أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر في بداية التعاملات بالبورصة العالمية    العطس المتكرر قد يخفي مشاكل صحية.. متى يجب مراجعة الطبيب؟    ولاية فلوريدا الأمريكية تصنف جماعة الإخوان منظمة إرهابية    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    تحذيرات من الأرصاد: طقس غير مستقر اليوم الثلاثاء مع 3 ظواهر تضرب المحافظات    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في ثاني وآخر أيام الاقتراع بالدوائر الملغاة    الفنانة شمس: صاحب العقار طردني علشان 17 جنية    برلمانيون ليبيون يستنكرون تصريحات مجلس النواب اليوناني    الليلة، الزمالك يستهل مشواره في كأس عاصمة مصر بمواجهة كهرباء الإسماعيلية    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 9 ديسمبر    فلوريدا تصنف الإخوان وكير كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    محمد أبو داوود: عبد الناصر من سمح بعرض «شيء من الخوف».. والفيلم لم يكن إسقاطا عليه    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025: طقس بارد ليلًا وأمطار متفرقة على معظم الأنحاء    ما هي شروط إنشاء مدارس مهنية ثانوية؟.. القانون يجيب    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    تعرف على عقوبة تزوير بطاقة ذوي الهمم وفقًا للقانون    أحمديات: مصر جميلة    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    مصدر بالسكك الحديد: الأمطار وراء خروج عربات قطار روسي عن مسارها    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    التعليم تُطلق أول اختبار تجريبي لطلاب أولى ثانوي في البرمجة والذكاء الاصطناعي عبر منصة QUREO    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    الأهلي والنعيمات.. تكليف الخطيب ونفي قطري يربك المشهد    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    المنتخب السعودي يفقد لاعبه في كأس العرب للإصابة    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«للكنائس وطن يحميها».. «الأوقاف» و«الإفتاء» أصدرتا كتابا يؤكد وجوب رد العدوان عنها.. «جمعة»: من يموت منا دفاعًا عن الكنيسة كمن يموت دفاعًا عن المسجد.. ومؤرخون: كنائس مصر لم تُبن إلا بعد الفتح
نشر في فيتو يوم 17 - 04 - 2017

"إن المسلمين – وحدهم - الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى وأنهم تركوا مَن لم يرغبوا فيه أحرارًا في التمسك بتعاليمهم الدينية".. نصّا من كتاب "تاريخ شارلكن" لمؤلفه "روبرتسن"، وهذا المؤلف ليس الغربىّ الوحيد الذي أنصف الإسلام، وردّ عنه شبهات المتنطعين من المتأسلمين وتجار الأديان ومُخربى الأوطان، كما لا يغيب عن أي مسيحى مُنصف، أن الإسلام لا يُحرّض على كراهية من لا يتخذونه دينا، ولا يحثُ على هدم الكنائس أو المعابد، ويبقى قول الله تعالى "لكم دينكم ولىّ دين"، نبراسا على الطريق، ومؤكدا أن الإسلام دين يحترم الإنسان، أيا كان دينه ولونه، ولا يقول غير ذلك إلا مأجور أو مرتزق أو ضال أو مُضلل.
