قال محمود توني شعبان الباحث الأثري ومفتش آثار بالبحر الأحمر: "إن ميناء عيذاب الذي يقع ب "سواكن" في الجنوب من مدينة برنيس على ساحل البحر الأحمر من أهم الموانئ المصرية في العصر الإسلامي". أشار إلى أن الأهمية الإستراتيجية للموقع جاءت بسبب ارتباطه بطرق تجارية برية بمدن الصعيد مثل قوص أسوان عبر طرق برية بالصحراء الشرقية إلى جانب موقع الميناء البحري الذي يواجه مدينة جدة على الساحل المقابل من البحر الأحمر بالإضافة إلى غزارة المياه وعدم وجود شعاب مرجانية تعوق الملاحة البحرية كل ذلك جعل ميناء عيذاب محطة هامة لقوافل التجار والحجاج في العصر الإسلامي حتى أواخر القرن السابع الهجري. وأوضح "شعبان" في تصريحات صحفية، أن المقريزي أكد أهمية عيذاب في عهد الفاطميين فيذكر أنها كانت من أعظم مراسي الدنيا بسبب أن مراكب الهند واليمن تحط فيها البضائع وتقلع فيها مع مراكب الحجاج الصادرة والواردة وكانت البضائع تنقل من ميناء عيذاب على ظهور الأبل عبر الصحراء الشرقية إلى مدينة قوص (قنا) وبعدها تنقل في السفن النيلية إلى الفسطاط. وفي أواخر الدولة الفاطمية نافس ميناء عيذاب موانئ الخليج الفارسي فقد أصبح القاعدة الرئيسية للتجارة في البحر الأحمر والطريق البحري الرئيسي لحجاج المغرب العربي وشمال أفريقيا والأندلس كما يذكر ابن جبير وشهد ميناء عيذاب انتعاشة اقتصادية كبيرة بسبب استيلاء الصليبين على أيلة الواقعة (510 ه/1116م) ما تسبب في غلق الطريف البري للقوافل بين مصر والشام والحجاز وتحول مسار الطريق إلى عيذاب عن طريق قوص ويذكر الرحالة ناصر خسروا أنه كانت تفرض جباية المكوس على البضائع الواردة من الحبشة وزنجبار واليمن والهند بطريق البحر وكانت تفرض أيضا المكوس على الحجاج. وفي عصر الدولة الأيوبية ظل ميناء عيذاب على مكانته وذاع صيته كمعبر من معابر التجارة العالمية في البحر الأحمر وفي عام 582ه أبطل الناصر صلاح الدين المكوس التي كانت تؤخذ من الحجاج بمنياء عيذاب وأجزل الهبات والعطايا لأهل عيذاب. وفي العصر المملوكي كان ميناء عيذاب هو شريان الحياة التجاري بين تجارة الشرق والغرب وطريق أمن لحجاج بيت الله إلى الأراضي المقدسة بمكةالمكرمة وحيث عكف سلاطين المماليك في تأمين الطرق والقوافل التجارية عبر الصحراء الشرقية وموانئ البحر الأحمر التي ترد إليها القوافل كما كانت عيذاب تخضع لحكم سلاطين المماليك مع البجاة وكان يتم مناصفة الجباية المفروضة على البضائع بين السلطان المملوكي والبجاة. ثم بدأ الخراب يضرب مدينة عيذاب بسبب نضوب مناجم وادي العلاقي من الذهب والزمرد في عهد الناصر محمد بن قلاوون وأيضا ثورات العربان والبجاة ثم تخريبها على يد السلطان الأشرف برسباي عام 830 ه عقابا لأهلها لما حدث منهم من نهب للقافلة التي كانت تحمل السلع والأقوات إلى مكةالمكرمة ثم تحول طريق الحج إلى مساره البري (درب الحاج المصري والمغربي) حين قام السلطان الظاهر بيبرس المملوكي لكسوة الكعبة وإخراج قافلة الحج في البر عبر وسط سيناء فقل سلوك الحجاج لصحراء عيذاب. أما الطريق التجاري تحول من ميناء عيذاب إلى ميناء القصير وظل ميناء القصير عامرا بحركة التجارة وفي 979ه قام سنان باشا والي مصر ببناء قلعة القصير لحماية وتأمين القوافل التجارية وقوافل الحجاج من اعتداءات العربان والبجاة المتكررة على القوافل التجارية وقوافل الحجاج. وذكر توني أن أحد البعثات الأجنبية التي قامت بعمل مسح أثري لميناء عيذاب مؤخرا كشفت عن المسجد القديم وصهريج المياه والكثير من المقابر والتي تدل على المشقة في السفر وكثرة المعاناة التي كانت تصيب الحجاج وبعض أطلال المدينة القديمة.