كان ذلك بعد خمس سنوات فقط من بداية تولي حسنى مبارك (المسئولية) عقب اغتيال السادات لكى يكمل المسيرة.. تنمية، ديمقراطية، استقرار.. هل ترى ثمة اختلاف بين شعارات مصر 1986 ومصر 2016 ! وكان السادات هو الآخر قد اغتال بدوره طموح ملايين من الشباب المصرى الواعد، بعدما قام بتقزيم أحلامهم في مجتمع عادل به حراك اجتماعى معقول وحاصرهم فقرا ويأسا وبؤسا في شرنقة الفقر والركود المجتمعى.. من هنا بدأت الحكاية فبدأ الهرم المصرى العظيم مقلوبًا على رأسه ! من هنا بدأ الهرم يهرم ويشيخ ويتقوض يعدما اكتسى بلعنة الحزن.. بعدما هزمه الظلم وقوضه القمع وفتت أحجاره الشامخة نظام يرى في نفسه سيدًا وما عداه عبيدًا أو خدمًا على أكثر تقدير ! ولكن بقي الفتات وكان علي عبد الستار وأمثاله من بقايا الطبقة الوسطى المتآكلة يومًا بعد آخر، يسعى بكل قوة إلى الحصول على أبسط حقوقه الإنسانية بالزواج من أي فتاة تقبل به وبفقره المتنامى يومًا بعد آخر.. وجد أخيرًا (رجاء) التي تحدت أسرتها الأغنى من "علي" وأمثاله.. ولكنه أصبح زواجًا مع إيقاف التنفيذ ! لم يستطع على ورجاء الحصول على مسكن بسيط لإتمام زواجهما المعلق.. اشتدت بهما الرغبة في ممارسة حياتهما الطبيعية كبشر لهم حقوق في مجتمع متهالك ظالم يقمعه نظام فقد الشعور بمن عداه.. صعدا للهرم لاختلاس دقائق قليلة من الحب والتواصل الإنسانى ولكنهما، للأسف، نسيا أن الهرم قد تقوض منذ زمن بعيد وأنه صار مقلوبًا كاشافًا خائنًا فاضحًا بكل من وثق به أو بشموخه الذي كان.. اكتسى الهرم بالحزن ومن قبله الفشل.. يتم القبض على "علي" و"رجاء" بتهمة الفعل الفاضح في مجتمع مفضوح لا يعرف الحق ويدعي أنه يحافظ على الأخلاق من (العيب) كما سماه الرئيس المؤمن السادات ! شبه هرم وشبه حياة.. حياة مع إيقاف التنفيذ.. تلك كانت رؤية الراحل الطيب عاطف الطيب لرائعة الروائى المصرى الأشهر نجيب محفوظ.. ( الحب فوق هضبة الهرم ) والتي أبدع السيناريو والحوار لها مصطفى محرم وعبرت كاميرا عاطف الطيب عن مصر بصدق من خلالها. حزينة كانت الشوارع.. هكذا كانت توثق كاميرا عاطف الطيب مأساة جيل ظلمه نظام السادات وعمق ظلمه نظام مبارك.. لم تكن الشخصيات فقط هي المعبرة عن واقع المصريين في تلك الحقبة، بل كانت أيضًا الأزقة والحوارى الضيقة التي تعكس حال من يحتمى بضيقها وانعزالها من الخارج، حيث التغول والتوحش الرأسمالى الذي أنهك مصر الوطن فاقد الإرادة والحيلة.. أما الميادين المزدحمة والقاسية فكانت تبتلع فيها كل جيل (على ورجاء) وكل رجاء في علو أو تقدم أو حراك إيجابى بسيط، تشعر وأنت تشاهد الفيلم بأنك أمام فيلم تسجيلى وثائقى وليس عملا روائيًا، فالشخصيات حقيقية والواقع مطابق لذلك تمامًا، وحتى الموسيقى التصويرية الرائعة كانت في حقيقتها انعكاسًا لأنين عديد المصريين. والآن.. هل يوجد أي رجاء لأمثال على أو رجاء التي ربما تغير اسمها ل "سارة" أو أيسل أو نيرفانا أو بيلار أو أي اسم حديث فاقد المعنى لكنه محتفظ بالمعاناة والفقر وضنك شبه الحياة، حياة مع إيقاف التنفيذ.. خواء يسيطر على الجميع مادام الهرم مقلوبًا ومادام الحق في الحياة صار فعلا فاضحًا ومادام الغلاء صار دليلا على تقدم الدولة! رحم الله عاطف الطيب ونجيب محفوظ ورحمنا معهم ونحن شبه أموات وشبه أحياء. [email protected].