"1"
لا يختلف عاقلان على أن أي عمل تخريبى يطال كنيسة مصرية، ويُسقط ضحايا ومصابين مصريين، هو مُصاب أليم لمصر كلها، مصر التي تتسع أرضُها للمسجد والكنيسة والمعبد، ولا تضيق بأىّ منهم ذرعا، مصر التي لم تعرف التطرف والإرهاب إلا على أيدى ثلة من الجهلاء، صبيان أبليس الذين أخضعهم لسيطرته، وقادهم بجبروته، ليعيثوا في أرض السلام فسادا وتخريبا، لذا فإن التفجيرين اللذين استهدفا كنيستين في طنطا والإسكندرية، الأسبوع الماضى تزامنا مع "أحد السعف"، وأسقطا عددا هائلا من الشهداء والجرحى، لا يمكن وصفهما إلا بأنهما طعنة غادرة من خائن، في قلب وطن لن ينكسر، بل سوف يتجاوز أزماته ومحنه، ويسترد عافيته، ويبقى وطنا واحدا بأزهره وكنيسته، لا يعرف تمييزا على أساس دينى أو عرقى، فالإسلام الذي يتمسح به الانتحاريون والتفجيريون، لا يقر عقيدتهم ولا منهجهم ولا سلوكهم الآثم، والله الرحمن الرحيم لن يستقبلهم بالحور العين ولا بالجنان التي تجرى من تحتها الأنهار، ولكن الإسلام الحقّ فرض على أتباعه حماية المسيحيين وكنائسهم، و"الاعتداء على الكنائس كالاعتداء على المساجد، واستهدافها أو استهداف قاصديها كاستهداف المساجد وقاصديها".. نصا من مقال وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة في مقاله ب"الأهرام" الذي دلل على كلامه بما ذكره العلامة "ابن حزم" في قوله: " إذا جاء من يقصد من يعيش بيننا من غير المسلمين بسوء وجب على المسلمين أن يهبّوا لحمايتهم، وأن نخرج للدفاع عنهم، وأن نموت دون ذلك"، واستطرد الوزير في مقاله مشددا على "أن من يموت منا دفاعًا عن الكنيسة كمن يموت منا دفاعًا عن المسجد، لأننا شركاء في الوطن والمصير، وهذا هو فقه ومفهوم المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات".
"2"
قبل أقل من عام، تضافرت جهود وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية، لإخراج مؤلف بعنوان: "حماية الكنائس في الإسلام"، وتمت ترجمته، حتى كتابة هذه السطور، إلى 13 لغة، ترسيخًا لأسس المواطنة العصرية الشاملة دون تمييز، وتأصيلًا لفقه العيش الإنساني المشترك بين البشر، دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة، وانطلاقًا من قوله تعالى:" لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ"، وإيمانًّا بالتنوع والاختلاف الذي هو سُنة من سُنن الله الكونية، حيث يقول سبحانه وتعالى: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ "، وخروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر، وحرصًا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا، وتأصيلا لمبدأ الاحترام المتبادل، ودحضًا للفكر المتطرف، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام، وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة، بحسب ما ورد في مقدمة الكتاب الممهورة بتوقيع الوزير الدكتور "محمد مختار جمعة"، والمفتى "النشط" الدكتور "شوقى علام"، الذي أكد بدوره "أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي، حيث قال تعالى: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز"، فالناسُ في اختلافهم الديني والعرقي مجال كبير لاكتمال العمران في الدنيا، كما ثمّن "علام" امتناع أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب"، عن أن ينزع من نصارى بيت المقدس كنائسهم وأن يحافظ لهم عليها ويوثق عهده لهم فيما أصبح يشتهر باسم "العهدة العمرية"، وعلى ذلك جرى عمل المسلمين عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة، منذ العصور الأولى حتى أَنَّ عالمي الديار المصرية" الإمام والمُحدّث والفقيه "الليث بن سعد"، والإمام قاضي مصر "عبد الله بن لهيعة" أكدا أن "كنائس مصر لم تُبْنَ إلا في الإسلام"، وأن والي مصر في زمن "هارون الرشيد"، "موسى بن عيسى" أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَن كان قبله وجعل ذلك مِن عمارة البلاد، وكانا أعلم أهل مصر في زمنهما بلا مدافعة، واستطرد "علام" قائلا: "ومن ثمَّ تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يُظهر الجوانب المشرقة في الدين الإسلامي الذي يفيض تسامحًا ورقيًّا مع مخالفيه، ومع أهل الكتاب بالخصوص فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلَى بها عناية خاصة، فحرَّم الاعتداء عليها بكافة أشكاله، وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المُشرّف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم"، كما نبّه فضيلته إلى أنه "على من لم يعلم أن يتعلم، ومن لا يفهم أن لا يتكلم، ومن يعلم ويفهم أن يتكلم بالحق في ضوء ما قرره أهل الفهم والعلم والاختصاص، حتى لا يتخذ الحمقى والجهال من كلام أهل البغي والضلال ما يستحلون به الدماء ويُخرّبون به عامر البنيان، ويُفرّقون بين أبناء الوطن الواحد، بلا علم ولا فقه ولا بيّنة، ولا دليل من كتاب أو سُنة، ويصيرون عبئا وعالة على الوطن وأمنه واستقراره ووحدة نسيجه ولحمته وكيانه".
