أكدت دار الإفتاء في بيان لها صدراليوم - الأربعاء - أن الدولة الإسلامية سمحت لرعاياها ومواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس ودور العبادة عند حاجتهم لذلك، وهو المصلحة الراجحة والرأي الصائب الذي دلت عليه عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأكدها عمل المسلمين عبر العصور وأيدتها الشريعة، بالإضافة إلى المتغيرات العالمية والدولية والإقليمية والمحلية، وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذي أقره النبي (صلى الله عليه وسلم) في معاهدة المدينةالمنورة، ومبدأ المعاملة بالمثل بين الدول. وأضافت دار الإفتاء: "إنه من واقع التاريخ الإسلامي فإن أقباط مصر رحبوا بالمسلمين الفاتحين وفتحوا لهم صدورهم على الرغم من أن حكامهم من الرومان كانوا نصارى مثلهم، ولكنهم فضلوا العيش تحت مظلة الإسلام وعاشوا مع المسلمين في أمان وسلام وصار قبط مصر عدة وأعوانًا في سبيل الله لتصنع مصر بذلك أعمق تجربة تاريخية ناجحة من التعايش والمشاركة في الوطن الواحد بين أصحاب الأديان المختلفة". وأوضحت دار الإفتاء المصرية في بيانها اليوم أنه سبق لها في عهد الدكتور نصر فريد واصل - المفتي الأسبق - إصدار فتوى عام 1999 ميلادية بجواز بناء الكنائس في بلاد الإسلام؛ حيث جاء فيها: "إن الإسلام يعطي أهل الكتب السماوية نصرانية أو يهودية أو غيرهما الحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية وإقامة معابدهم وتركهم وما يدينون، طالما أنهم لا يعادون الإسلام ولا يعينون عليه أحدًا". وأشارت الى أن هذه الفتوى مؤسسة على الدلائل الشرعية المستقرة التي تثبت أن الإسلام هو دين التعايش، ومبادئه تدعو إلى السلام ولا تقر العنف، ولذلك لم يجبر أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فيه، بل جعل ذلك باختيار الإنسان في آيات كثيرة نص فيها الشرع على حرية الديانة، بل أمر الشرع بإظهار البر والرحمة والقسط في التعامل مع المخالفين في العقيدة. كما شددت الفتوى على أن الإسلام ترك الناس على أديانهم ولم يجبرهم على الدخول فيه قهرًا، فقد سمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولاها عناية خاصة؛ فحرم الاعتداء بجميع أشكاله عليها، كما أن القرآن الكريم جعل جهاد المسلمين لرفع الطغيان ودفع العدوان وتمكين الله تعالى لهم في الأرض سببًا في حفظ دور العبادة - سواء أكانت للمسلمين أم لغيرهم - من الهدم وضمانًا لأمنها وسلامة أصحابها. وأشارت دار الافتاء إلى إن الشرع الشريف أذن لأهل الديانات السماوية ببناء ما تهدم من كنائسهم وترميم ما تصدع منها؛ معلِّلا مشروعية إعادة بناء الكنائس المنهدمة أنه جرى التوارث من لدن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى يومنا هذا بترك الكنائس في أمصار المسلمين. ولفتت إلى أن الشريعة الإسلامية كلفت المسلمين بتوفير الأمان لأهل الكتاب في أداء عبادتهم تحت مظلة الدولة الإسلامية، مما يقتضي إبقاء الكنائس ودور العبادة على حالها من غير تعرض لها بهدم أو تخريب، وإعادتها أيضًا إذا انهدمت أو تخربت. وشددت أمانة الفتوى على أن ما يحتج به على منع بناء الكنائس في بلاد الإسلام من أحاديث كلها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، ولا يعمل بمثلها في الأحكام، والصحيح منها محمول على منع بناء الكنائس في جزيرة العرب دون سواها من دول الإسلام، وكذلك ما يحتج به من حكاية الإجماع في ذلك فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمون سلفًا وخلفًا. وحول ما قالته جماعة من الفقهاء بمنع إحداث ( إنشاء) الكنائس في بلاد المسلمين، رأت الفتوى أنها أقوال لها سياقاتها التاريخية وظروفها الاجتماعية المتعلقة بها؛ حيث مرت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بأحوال السلم والحرب، وتعرضت للهجمات الضارية والحملات الصليبية التي اتخذت طابعًا دينيًا تغذيه جماعة من المنتسبين للكنيسة آنذاك مما دعا فقهاء المسلمين إلى تبني الأقوال التي تساعد على استقرار الدولة الإسلامية والنظام العام من جهة، ورد العدوان على عقائد المسلمين ومساجدهم من جهة أخرى، غير أن الواقع اختلف الآن ويقتضي تغيير الفتوى المبنية عليه؛ إذ الفتوى تتغير بتغير العوامل الأربعة (الزمان والمكان والأشخاص والأحوال).