اِحكي.. يا حرب عن اللى اتنسى في وحلك اتكلم يا نصر عن مين اللى لمصر قدم مهرك واِسمع.. تسكت لمَ تحكي.. تحرق اللى كان قوتك. تهلك يا جبايرك.. تشقشق على غيرنا بنهارك وفينا تشكشك وعلى الرغم من الشك والنسيان والغدر وعدم الوفاء، إلا أن الشعر الأندلسي حسم الأمر على لسان بن حزم لما أحرق ملك إشبيلية المعتضد بن عباد حكايات وكتب حرب فقال: "فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي.. تضمنه القرطاس بل هو في صدري". وعن حكايتها المحفورة بصدري عن أكتوبر من كل عام... ومن ضمن هذه الحكايات تطلع موضوعات الإنشاء في المدرسة الإعدادية، والأبلة بسمة أو نسمة على ما أتذكر مع أن هيئتها لا توحي بأي بسمات ولا نسمات على الإطلاق، وكما بدا من عصبيتها المفرطة في التعامل مع تصحيح الكراسات وشخبطتها الدائمة وحذفها المبرر وغير المبرر. ربما ما كنت أكتبه كان يسيء إلى سمعتها الشخصية؟! وعشت حالة ردة، وقررت أني لا أكتب موضوعات التعبير المقررة بأمر الوزارة وتحت تكشيرة بسمة! وكنت أضحك بلا اكتراث، وأتحدى الأوامر المدرسية، بأني يوما سأكتب شيئا أجمل عن حرب حارب فيها أبي وعماي الاثنان. عن محمود ابن العشرين الذي تقدم بتجنيده على إثر النكسة ولم يخرج إلا بعد نصر أكتوبر، ودوره عن تأمين القوات والمركبات الذاهبة إلى عمق سيناء.. وكان يفتخر بأنه أدى التحية العسكرية لعبد الناصر في أثناء مروره على الوحدات القتالية في حرب الاستنزاف.. مع طبطة السادات على كتفه مقلدا له: "أنت ابن من أبنائي"، وكانت تحيته وتقليده هي قصة حربه... عن فتحي أخيه الأصغر الذي التحق في ذيل أخيه مسعفا وسائقا لعربة الإسعافات والموتى، ضاحكا على الحرب.. وحكاياته عن الشهداء، وعن رأس الشهيد بلا جسد وعيناه تبتسم اتجاه أشلاء.. وكيف جمعه وأعاد الرأس للجسد، يدخن ضاحكا: "كانت هوايتي أن أشمشم وأجمع الأشلاء حتى تطمئن الروح وتستقر بعرسها السماوي" وينفث دخان سجارته الملفوفة..! عن محمد أخيهما الأكبر الذي التحق منذ صباه في المدارس العسكرية، ودرس هندسة الطيران، وكيفية فك وتركيب الجهاز اللاسلكي والإشارة في الطائرة في ثوانٍ معدودة، وهذه السرعة مكنته ومكنت رفاقه من تحقيق الضربة الأولى والمباغتة. أحكي عن العمدة وبيته الذي شهدت كل جدرانه صور الإخوة الثلاثة في شرف زيهم العسكري، وعن كيفية تمسخ البيت وتهدمه بصور جدرانه.. وعن الحال الآني للإخوة الثلاثة بعد تقديم أرواحهم حبا لبلادهم، وقد وهبتهم مصر روحها وخرجوا من النكسة للنصر والعرس والعمل المدني الفقير.. والحال هو نفس أحوال باقي الأبطال، وغيرهم الكثير على باب الله في حكاياتهم المنسية وسط زحمة الأغاني والتطبيل الأجوف وموائد اللئام الذين ذاع صيتهم على سرقة الحكايات... يكفي، يا أكتوبر تمجيد من لا يستحق، وراعي من مر وخط بدمه فيك كلمة نصر.. وأغنية على الممر مكتملة منقوشة في نحت حب مصر.. راعي اللى برا دايرة اللئام، شوف حال اللى طحنهم نسيان القهر..