"3"
الكتاب الذي شارك في إعداده مجموعة من أساتذة الفقه والشريعة الإسلامية، تضمن عددا من الأبحاث التي تؤكد بالأدلة الشرعية على حرمة المساس بالكنائس بل وجوب حمايتها، حيث قدّم الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف الدكتور "محمد سالم أبو عاصى" في مبحثه، 3 حقائق تمثل تأصيلا لحماية الكنائس، الحقيقة الأولى: استغلال الدين لأهداف سياسية يعود بالضرر على المجتمع كله، الحقيقة الثانية: مبادىء الشريعة الإسلامية تقضى بحرية الإنسان في اعتناق الشريعة التي يرضاها كقول الله تعالى: "لا إكراه في الدين"، وقوله أيضا: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، أما الحقيقة الثالثة فهى: القرآن الكريم قرر قاعدة التعامل مع أهل الكتاب على أساس البر والعدل، فقال الله تعالى:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، كما حذّر المؤلف "أبو عاصى" ممن اسماهم " أعداء الوطن الذين يبثون عوامل الشقاق والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد" قائلا: "عندما ينجح العدو في تفكيك هذا النسيج الحضارى الجامع في مجتمعاتنا العربية، فلسوف ينحط الوبال من جراء ذلك على كل المسلمين والمسيحين على السواء"، منوها إلى أن من الأسباب التي ئؤدى إلى تورط البعض ممن لا فقه لهم في العدوان على الكنائس: عدم النضج الفقهى بأحكام أهل الكتاب، لا سيما لدى الجماعات المتطرفة، وعدم وجود منهج معروف ومُلزم بالطريقة المثلى للبحث عن أحكام أهل الكتاب، والمأمول في الفتاوى والأحكام الشرعية التي تتعلق بالقضايا الكبرى للدولة أن تشكل فيما بينها آلية للتواصل والتنسيق تحقق التناغم والانسجام بدلا من الاحكام والفتاوى المتخالفة والمتناقضة التي تثير عوامل الاضطراب.
"4"
عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبدالله النجار أكد في المبحث الخاص به "إن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامى"، منوها إلى أن جميع الشرائع السماوية بينها قاسم مشترك يتمثل في الضرورات الدينية والمبادىء الأخلاقية، كما تتفق تلك الشرائع في المحافظة على القيم الإنسانية كالوفاء والكرم والصدق والأمانة وغيرها من القيم التي تقتضى وجوب الحفاظ على تلك الشرائع وعدم المساس بها، كما شدد على " أن ذكر الله مطلوب من المسلم وغير المسلم، حتى لو كان لا يؤمن بدين من الأديان، ففى تفسير قوله تعالى "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" يقول "القرطبى": إن الله تعالى ذكر دور عبادة أهل الديانات السابقة وهى صوامع الرهبان، وبيع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين، لأن أصحاب تلك الدور أهل كتب سماوية سابقة وفيها ما يجب حمايته".
ونوه "النجار" إلى أن الله حرّم إكراه أي إنسان على أن يؤمن به بعد أن أوجب الإيمان به عن حرية واختيار واقتناع لقوله تعالى" "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى" وهذا يعنى أن هدم دور عبادة غير المسلمين والتعرض لها يمثل تزيُّدا على الله وعلى دينه، وإكراها في الدين منهيا عنه"، مضيفا: "إن حق غير المسلمين في المحافظة على كنائسهم مبنىُّ على وفاء المسلمين بما اتفقوا عليه، وقد عبّر الفقهاء عن ذلك المعنى بالأراضى التي فُتحت صُلحا، أي بالاتفاق مع أهلها ومنها أرض مصر التي أبدت تعاطفا مع الفتح الإسلامى وتعاونت معه، كما لفت إلى أن دور العبادة الموجودة في تلك البلاد لا يجوز المساس بها ويجب الحفاظ عليها، ويحق لأهلها أن يقوموا بترميم ما انهدم منها، وقد تطور الصُلح الذي نص عليه الفقهاء وأصبح يتخذ شكل المبادىء الدستورية التي تقرر المساواة بين أبناء الوطن الواحد، وتحظر التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو غيرها من المظاهر التي يمكن أن تكون سببا للتمييز في المجتمعات الإسلامية فإن هذا الاتفاق يجب الوفاء به إعمالا لقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود".
