عندما تقرأ مجموعة من الأخبار المفزعة اليومية في كل مواقع الصحافة المصرية، تشعر كأنك إما في كابوس حقيقى مروع أو أنك تهذي.. أو أنك مسطول ومخمور بفعل تناول مخدر شديد الوقع والتأثير فيك.. لكنك سرعان ما تتدارك نفسك وتسترد وعيك وتدرك أن ذلك بكل أسف صار واقعًا حياتيًا مصريًا خالصًا كارثيًا ومأساويًا بالقطع، لكنه ينبئ بالأسوأ وبالأفدح القادم بكل تأكيد. خذ مثالا خبريًا يوميًا معتادًا من نوعية: الحكم على أب قام باغتصاب ابنته في الشرقية والعياذ بالله، أب يقتل طفليه في الصعيد لعجزه في الإنفاق عليهما.. تعذيب طفل على يد زوجة أبيه، علما بأن الأب يعمل في موقع نافذ وحساس، الحكم على قاضي الحشيش! تحرش ما يقرب من 500 شاب بفتاة في الزقازيق، رقص أستاذة جامعية على الملأ ومباهاتها بذلك ودفاع البعض عنها! كوارث أخلاقية مقززة ومؤلمة وفاضحة لانهيار أخلاقي أصاب المجتمع المصرى الذي كان يومًا مجتمعًا منعدم الجريمة أثناء حرب أكتوبر المجيدة.. لكن عليك أيضًا ألا تفصل بين تلك الأخبار المشينة وأخبار أخرى لا تقل بشاعة عنها وإن كانت في شكل رسمى حكومى.. مثلا: تحريك أسعار الدواء.. تحريك أسعار المياه.. رفع الدعم تدريجيا ونهائيا عن الكهرباء... حرمان من لا يحدث بطاقته التموينية من الدعم.. رفع الدعم عن أكياس الدم للمستشفيات الخاصة وبيع الكيس ب 450 جنيهًا! وبالفعل تم رفع أسعار كل شيء أو مضاعفته مرات عديدة عدا شىء واحد وهو الإنسان المصرى، والذي تيقن من انعدام العدالة في المجتمع فانحدر أخلاقيًا مع انحدار كل شىء حوله وتدهور قيمته الإنسانية، فأصابه ما أصابه من سوء وتدنٍ أخلاقي لم تفلح معه صرخات وعاظ الأوقاف الذين ُفقدت الثقة فيهم بعدما صاروا مجرد قراء أو رسل حكوميين للشعب في المساجد وقبضوا نظير ذلك حوافز وبدلات مغرية ففقدوا ثقة الجميع فيهم إلا من أبى وغالط نفسه! الواقع الأسود هو أننا جميعًا تشرنقنا داخل عوالمنا الضيقة حكامًا ومحكومين، فمن يملك النفوذ والسلطان والقوة والثراء والنفاذ داخل المجتمع صار منتشيًا بخمر سلطته وسلطانه، يفعل ما يحلو له لدرجة أنه أمسى يقنن الفساد ويعتبره حقًا مكتسبًا أو مقدسًا له، فمثلا المسئول الذي يخالف القانون بدءًا من كسر الإشارة ووضع علامة مميزة على لوحات سيارته، تمادى في غيه حتى اعتبر تفتيشه في كمين كسرًا لكرامته التي اكتسبها من سلطانه ونفوذه فصار فوق القانون وفوق البشر وفوق الدولة ذاتها.. صار دولة بنفسه! والمسئول الذي يشرع لنفسه بدلات يومية بالآلاف تقوقع حول ملذاته وذاته المنتفخة بفعل انتفاخ جيوبه من مال لا يحق له، صار يقتر على الشعب بخلا، فيظن أنه يعطيه من مال أبيه أو من تكية العائلة المحترمة.. راجع تصريحات بعض المسئولين عن عدم استحقاق الشعب والفقراء للدعم ونهاية عصور الدلع.. بل إن أحدهم كان في حالة انتشاء أو (سكر نفوذي) ضخم وسب كل من تسول له نفسه من الفقراء الشكوى من الغلاء أو حتى الجوع ! أما المواطن العادى فالتيه العام انقلب عليه شخصيًا وقلب حاله من النقيض للنقيض، أخلاقيًا ونفسيًا بل حتى دينيًا، فمنذ سنوات قليلة كانت معظم فتيات ونساء مصر يرتدين ملابس فضفاضة متدرجة الاحتشام من نقاب وخمار وحجاب وإسدال وغيرها من أشكال الاحتشام المقبولة، تأثرًا بقنوات التيار السلفى والتي بدأت من نهاية عام 2004 وامتدت حتى الثورة وما بعدها لكنها كانت موضة وليست يقينًا راسخًا أو قناعة خالصة إلا عند من رحم ربى.. الآن صار الزى المصرى النسائى مناقضًا لكل ذلك بل إنك لا تكاد تميز بينه وبين زى أي امرأة أوروبية أو آسيوية إلا فقط في غطاء الرأس.. ضاقت الملابس الفضفاضة حتى تحولت ل (ستريتش) ضيق أو جوارب ملتصقة بالجسد يسمى ظلما (بنطلونا).. لا يعنينى ذلك بقدر ما يعنينى ضياع قيم كالنخوة والغيرة على النساء وحشمتهن... اختزلنا كل أشكال الاحتشام والعفة في الملبس لمجرد غطاء على الرأس أما ما تحته والذي يكشف ويفسر أكثر مما يستر فلا يهم! تتقاطع هنا حالة التيه الدينى والقيمى والأخلاقى مع تيه الدولة والحكومة والتي تخلت إذ فجأة عن تراث مصرى كان محمودًا في الحفاظ على خيط رفيع من الدعم والمساندة يحفظ للناس ماء وجوههم ويستر عوراتهم ويقيهم شر العوز والسؤال.. غاب هذا كله فغابت معه القيم وتدنت الأخلاق وتوحش النفوذ وتوحش معه التيه وحالة التوهان أو (السطلان) العام وكأننا جميعًا صرنا حشاشين.. فقط ينقصنا إعلان ذلك رسميًا. [email protected]