ما هذا الكم من الإنجازات التي يعلنها المسئولون والوزراء، وتتغنى بها الفضائيات ليل نهار، ويصفونها بالتاريخية وغير المسبوقة، وتنقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة. ومعظمها إنجازات كلامية لا يصادرها أحد، وإذا حدث وتحدث أي شخص يتحول إلى مصدر للإشاعات والطاقة السلبية ومنكر لإنجازات على أرض الواقع.. رغم أن الواقع بريء منها. ويدخل المسئولون كل يوم في سباق محموم من التصريحات المعسولة التي تزف أنباء الإنجازات، التي لو حصرناها لوجدنا أن جميع مشاكلنا انتهت بلا رجعة، وأصبحنا في مجتمع رفاهية يضاهى أغنى الدول الأوروبية. ويغذى هذه الظاهرة الإعلام الذي أصبح أحادى الخطاب والاتجاه.. ويصر الجميع على مواصلة هذا السباق من الإنجازات الحنجورية بلا هوادة.. ويظل حال الوطن والمواطن هو الكاشف للواقع الحقيقى وليس المصنوع من خيالات. هي بالفعل إنجازات غير مسبوقة لم تحدث في أي دولة، قطعت شوطا في الخروج من أزماتها، وبدأت رحلة النمو والنهوض بحرية إعلامها واستقلال مؤسساتها.. لكننا نختلف عن الآخرين.. هم تعلموا «عظة التاريخ» وأيقنوا أن التجارب الاشتراكية انهارت بسبب اعتمادها على الإعلام الأوحد والصوت الأوحد.. وكل شيء أوحد.. ولم تفلح الشعارات والأيديولوجيات وتعبئة الشعوب في إنقاذ تلك التجارب.. وأيقنوا أن النهوض الحقيقى يبدأ من الحرية والشفافية والمحاسبة وسيادة الدستور والقانون ومكافحة الفساد.. لكننا أصحاب منهج مختلف ولذلك نكرر التجارب الفاشلة ونقنع أنفسنا أننا سننجح. ونحن في دولة تمتلك مقومات النهوض إذا توافرت الإرادة السياسية، وساد مناخ الحريات وتولى مواقع المسئولية في كل مجال أهل الكفاءة والنزاهة، لكننا نحشد كل طاقتنا في ترديد المديح لأى وزير أو مسئول، ونتغنى بإنجازاته باعتبار أن ذلك واجب وطنى وعمل عظيم نغيظ به الإخوان وجماعات الإرهاب وكل أعداء الأمة، ونبالغ في قوة أعدائنا ونضخم في المؤامرات التي تحاك ضدنا في كل لحظة، ونتجاهل أن هذا الأسلوب يضعفنا في مواجهة أي خطر يهدد مصر، وأنه لا سبيل لبناء دولة حديثة قوية بدون حرية الرأى والنقد والمعارضة الوطنية.