بعد صدور كتاب " حماية الكنائس في الإسلام" ... وزير الأوقاف: هدفنا ترسيخ أسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز مفتي الجمهورية: حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي "أبو عاصي": لا يجوز التعدي على الكنائس وفق نصوص القرآن وعقود الأمان التي عقدها النبي لأهل الكتاب عميد الشريعة والقانون: لا يوجد نص شرعي يبيح المساس بدور العبادة لغير المسلمين أو يسوغ هدمها أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، امس الخميس كتاب: "حماية الكنائس في الإسلام"، الذى أعده نخبة من علماء الشريعة المتخصصين ويعتبر الكتاب خطوة أولى لإدخال تجديد الخطاب الدينى حيز التنفيذ، إضافة إلى ترجمته إلى عدة لغات مختلفة، تعميمًا للنفع وإظهارًا لسماحة الإسلام للدنيا بأسرها. قدم الكتاب الدكتور محمد مختار جمعة ، وزير الأوقاف والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، وشارك في إعداده كل من: عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومحمد سالم أبو عاصي عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات بمدينة السادات . والدكتور محمد عبد الستار الجبالي أستاذ الفقه المقارن المتفرغ ورئيس القسم الأسبق بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة ، والدكتور مجدي عاشور مستشار المفتي ، ومحمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ، وعبد الحكيم الشرقاوي عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا، وشارك في مراجعته علماء آخرون . كما أهدت وزارة الأوقاف الكتاب للرئيس عبد الفتاح السيسي تقديرًا لجهوده العالمية في مواجهة التطرف والإرهاب ورؤيته الثاقبة في تجديد الخطاب الديني. وقال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن الكتاب صدر بهدف ترسيخ أسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلًا لفقه العيش الإنساني المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة. وأوضح "جمعة" في مقدمة الكتاب، أن الكتاب صدر إيمانًا بضرورة تجديد الخطاب الديني ودراسة المستجدات والقضايا العصرية بطريقة دقيقة، وإبراز الوجه الحضاري السمح لديننا الحنيف، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معًا على أيدي العلماء والفقهاء المتخصصين، وإيمانًا بسنة التنوع والاختلاف التي هي من سُنن الله الكونية، مصداقًا لقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وفى موضع آخر: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}. ولفت وزير الأوقاف إلى أن الكتاب يُعد خروجًا من ضيق الأفق الفكري إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر، وحرصًا على إبراز حقوق الآخرين علينا إنصافًا من أنفسنا، وتأصيلًا لمبدأ الاحترام المتبادل، ودحضًا للفكر المتطرف، والتأكيد للعالم كله على سماحة الإسلام، وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة. وأوضح أن الكتاب أعده نخبة من العلماء المتخصصين المستنيرين، ويأتي في ضوء سلسلة وموسوعة المستجدات وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. من جانبه قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، إن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي، كما قال المولى جل وعلا: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}، مشيرًا إلى أن الناس في اختلافهم الديني والعرقي مجال كبير لاكتمال العمران في الدنيا. وأشار إلى أن عالم الديار المصرية الإمام والمحدث والفقيه الليث بن سعد، والإمام قاضي مصر عبد الله بن لهيعة، أكدا أن كنائس مصر لم تُبنَ إلا في الإسلام، وأن والي مصر في زمن هارون الرشيد موسى بن عيسى أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها مَن كان قبله، وجعل ذلك من عمارة البلاد. ولفت مفتي الجمهورية إلى أن الكتاب يُظهر الجوانب المشرقة في الدين الإسلامي الذي يفيض تسامحًا ورقيًا مع مخالفيه، ومع أهل الكتاب بالخصوص، فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة، فحرم الاعتداء عليها بكل أشكاله. وقال الدكتور محمد سالم أبو عاصي عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر، إن الإسلام كفل اختيار الاعتقاد لكل البشر وعدم جواز إكراه أحد على الدخول فيه، ويشمل ذلك تأمين دور العبادة لأهل الكتاب الذين يعيشون في بلاد المسلمين، وحرمة المساس بما وجدوا عليه من دور عبادتهم، مستشهدًا بمقولة خليفة المسلمين عمر بن الخطاب للأقباط: «إنكم آمنون على دمائكم وأموالكم، وكنائسكم لا تسكن ولا تخرب»، كما كان عمر بن عبد العزيز، الخليفة العادل، كتب إلى عماله «ألا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار». وأشار "أبو عاصي" إلى أنه لا يجوز التعدي على الكنائس وفق نصوص القرآن وعقود الأمان التي عقدها النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وخلفاؤه لأهل الكتاب، بما يبرز سماحة الإسلام ورقيه الحضاري في إنصاف أصحاب الديانات وبخاصة السماوية. وأشار "أبو عاصي" إلى أن سياسة بناء الكنائس مرهونة بالصالح العام للأمة، وأن ولي الأمر هو الذي يزن تلك المصلحة ويقدر لها قدرها وفقًا لاعتبارات موضوعية بعيدة عن الاضطهاد الديني، فإذا وجد أن عدد المسيحيين قد زاد زيادة تقتضي بناء كنائس جديدة فله أن يسمح بذلك، وإن رأى عدم الحاجة فإن له أن يقدر الأمر بما يراه محققًا للصالح العام للأمة، دون مساس بحق أي إنسان في معتقده الديني، وشدد على أن الأدلة الشرعية تضافرت في الدلالة على أنه لا يجوز هدم الكنائس. وأكد الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامي يقوم على عدد من مبادئ الإسلام، وهي تشمل المحافظة على الدين، وأن ذكر الله مطلوب من المسلم وغيره، حتى لو كان لا يؤمن بدين من الأديان، وأن الله حرم إكراه أي إنسان على أن يؤمن به، والتأكيد على أن هدم دور عبادة غير المسلمين والتعرض لها يمثل تزيدًا على الله وعلى دينه، ويمثل إكراهًا في الدين منهيًّا عنه. من جانبه قال الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة، إن هدم الكنائس أو العدوان عليها وعلى روادها بأي شكلٍ كان حرام شرعًا. وقال الدكتور عبد الحليم منصور وكيل كلية الشريعة والقانون بتفهنا الإشراف، لا يوجد نص شرعي يبيح المساس بدور العبادة لغير المسلمين أو يسوغ هدمها أو التعدي عليها، بل يوجد في كتب الفقهاء القدامى أنهم يجيزون الوصية للكنائس وعمارتها، وتاريخ الإسلام خير شاهد على أن الدين يحافظ على أهل الكتاب ودمائهم وعقيدتهم وكنائسهم. وقال الدكتور مجدي عاشور، مستشار مفتى الجمهورية، إن التعدي على الكنائس والمسيحيين من أهل مصر وغيرها من البلاد يعد نقضًا لعهد المواطنة وهو الأمر الذي نهت عنه النصوص بل أمرت بخلافه قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُود }.