المصري الديمقراطي يدفع ب30 مرشحًا فرديًا ويشارك في «القائمة الوطنية»    وزير الخارجية: نشأت فى أسرة شديدة البساطة.. وأسيوط زرعت الوطنية فى داخلى    الصليب الأحمر في طريقه لتسلم جثماني محتجزين اثنين جنوب غزة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي فى بروكسل: مشهد مهيب غير مسبوق    محافظ الإسماعيلية يفتتح أعمال رفع كفاءة وتطوير مصاعد الثلاثينى وكوبرى المشاة    نائبة: القمة المصرية الأوروبية تدعم مسيرة التنمية المستدامة    زكريا أبوحرام يكتب: شفافية الرئيس    مسؤول أمريكي: لا خطط لقمة بين ترامب وبوتين في المستقبل القريب    نائب وزير الخارجية يستقبل وفدًا من البرلمان الدنماركي    آرسنال يمطر شباك أتلتيكو مدريد برباعية في دوري الأبطال    ياسين منصور يبدأ تنفيذ خطة أحلامه في الأهلي    ناقد رياضي: تصريحات أسامة نبيه أسوأ من نتائج المنتخب في مونديال الشباب    بناء علي طلب توروب .. الأهلي يرصد 3 مليون يورو للتعاقد مع مهاجم سوبر في الميركاتو الشتوي    كمين محكم يسقط 3 متهمين بحوزتهم 231 طن أسمدة ومخصبات مجهولة المصدر    صور| انقلاب سيارة نقل محملة بالأسمنت في قنا    عصام عطية يكتب: 7 دقائق فرنسية!!    رمضان 2026| تفاصيل دور بيومي فؤاد في «علي كلاي» ل أحمد العوضي    متحدث «الوزراء»: شاشات عرض في الميادين لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    هل يجوز تهذيب الحواجب للمرأة إذا سبّب شكلها حرجًا نفسيًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الميراث؟.. أمين الفتوى يجيب    «تعليم المنوفية»: ظهور حالات «جدري الماء» بمدرسة الباجور خفيف ولا يمثل خطورة    أستاذ حساسية يكشف سبب الكحة المتكررة في تغيير الفصول    النائب العام يزور مستشفى سرطان الأطفال 57357    الحكومة العراقية تجدد عقد إستيراد الكهرباء من الأردن    دخل السجن بسبب «أموال القذافي» وأيّد حظر النقاب.. 44 معلومة عن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق    مجلس الشؤون الإنسانية بالإمارات يعرض فيلم «ويبقى الأمل» في مهرجان الجونة    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    ألونسو: جولر مزيج من أوزيل وجوتي.. مستوانا يتحسن معه    السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي لانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    رفضت العودة إليه.. جيران سيدة مدرسة حي الزيتون ضحية طعن زوجها يروون لحظات الرعب    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    ماكرون: نسعى لاستصدار قرار من مجلس الأمن بشأن إدارة غزة    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    أستاذ علاقات دولية: مصر أصبحت محط أنظار المستثمرين بالعالم خاصة أوروبا    عاجل- مصر تتصدر الدول العربية في استقطاب مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات تتجاوز 161 مليار دولار    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    مقتل 3 عناصر إجرامية فى تبادل إطلاق النار مع الأمن بالغربية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    وزير الصحة: إدخال تقنيات المستشفيات الذكية والجراحة الروبوتية ضمن المنظومة    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتاب جديد.. "الإفتاء" و"الأوقاف": الإسلام يأمر ببناء الكنائس
نشر في البوابة يوم 14 - 07 - 2016

«علام»: دور العبادة المسيحية لم تبنَ إلا في الإسلام وتشييدها من «العمران الإسلامي»
«أبوعاصي»: حماية الأديرة «فريضة إسلامية» والاعتداء عليها انتهاك ل«حرمة الله»
«غنايم»: العدوان على الأقباط «حرام شرعًا» «النجار»: حرية الاعتقاد «مكفولة»
«الجبالي»: القرآن يأمر ب«عدم كسر الصليب» وترك حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين
أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية كتابا بعنوان «حماية الكنائس في الإسلام» من المقرر ترجمته إلى جميع اللغات، بهدف ترسيخ أسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز، وتأصيلًا لفقه العيش الإنسانى المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة.
الكتاب مقسم إلى عدة فصول لمجموعة من المؤلفين الذين يناقشون قضية بناء الكنائس من مختلف الوجوه الشرعية والفقهية والتاريخية، ويؤكدون أن بناء الكنائس وحمايتها من الواجبات الشرعية التي أقرها الدين الإسلامى احتراما لكل الشرائع السماوية.
ويقول الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، في مقدمة الكتاب إن إصدار الكتاب في هذا الوقت يأتى إيمانًا بضرورة تجديد الخطاب الدينى ودراسة المستجدات، والقضايا العصرية دراسة دقيقة، وإبراز الوجه الحضارى السمح لديننا الحنيف، واقتحام المشكلات الصعبة بحكمة وشجاعة معًا على أيدى العلماء والفقهاء المتخصصين، وإيمانًا بسنّة التنوع والاختلاف الذي هو سنّة من سنن الله الكونية، فقال الله تعالى: «لا إكراه في الدين»، وفى موضع آخر يقول: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة».
فيما أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أن الإمام والمحدّث والفقيه الليث بن سعد، والإمام قاضى مصر عبدالله بن لهيعة أكدا أن كنائس مصر لم تُبن إلا في الإسلام، وأن والى مصر في زمن هارون الرشيد، موسى بن عيسى، أمر بإعادة بناء الكنائس التي هدمها من كان قبله، وجعل ذلك من عمارة البلاد، موضحا أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامى، حيث قال تعالى: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا»، مؤكدًا أن للناس في اختلافهم الدينى والعرقى، مجالا كبيرا لاكتمال العمران في الدنيا.
ويقول الدكتور محمد سالم أبو عاصى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان «حماية الكنائس وأثرها في إبراز سماحة الإسلام» إن قضية حماية الكنائس تمثل تأصيلا لثلاث حقائق، على رأسها أن الدين لم يتم استغلاله في أي شريعة من الشرائع لمآرب سياسية إلا عاد بالوبال على بنى الإنسان وعلى العلاقات بينهم وبين مواطنيهم من أصحاب الشرائع الأخرى.
أما الحقيقة الثانية، فتؤكد أنه من المبادئ الأصيلة في شريعتنا الإسلامية الغراء أن الإنسان حر حرية تامة في اعتناق الشريعة التي يرضاها والإيمان بالكتاب السماوى الذي يحمل معالم تلك الشرعية والرسول الذي جاء بذلك الكتاب، حساب الجميع على الله وحده لا شريك له، إلا أن المسلم مطالب بالإيمان بالله وملائكته وجميع الكتب السماوية وجميع المرسلين دون تمييز في الإيمان أو تفرقة بين أحد منهم.
وتأتى الحقيقة الثالثة لتضع القاعدة الأساسية التي نص عليها القرآن في التعامل مع أهل الكتاب على أساس البر والعدل بقوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، فقد قسمت الآيتان المخالفين في الدين إلى فريقين اثنين، أحدهما فريق لم يقاتلوا المسلمين في الدين ولم يخرجوهم من ديارهم فهؤلاء لهم حق البر والإقساط إليهم، وهذا هو حال المسيحيين في مصر.
وأوضح الدكتور محمد أبو عاصى أن هناك أدلة شرعية على أن حماية الكنائس فريضة دينية، مشيرا إلى أن تورط البعض في العدوان على دور عبادة غير المسلمين يعود لعدم النضج الفقهى، أو عدم تكامل الملكة الفقهية المتعلقة بأحكام أهل الكتاب في الشريعة الإسلامية لا سيما لدى الجماعات المتطرفة.
كما أرجع أبوالعاصى أن من أسباب العدوان على دور عبادة غير المسلمين عدم وجود نهج معرف وملزم بالطريقة المثلى للبحث في أحكام أهل الكتاب وموضح لمظاهر الفرق بين عمل المفتى وعمل الناقل للأحكام من مراجعها، وعدم معرفة الفرق بين الأحكام التشريعية المجمع عليها والمختلف فيها، وبين الأحكام التبليغية والأحكام الخاضعة لنظام السياسة الشرعية، موضحا أن من أهم الأسباب أيضا عدم مراعاة الأحوال والأزمان والأشخاص والظروف والضرورات وما استجد من معلومات.
ومن أبرز الأدلة الشرعية التي تثبت فرضية حماية الكنائس ما ذكر في قوله تعالى «ولَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا» فمما لا يغيب عن بال أي إنسان عالم بلغة العرب أن الله عز وجل ذكر هدم الصوامع والبيع والصلوات والمساجد في معرض الذم، وجمع بينها في الحكم بواو العطف، وهى التي تفيد الجمع بين المتعاطفين في الحكم، ومن ثم لما كان الاعتداء على المساجد وكذا منع إقامة الشعائر فيها محرما، فيكون هدم البيع والكنائس والصلوات كذلك.
والمراد بقوله تعالى: «لهدمت صوامع» أي لهدمت هذه الصوامع في أيام الرسول «ص»، لأنها على كل حال يجرى فيها ذكر الله تعالى، فليست بمنزلة عبادة الأوثان.