"5"
أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف الدكتور محمد عبد الستار الجبالى ساق عددا من الأدلة التي تدعم موقف الإسلام في حماية الكنائس، مشددا في مبحثه على أن "الإسلام أباح لغير المسلمين ممارسة شعائر دينهم، فلا تُهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يُكسر لهم صليب، بناء على القاعدة العامة في حقوق أهل الذمة "إن لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، كما أن هذه القواعد جرت على لسان الفقهاء ويؤيدها بعض الآثار من السلف منها: كتاب "عمر بن عبد العزيز" الذي نصّ على أنه: "لا تُهدم بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار صولحوا عليه".
ونوه "الجبالى" إلى وصية الرسول الكريم بالأقباط التي قال فيها لأصحابه: "إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما"، لافتا إلى أن عمرو بن العاص طبّق هذا التسامح عمليا عندما فتح مصر، عندما أطلق الحرية الدينية للأقباط ورد البطريرك بنيامين إلى كرسيه بعد تغيبه عنه 13 عاما، كما أمر باستقباله بكل حفاوة عندما سار إلى الإسكندرية.
"6"
قبل 18 عاما.. أفتت دار الإفتاء المصرية، في زمن الدكتور نصر فريد واصل، بجواز بناء الكنائس في بلاد الإسلام؛ مشددة على: "إن الإسلام يعطى أهل الكتب السماوية نصرانية أو يهودية أو غيرهما، الحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية وإقامة معابدهم وتركهم وما يدينون، طالما أنهم لا يعادون الإسلام ولا يعينون عليه أحدًا"، وأوضحت الدار أن الفتوى مُؤسسة على الدلائل الشرعية المستقرة التي تثبت أن الإسلام هو دينُ التعايش، ومبادئه تدعو إلى السلام ولا تُقِرُّ العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان في آيات كثيرة نصّ فيها الشرع على حرية الديانة، كما أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة، وشددت الفتوى على أن الإسلام ترك الناس على أديانهم ولم يُجبِرْهم على الدخول في الإسلام قهرًا، فقد سمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأَوْلاها عناية خاصة؛ فحرّم الاعتداء بكافة أشكاله عليها بل إن القرآن الكريم جعل تغلُّب المسلمين وجهادهم لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة – سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم- من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها بل إن الشرع الشريف أذن لأهل الديانات السماوية ببناء ما تهدم من كنائسهم وترميم ما تصدع منها؛ معلِّلا لمشروعية إعادة بناء الكنائس المنهدمة أنه جرى التوارث من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا بترك الكنائس في أمصار المسلمين، واستشهدت الفتوى بأنه إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم، قد أقرَّ،في عام الوفود، وفد نصارى نجران على الصلاة في مسجده الشريف، والمسجد هو بيت الله المختص بالمسلمين، فإنه يجوز -مِن باب أَوْلَى- بناءُ الكنائس ودور العبادة التي يؤدون فيها عباداتهم وشعائرهم التي أقرهم المسلمون على البقاء عليها إذا احتاجوا لذلك.
"7"
المصادر التاريخية تؤكد أنه بُنِيت في مصر عدة كنائس في القرن الأول الهجرى، مثل: كنيسة "مارى مرقص" بالإسكندرية، وهى التي طالها تفجير الأسبوع الماضى، وبين عامى 47 و68 هجريا، بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم، كما وجّه "عبد العزيز بن مروان" حين أنشأ مدينة "حلوان" ببناء كنيسة فيها، وسمح لبعض الأساقفة ببناء ديرين، وكشف "المقريزى" أن جميع كنائس القاهرة تم إنشاؤها في الإسلام... ومما سلف يتبين موقف الإسلام من حماية دور العبادة الخاصة بغير المسلمين، حتى لو لم يكونوا من أتباع الأديان السماوية، ومن يؤمن بغير ذلك يكون خارجا عن جادة الصواب، وجاهلا بمراد الله في كونه وخلقه.
"نقلا عن العدد الورقي"..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.