على الرغم من السمعة السيئة التي تطال المستشفيات والمصحات النفسية الحكومية بمصر، إلا أن هناك دائمًا بوادر أمل ينير ضوءها طريق العلاج النفسي في هذه البلاد، ومن إحدى هذه المبادرات هى الطريقة التي ابتكرها الممرض بمستشفى العباسية للصحة النفسية محمد إسماعيل القناوي، لتأهيل المرضى النفسيين عن طريق "الارتجال المسرحي". نبتت فكرة المبادرة في رأس القناوي من فرط حبه إلى الفن المسرحي، والذي يعتبره وسيلة شديدة الأهمية والتأثير في علاج المرضى. ويقول القناوي في تصريحات خاصة: "هناك دائمًا أساليب وطرق علاجية جديدة بالدراما، فالعلاج والتأهيل النفسي علم وفن في نفس الوقت رافق نشأة الإنسان ورقيه الفكري، وكان العمل في معظم التجارب التأهيلية على مشكلة السلوك السلبي الذي اكتسبه المريض من المرض نفسه، ومن الأساليب العلاجية التي بدأت في بداية القرن العشرين أسلوب السيكو دراما، والذي وضع أسسه مورينو عام 1925، وقد تطور بشكل كبير حتى أصبح يستخدم ليس كعلاج فحسب، ولكن أيضًا في تدريبات المسرح وبخاصة مدارس التمثيل الارتجالي". ويضيف القناوي في حديثه، أنه وضع بحثًا متكاملًا عن أسلوبه المبتكر في تأهيل المرضى، حيث فكر في جعل المرضى يعيدون مواقفهم التي تتسبب في الانتكاسات والتي تدخلهم في دائرة الرفض من وللمجتمع، ليجدون حلًا موفقًا لهذه المواقف من خلال عمل عرض مسرحي كامل البناء والأركان، يهدف إلى الدمج الاجتماعي للمرضى النفسيين، حيث تلعب المرضى أدوار مسرحية لتمثلية صادقة عن مشكلة خاصة أو عامة أو جماعية، وبذلك يعيدون ذكريات تاريخ مرضهم فتحدث عملية التنفيس العقلي مما يتيح الفرصة للتنفيس الانفعالي وتحقيق التوافق والتفاعل الاجتماعي السليم. ويهدف الأسلوب إلى: العمل على تخفيض القلق، تحسين الانتباه والتركيز، تحسين الاستبصار بالمرض والواقع، تنمية المهارات الاجتماعية، تقليل اضطراب التفكير. ويتكون برنامج أسلوب "الارتجال المسرحي" من ثلاثة مراحل متصلة – حسب البحث الذي وضعه القناوي-، وتأتي مراحل الأسلوب على النحو التالي: المرحلة الأولى: التسخين – ولا يختلف كثيرًا عن السيكو دراما – حيث تقدم أفراد المجموعة في كل مرة نفسها بشكل إنساني، فيذكر إحساسًا ما أو موقف ما تعرض له خلال الفترة بين اللقائين السابق والحالي – وهذا يقرب أفراد الجماعة من بعضهم، وذلك بالمشاركة في الأحاسيس والمشاعر – وتتلخص المدة المحددة لكل فرد من دقيقتين إلى خمس دقائق. سماع بعض معزوفات الموسيقى المسجلة ومناقشة مشاعر أفراد الجماعة لها – وهذا يدربهم على التركيز في شيء معنوي وينمي لديهم القدرة على التعبير عن مشاعرهم نحو شيء غير عياني، كما ينمي لديهم الإحساس بالإيقاع المتواتر المستقيم – المدة: من 10 دقائق إلى 15 دقيقة بما فيها المناقشة – ويسمى هذا الإجراء بالتأهيل المعرفي، يساعد في تحسين الوظائف المعرفية لمرضى الذهان مثل اضطراب الانتباه والذاكرة والتركيز والفهم، ومناقشة عامة يستهدف منها اختيار البداية أو المشكلة التي توجد عند أغلب المجموعة. وفي بداية الارتجال يطرح المدرب أحد المفردات الثلاثة "من / أين/ ماذا" وعليه يختار المجموعة التي عليها التواجد على منصة التمثيل، ويكون له دور محدد في التمثيل وذلك لتوجيه الخط الدرامي إلى المسار المرجو، وفي نهاية الجلسة يتم عمل مناقشة تغذية مرتجعة Feed back وذلك للوقوف على مدى استيعاب المجموعة للعمل، إضافة إلى عمل اختبارات نفسية وشخصية تقيس الذهان والاضطرابات الوجدانية والقلق والتفاعل الاجتماعي وذلك قبل البدء في كل مرحلة. أما المرحلة الثانية فتتكون من: بعد اكتمال المسرحية تمامًا مكتوبة وممثلة في الجلسات يأخذ هذا النص ويوضع للمناقشة من خلال الفريق العلاجي وتحدد السلوكيات السلبية فيه، وتحدد كيفية معالجتها بشكل يبدو تلقائي وأقرب إلى المجموعة، وتحدد السلوكيات الإيجابية وكيف تدعم بشكل يبدو تلقائي. يتم كتابة النص مرة أخرى من خلال المدرب أو متخصص في كتابة الدراما، دون التأثير على الخط الدرامي الذي تم ارتجاله من قبل المجموعة وبأقرب ما يكون للغة التي تم الارتجال بها. تبدأ بعد ذلك جلسات التدريب على النص الجديد وتكون الجلسات بنفس أسلوب الجلسات الأولى، عدا أنه هناك نص مكتوب يلتزم به المريض. وتتكون المرحلة الثالثة من: التجهيز للعرض – تجهيز مكان العرض "المسرح" من خلال جلسات عمل للمجموعة، واستغلال المهارات الموجودة لديهم في عمل الديكور أو الملابس. ويكون العرض على جمهور محدود وليكن أسرة الفريق العلاجي وبعض الأطباء والتمريض من الأقسام الأخرى قبل يوم العرض الرسمي ويكون بمثابة البروفة الكاملة. ويختتم القناوي قوله إنه لم يتم تطبيق المشروع بشكل كامل، لأنه لا يوجد في مصر الكثير من المدربين والأخصائيين في هذا النوع من العلاج والتأهيل النفسي، ناهيك أنه لو تم استخدام هذا الأسلوب فيتم استخدامه مع مرضى الإدمان بشكل أكبر، ولا يتم استخدامه مع المريض الذهاني إلا نادرًا جدًا.