شهاب" يرى أن بقاء "الغد" خطر على النظام، ويهدد بالتبعية بقاءه، وهناك جناح آخر بقيادة "صفوت الشريف وزكريا عزمي، وإبراهيم سليمان وحسين كامل بهاء الدين" يدعم أيمن نور ويريد استمرار الغد في الحياة السياسية، ولكن وفقا لما يطلبونه منه، هذا إلى جانب صراع الأجهزة التي كان لكل منها له رأى في أزمة الحزب، وفى بقاء "نور" نفسه من عدمه. أيمن نور كانت له علاقات خارجية موسعة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها، هكذا يؤكد حميدة مضيفا:"ساعده في ذلك "هشام قاسم" وهو كان أحد الشخصيات غير المرغوب فيها من الأجهزة لقوة صلاته الغربية، وكان هو جسر التواصل ما بين نور والغرب بشكل عام، وأعد له عددا من اللقاءات مع وزراء خارجية للعديد من البلاد الغربية، منهم كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية السابقة، ومادلين أولبرايت والتي بلقائها مع نور أحدثت له أزمة كبرى". كيف تم كشف تزوير التوكيلات، تلك كانت صدفة بحتة أو هكذا أظن، يقول حميدة: "تم إلقاء القبض على مدير مكتب أيمن نور، لتورطه في قضية ذات بعد مالى مع أحد الأشخاص بعيدا عن الحزب، وتم تحرير محضر ضد ذلك الرجل، وكان يدعى "ضياء"، إلا أن "نور" لم يتدخل لحل تلك الأزمة، وتخلى عن مدير مكتبه في محنته، وحاول الرجل الانتقام منه بالاعتراف بتورطه في تزوير توكيلات تأسيس الحزب، ليبدأ الفصل الأخير من انهيار حزب الرجل الواحد، وبداية معركة جديدة على رئاسة الحزب، انتهت بإعلان موسى مصطفى موسى رئيسا للحزب، وتأسيس نور حزب آخر بديل تحت اسم "غد الثورة".