أما الأدلة من السنة النبوية ما ذكر أن النبى «صلى الله عليه وسلم» صالح أهل نجران وكتب لهم كتابا «بسم الله الرحمن الرحيم... هذا ما كتب محمد النبى رسول الله لأهل نجران إذ كان له حكمه عليهم... ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة رسوله على ديارهم وأموالهم وملتهم وثلثهم وبيعهم ورهباناتهم وأساقفتهم وشاهدهم وغائبهم وعلى ألا يغيروا أسقفا من سقيفاه ولا واقفا من وقيفاه ولا راهبا من رهبانته وعلى ألا يحشروا ولا يعشروا».
وأوضح الكتاب في أدلته الشرعية التي تؤكد فرضية حماية الكنائس أنه في عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء القدس نص على حريتهم الدينية وحرمة معابدهم وشعائرهم «هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، لا تسكن كنائسهم ولا تهدم منها ولا من حيزها ولا من صليبها ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بالياء معهم أحد من اليهود».
ما سبق أدلة تؤكد فرضية حماية الكنائس، وأن الاعتداء عليها وانتهاك حرمتها ذريعتان لأهل الديانة المسيحية لأن يعتدوا على المسلمين وعلى مساجدهم، وما كان كذلك فسبيله المنع، كما أن الصحابة رضى الله عنهم فتحوا كثيرا من البلاد، فلم يهدموا شيئا من الكنائس، ومن ثم فإن إقرار الصحابة ومن بعدهم العلماء والفقهاء في إقرار المسيحيين على أبنية كنائسهم يدل على عدم إباحة هدمها، ومن واجب ولى الأمر أن يأمر بحماية الكنائس وبعدم الاعتداء عليها، بناء على فقه السياسة الشرعية الذي يقوم على رعاية مقصد الشريعة ومصلحة الخلق ويوازن بين المصالح بعضها بعضًا، كما أن الإجماع معقود منذ الفتوحات الإسلامية على إقرار غير المسلمين على كنائسهم في البلاد التي فتحوها صلحا، وذكر أيضا في مصنف ابن أبى شيبة أن عمر بن عبدالعزيز «رضى الله عنه» «كتب إلى عماله ألا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار».
وذكر الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، في كتاب «حماية الكنائس في الإسلام» أن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامى يقوم على عدد من مبادئ الإسلام، أبرزها المحافظة على الدين الذي هو مجمل ما انزله الله وحيا على أنبيائه منذ أبينا آدم بجانب الحفاظ على ضرورات الحياة الخمس التي لا يستغنى عنها أي جيل، ولا تختلف في المحافظة عليها شريعة من الشرائع السماوية، وهى الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وأوضح النجار أن ذكر الله مطلوب من المسلم وغير المسلم حتى لو كان لا يؤمن بدين من الأديان، فضلا عن أن الله قد حرم إكراه أي إنسان على أن يؤمن به بعد أن أوجب الإيمان به عن حرية واختيار واقتناع قال تعالى «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى»، مشيرا إلى أن حق غير المسلمين في المحافظة على كنائسهم مبنى على وفاء المسلمين بما صالحوهم عليه، وقد عبر قدامى الفقهاء عن ذلك المعنى بالأراضى التي فتحت صلحا، أي بالاتفاق مع أهلها، ومنها أرض مصر التي أبدت تعاطفا مع الفتح الإسلامى وتعاونت معه، فإن دور العبادة الموجودة في تلك البلاد لا يجوز المساس بها وتجب المحافظة عليها، ويحق لأهلها أن يقوموا بترميم ما انهدم منها.
إن سياسة بناء الكنائس مرهونة بالصالح العام للأمة، وأن ولى الأمر هو الذي يزن تلك المصلحة، ويقدر لها قدرها، وفقا لاعتبارات موضوعية بعيدة عن الاضطهاد الدينى، فإذا وجد أن عدد المسيحيين قد زاد زيادة تقتضى بناء كنائس جديدة، فإن له أن يسمح بذلك، يقول ابن القيم: «وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين بحسب قلة أعداد المسيحيين أو كثرتهم، فإن كان عددهم قليلا أبقى لهم ما يكفيهم من الكنائس، وإن كان عددهم كثيرا فله أن يسد حاجتهم من الكنائس التي يحتاجون إليها».
وكما ذكر أدلة كثيرة على فرضية حماية الكنائس هناك أدلة شرعية كثيرة تفتى بعدم جواز هدمها فقال تعالى: «وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا» ووجه الدلالة هنا أن الله تعالى أخبرنا بأنه قد شرع لعباده ما يدفع التعدى عن دور العبادة لكل أتباع الكتب السماوية، وذلك بتهيئة من يدفعون الأذى والتعدى على تلك الدور، ولولاهم لما بقيت آثارها ولاندثرت معالمها، وهذا الخبر بمعنى الطلب، فدل على أن دفع الأذى عن تلك الدور المطلوب وإلحاق التخريب بها ممنوع.
