فى هذا التوقيت الذى يقوم فيه تنظيم "داعش" الإرهابى بحرق وتدمير الكنائس فى العراق وسوريا. تأتى أهمية كتاب "حماية الكنائس فى الإسلام" الذى صدر حديثا عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، وقدم له د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وفضيلة مفتى الجمهورية د. شوقى علام، كما شارك فى تأليفه الدكاترة محمد سالم أبو عاصى عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر بمدينة السادات. وعبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، ومحمد عبد الستار الجبالى أستاذ الفقه المتفرغ بكلية الشريعة والقانون، ومحمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية المتفرغ بكلية دار العلوم، وعبد الحليم منصور وكيل كلية الشريعة والقانون، ومجدى عاشور المستشار العلمى للمفتي. وترجم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الكتاب إلى تسع لغات أجنبية مختلفة, وهى : الإنجليزية, والفرنسية, واليونانية, والتركية, والصينية, والروسية, والإيطالية, والسواحلية, والعبرية. وتضمن الكتاب عددا من الأبحاث التى تؤكد إباحة الإسلام للبناء وأهمية حماية المسلمين للكنائس كنوع من التعمير فى الأرض. وتم إهداء الطبعة الأولى من الكتاب للرئيس عبدالفتاح السيسى تقديراً لجهوده العالمية فى مواجهة التطرف والإرهاب ومطالبته بتجديد الخطاب الديني. وقال وزير الأوقاف إن الكتاب صدر بهدف ترسيخ أسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلاً لفقه العيش الإنسانى المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة. وإبرازا الوجه الحضارى السمح لديننا الحنيف، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معاً على أيدى العلماء والفقهاء المتخصصين، وإيماناً بسنّة التنوع والاختلاف الذى هو سنّة من سنن الله الكونية، فقال الله تعالي: “لا إكراه فى الدين”، وفى موضع آخر يقول: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة”. من جانبه قال الدكتور شوقى علام، إن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامي، حيث قال تعالي: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً”، مؤكداً أن الناس فى اختلافهم الدينى والعرقى مجال كبير لاكتمال العمران فى الدنيا. وأشار إلى أن عالم الديار المصرية الإمام والمحدّث والفقيه الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر عبدالله بن لهيعة أكدا أن كنائس مصر لم تُبن إلا فى الإسلام، وأن والى مصر فى زمن هارون الرشيد، موسى بن عيسي، أمر بإعادة بناء الكنائس التى هدمها من كان قبله وجعل ذلك من عمارة البلاد. أن الكتاب يُظهر الجوانب المشرقة فى الدين الإسلامى الذى يفيض تسامحاً ورقياً مع مخالفيه، ومع أهل الكتاب بالخصوص فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم فى دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، وأولى بها عناية خاصة، فحرّم الاعتداء عليها بكافة أشكاله. وأكد الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامى يقوم على عدد من مبادئ الإسلام، وهى تشمل المحافظة على الدين، وأن ذكر الله مطلوب من المسلم ومن غير المسلم، وأن هدم دور عبادة غير المسلمين والتعرُّض لها يمثل تزيداً على الله وعلى دينه ويمثل إكراهاً فى الدين منهياً عنه. من جانبه قال الدكتور محمد عبد الستار الجبالى أستاذ الفقه المتفرغ بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، إن سماحة الإسلام فى معاملة أهل الشرائع المخالفة فى العقيدة والعبادة بلغت حد تركهم وما يعبدون ولقد أباح الإسلام لغير المسلمين ممارسة شعائر دينهم فلا تهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يكسر لهم صليب بناء على القاعدة العامة فى حقوق الذمة، وان لهم ما لنا وعليهم ما علينا, وان نتركهم وما يدينون. وقال الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتى الجمهورية، إن التعدى على الكنائس والمسيحيين من أهل مصر وغيرها من البلاد يعد نقضًا لعهد المواطنة وهو الأمر الذى نهت عنه النصوص بل أمرت بخلافه، قال الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُود). وأضاف: إن الإسلام حفظ حقوق الآخر وضمن له العيش الكريم بين المسلمين، وكذلك حافظ على دور العبادة بل وحمايتها من أى تهديد يعكر مقتضيات عقد المواطنة، ولا شك أن هذه الأحكام الشرعية قد اقتبس منها نظام الدولة الحديثة، ترسيخاً لمبدأ التعايش ووفاء بعقد المواطنة الذى يجمع كل أفراد الوطن تحت مظلة قانون واحد يتساوون فيه جميعاً ويؤدون فيه واجباتهم ووظائفهم المدنية سواسية فى الحقوق والواجبات ومن ثم يشعر الجميع بقيمة الانتماء للوطن ويتشاركون فى عمارة مرافق الدولة المختلفة.