صفحات التاريخ تزخر بالمواقف الباسلة ، التي تشهد على وطنية مدينة السويس، خاصة أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، إثر قيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وبعدها فى نكسة 1967، و مرورا بمشاركتها فى بطولات حرب 1973، و بثورة 25 يناير ، إلى أن جاءت الذكرى الثانية للثورة ، والأحداث التى وقعت فى الآونة الأخيرة .. الخبير الاستراتيجى اللواء طلعت مسلم كان شاهد عيان على بطولة السوايسة بحكم أنه كان ضابطا بالجيش عام 1956 .. «فيتو» التقت به ليتحدث عن مواقف أهالى المدينة الباسلة .. كيف كان موقف أهالى مدينة السويس أثناء العدوان الثلاثى عام 1956 ؟ - ذهبت إلى مدينة السويس عام 56 أثناء العدوان الثلاثى، وكنت متواجداً بالتحديد فى «بور توفيق»، التى كان أغلب سكانها من الأجانب، إذ تم إخلاء السويس من السيدات والاطفال، وبقى الشباب فقط، وجرى تنظيمهم فى فرق للمقاومة، تحت قيادة المرحوم صلاح سالم، وكان هناك تعاون كامل بين أهالى مدينة السويس من الشباب، وبين القوات المسلحة فكان هؤلاء الشباب على درجة كبيرة جداً من الاستعداد للتضحية. ماهى الانطباعات الراسخة لديك عن أهالى مدينة السويس فى 56 ؟ - أهالى السويس كان دورهم بارزا بشكل أكبر فى 67 ، ولكن فى 56 كانوا يساعدون افراد القوات المسلحة، وتلبية احتياجاتنا باسعار رخيصة أو بدون مقابل , وفى 67 لم اكن موجوداً فى مصر، وأثناء حرب الاستنزاف كانت السويس قد أخليت بشكل كبير، ولكن بقى منها بعض أهلها, خاصة فى قرية «الجناين»، وفى مدينة السويس نفسها، وهم الذين كانوا يسارعون لتلبية احتياجات القوات المسلحة والامور المدنية فى مدينة السويس، واذكر أيضاً ان كثيرا من اهالى السويس ظلوا فى أماكنهم مع الاشتباكات التى كانت تحدث، ولكن أود القول إن هؤلاء كانوا مجموعة محدودة، وليس كل أهل السويس، فمعظم السوايسة تم تهجيرهم ،فهم كانوا متقبلين للظرف وقبلوابالتضحية والهجرة والتهجير، وكانت روحهم المعنوية عالية، وكان لديهم ثقة أنهم سيعودون يوماً ما إلى أرضهم مرة أخرى . كيف ترى الوضع الآن فى مدينة السويس ؟ - الوضع الآن فى مدينة السويس غير مطمئن، واعتقد أنه فى كثير من الاحوال كانت المظاهرات والاعتصامات تخرج عن حدود ما يجب أن تكون عليه، ومهما كانت هناك أخطاء من جانب جهاز الشرطة، فالخطأ لا يبرر الخطأ، فالخسائر فى جميع الأحوال مصرية، سواء من الشرطة أو المواطنين أو القوات المسلحة، ولا أجد ما يبرر تلك الخسائر، فالمخطيء لابد أن يحاسب وفقاً للقانون. هل ما حدث من اهالى مدينة السويس أضاع حقهم وتحولوا إلى طرف مدان ؟ - الخطأ لم يكن مقصوراً على السويس فقط، فنفس الخطأ وقع فى القاهرة والإسكندرية وفى السجون التى هرب منها المساجين ، وفى أماكن كثيرة ، فالاخطاء التى صاحبت الثورة وقعت من أطراف عديدة من ضمنها السويس . هل كان فرض حظر التجوال وتطبيق قانون الطوارئ هو الحل الأمثل ؟ - القرار كان خطأ، فمن الواضح أنه لم يتم بالتشاور مع المحافظين والجيش ، واتضح عدم قدرتهم على تطبيق القرار، وبالتالى صدور القرار بدون تطبيقه كان مؤسفاً، فكان يفضل أن يفرض هذا القرار فى مناطق بعينها، وهذا أيضاً لا يعتبر مبرراً لعدم الانصياع للقانون، وأخطر ما نشعر به حالياً هو غياب القانون، الذى أسميه الغائب الحاضر، حاضراً على الورق، وغائباً فى التنفيذ، وعندما يغيب القانون فى أى بلد يصبح كل شىء مباحا ، وتتحول الدولة إلى دولة فاشلة . هل ماحدث فى الآونة الأخيرة أدى إلى تشويه صورة أهالى مدينة السويس ؟ - أظهرت الوجه الآخر من العملة، فظروف الحرب أظهرت الوجه الطيب والحسن من اهالى مدينة السويس، ومدن القناة عامة، بينما الأحداث الأخيرة أظهرت الوجه السيئ منها . ما الذى كان يجب فعله من جانب أهالى مدينة السويس والمسئولين فى البلاد؟ - التعبير عن عدم الرضا يجب ان يتم بأساليب سلمية, دون عنف وإيذاء أحد ، وبتكرار هذه الأساليب السلمية ، فهناك وسائل كثيرة للتعبير عن الرفض والاحتجاج ، دون اللجوء للعنف والتسبب فى الخسائر، وتعريض الآخرين للإصابة، وبالنسبة للحكومة، فأنا لا أعرف اى حكومة، فحكومة الدكتور هشام قنديل لا يريد أحد الاعتراف بها, حتى من جانب الإخوان المسلمين، فالقرارات تصدر من الرئاسة، وفى كثير من الأحيات تصدر بدون إستشارة سواء المسئولين أو الشعب، وبالتالى كان من المفترض أن تصدر تلك القررات بهدوء، وتكون مدروسة، فالكبير يكون أقدر على التسامح والتنازل، وأنا أشعر أن القرارات كان فيها شىء كبير من البلادة، وإصرار وخوف على ألا تؤخذ على أنها نقطة ضعف، وهذا دليل فعلاً على الضعف، وهذا لا يمنع أن يظهر الرئيس ويعترف بالخطأ، ويعد بتصويب الأخطاء . فالقرار خطأ وصدر بطريقة خطأ ، وكانت النتيجة خطأ ، من رئيس لا يعترف بالخطأ ، يعنى أن الأخطاء تتراكم ، بحيث أنه لم يعد هناك فرصة لبقاء السلطة بشكلها الحالى . هل الرئيس غير قادر على امتصاص غضب الشارع ؟ - «مرسى» مبيعرفش ياخد القرار، فالرئيس غير قادر على اتخاذ قرار، سواء بالاستشارة أو دراسة الموضوع، وردود الأفعال المتوقعة، فيكفى للرئيس أن يكون أستاذا فى الجامعة ليس أكثر، أو ربما رئيس حزب، ولكن أن يكون رئيس جمهورية فلا . كيف تتوقع أن تكون الأوضاع فى الأيام المقبلة فى مدينة السويس؟ - لا أتوقع تحسنا فى اوضاع مدن القناة، وسوف تظل الاسباب لتجدد الاشتباكات ، فالأحكام المتعلقة بمذبحة بورسعيد لم تنته بعد، وأيضاً ستظهر بعد ذلك مشاكل اقتصادية ، إضافة إلى التراكمات التى تحدث كل يوم من حوادث السكك الحديدية، وانهيار المساكن والعمارات، كل هذه كوارث وستظهر تداعياتها، التى تؤجج المواجع وتزيدها . لماذا لم تظهر المواقف الباسلة من أهالى مدن القناة ، خاصة أنهم الآن فى مواجهة مواطنين وليس أعداء ؟ - الإحساس الآن مختلف تماماً، فهم لم يعودوا يشعرون ان مصر الآن هى مصر التى دافعوا عنها أيام العدوان والحرب مع العدو، فالسكان كانوا أقل من سكان مصر الحاليين، ولكن كان وقتها هناك زعامة وقانون وقيادة سياسية وأمان، ونظام قائم وبرامج محددة، وهو ما نفتقده الآن، وأهمها غياب القيادة السياسية التى يسير خلفها الشعب .