ومن الأدلة الشرعية من السنة النبوية ما روى عن عروة بن الزبير رضى الله عنهما قال: كتب رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إلى أهل اليمن أنه من كان على يهودية أو نصرانية، فإنه لا يفتن عنها».
ومن آثار الصحابة ما جاء في التعهد الذي كتبه عمرو بن العاص رضى الله عنه لأهل مصر وقد جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم لا يدخل عليهم شىء من ذلك ولا ينتقص من ملتهم وأموالهم وكنائسهم وصليبهم وبرهم وبحرهم، وعلى هذا العهد كتاب الله وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين».
ومن المعلوم أن الحكم الاجتهادى يتغير بتغير زمانه ومكانه والظروف التي تقرر فيها، وحيث كان ذلك كذلك، لم يعد لتلك الأحكام حجة، وأصبح الحفاظ على الكنائس مما لا يصح الخلاف حوله، وتكون تلك الفتاوى الشاردة من أتباع داعش وغيرهم ممن اتخذوا آيات الله هزوا وسخروا أحكام دينه لخدمة أهوائهم المريضة، إنما هي أفكار منحرفة لا تمت إلى جوهر الدين بصلة ولا تنتمى إلى أحكامه بنسب صحيح أو فهم مستقيم، ومن ثم لا يجوز الركون إلى ما توهموه من وجوب هدم الكنائس لعدم صحته ومخالفته لمبادئ الدين وأدلته، ويكون القول بوجوب حماية كنائس غير المسلمين من الهدم أو التخريب هو الذي يتفق مع صحيح وأدلة أحكام الشرعية.
ويقول الدكتور محمد عبدالستار الجبالى: «إن الإسلام قد أباح لغير المسلمين ممارسة شعائر دينهم فلا تهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يكسر لهم صليب بناء على القاعدة العامة في حقوق أهل الذمة، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا» وأن «نتركهم وما يدينون» وذكر عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أوصى في آخر أيامه بأهل الذمة خيرا، وقال «أوصى الخليفة من بعدى بأهل الذمة خيرا أن يوفى بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وألا يكلفهم فوق طاقتهم»، كما كان في أيام خلافته يوصى عماله بأهل الذمة، ويسأل الوفود عنهم ليتأكد من حسن معاملتهم.
وحماية الكنائس وأهل الكتاب لا تقتصر فقط عند حد حمايتهم من الاعتداء الداخلى بل تتعدى ذلك لتشمل حمايتهم ضد أي اعتداء خارجى، والدليل على هذا ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر لأصحابه واحدة من علامات نبوته يقول: «إنكم تفتحون مصر وهى أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما»، فالرسول صلى الله عليه وسلم يوصى بأهل مصر خيرا مع أنهم كانوا وقتها أقباطا.
وقد طبق عمرو بن العاص، رضى الله عنه، هذا التسامح عمليا عندما فتح مصر، حيث أطلق الحرية الدينية للأقباط ورد البطريرك بنيامين إلى كرسيه بعد تغيبه عنه ما يقرب من ثلاث عشرة سنة، بل إنه أمر باستقباله بكل حفاوة عندما سار إلى الإسكندرية.
مما سبق يرى الدكتور محمد نبيل غنايم أن هدم الكنائس أو العدوان عليها وعلى روادها بأى شكل كان حرام شرعا، مستدلا بأنه لم يرد في القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة أمر للمسلمين بذلك، وأن تعامل النبى صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب في المدينة وفى الجزيرة العربية وفى اليمن لم يروا عنه أنه أمر بشيء من الهدم أو العدوان، بل الثابت أنه صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين الفاتحين عن هدم الصوامع أو قتل الرهبان أو النساء أو الأطفال في أي معركة، فضلا عن أن القادة الفاتحين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وولاة الخلفاء الراشدين قاموا بحماية هذه الكنائس والمحافظة عليها في مصر والشام والعراق وغيرها، وأن الإسلام أمر أمرا واضحا بحسن رعاية أهل الكتاب ومعاملتهم، وقرر لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأن من آذى ذميا فالله ورسوله بريئان منه لأنه قد آذى الله ورسوله، مع لزوم معاملتهم بالعدل والإنصاف والقسط قال تعالى «فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ». ومن ذلك زواج المسلم بالكتابية وتمكينها من التعبد في الكنيسة على شريعتها، ومن ذلك أكل طعامهم كما جاء في قوله تعالى: «وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.