فى أيام الثورة وأثناء لحظات الأزمة وفى أيام النكسة وساعات العبور الست .. كانت كلماته دائما أكثر تعبيرا عن أحوالنا .. لازلنا نغنى ونردد "وأنا على الربابة باغنى" و "أم الصابرين" و"الله أكبر بسم الله" .. دون أن يعرف أغلب أبناء جيلنا من هو ذلك الشاعر العبقرى الذى صاغ تلك الكلمات .. لم يكن الأبنودى وأمل دنقل ولم يكن سيد حجاب وصلاح جاهين وغيرهم ممن حصدوا المجد والشهرة والمكانة وإنما كان الشاعر "عبد الرحيم منصور" الذى جاء فى يوم من الأيام من أقصى الجنوب ليغنى لمصر التى عشقها .. وكانت وزارة الثقافة قد قررت أخيرا أن تتذكره بإصدار سيرة شبه مكتملة عن حياته بقلم إبنة أخيه الشاعرة الشابة مى منصور.. كما أعلن الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة عن طباعة الهيئة لأعماله الكاملة والاحتفاء بها. حيث تقول مى منصور ل "بوابة الشباب" كان عبد الرحيم منصور جزءا من هذه البيئة الثرية وابن هذه التربة التى أنبتت الأبنودى وأمل دنقل فى طفولته كان يجلس بجوار أمه السيدة زينب إسماعيل أمام فرن الخبز البلد .. كانت تشدو وتغنى بأغاني الجنوب القديمة وكانت تلك الأناشيد تجد صداها واسعا فى ذهب شاعرنا الراحل، فتشبعت ذاكرته بمثل هذه التعبيرات الإنسانية الجميلة . وحسب رواية لصديقه الشاعر مجدى نجيب أن عبد الرحيم منصور قال ذات مرة أنه لولا براءته لما أصبح شاعرا .. ولا أصبح عنده هذا الكنز المخزون من الشجن والصور وأن أمه هى الجذور الشعرية التى أمسك بها، فعندما كنان صغيرا كان يجلس بجوارها أمام الفرن وهى تجهز رغيف الخبر على نيران خشب السنط .. وكانت تغنى أمام النار، فيشعر بغنائها مثل النقوش والرسومات الملونة المحفورة على جدران معابد الفراعنة، كانت هذه صورة شعرية جميلة، كان يشعر أن غناءها الغريب هذا هو الذى ينضج الخبز وليست نيران الأخشاب. فى هذه الأجواء التى أخرجت عظماء الشعر عاش عبد الرحيم منصور طفولته الأولى ثم تعلم بمدرسة العقاد الثانوية بأسوان وعايش أهل النوبة لفترة فى صغره، ثم حصل على ليسانس الحقوق، وبعدها بدأ يشق طريق الكلمات الصعب .. وكانت البداية مع الكاتب الصحفى لويس جريس.. كان عبد الرحيم منصور شاعرا يفيض بالوطنية، ورغم أن النكسة تسببت فى شيوع حالة من الإحباط السياسي والاجتماعى إلا أنه لم ييأس، ولم يستسلم ونراه يبدع فى أم الصابرين " يا أم الصابرين .. تهنا وإلتقينا يا أم الصابرين .. ع الألم عدينا يا مصر يا أمنا يا مصر يا أرضنا يا مصر يا حبنا يا مصر يا يا يا عشقنا يا أم الصابرين .. تهنا وإلتقينا يا أم الصابرين .. ع الألم عدينا مشينا وجينا للأمل عدينا.. يا ورد الحرية يا مضلل علينا" . وعندما انتصرنا كانت كلماته تمثل صيحة الحرية وصيحة العبور والعزة والكرامة وتغنى الوطن بكلماته لحظة ملحمة العبور فقال " بسم الله الله أكبر بسم الله بسم الله أذن وكبر باسم الله نصرة لبلدنا بسم الله بسم الله بإدين ولادنا بسم الله بسم الله وأدان على المادنة بسم الله بسم الله بيحيى جهدنا بسم الله بسم الله" ثم يكتب " وأنا على الربابة باغنى .. ما أملكش غير إنى أغني وأقول تعيشي يامصر". تروى مى منصور أن عبد الرحيم منصور ظل يكتب الأغانى الوطنية محققا رقما قياسيا حيث بلغت 225 أغنية ألفها فى فترة الأعوام الستة التى تقع ما بين النكسة وحرب 1973، كان وقتها حزينا كباقى شعراء جيله لكنه كان قويا .. كانت يستمد صلابته من صلابة أهل الجنوب وكانت كلماته هى الأخرى أكثر صلابة وشجاعة فى مواجهة الهزيمة وفى مواجهة العدو.. وكانت تلك الكلمات تمثل لشباب جيله صيحات وطنية تأخذ بيد الإنسان لأن يعمل وأن ينفض تراب الهزيمة من على أكتافه .. هكذا ساهم الشعر فى صناعة معجزة العبور .. ولم تنسحب أغنيات منصور من الحياة وإنما كما تقول مى منصور ظلت الأجيال ترددها وفى ثورة يناير كانت أشعاره بمثابة أغنيات للثورة، كانت الميادين تشدو بأنشودة الله أكبر بسم الله، وأنا على الربابة باغنى .. دون أن يدرى أحد من مؤلف هذه الكلمات الجميلة.. حيث كانت مفرداته غير مسبوقة .. بل سابقة لعصرها ومعانيه حاملة للتراث الشعبى ولغة البسطاء .. حتى أن الكثير من عباراته يرددها العامة اليوم مثل "تساهيل والرزق على الله"، وغنى للمرأة الصعيدية وقال "ع الجسر العالى العالى يا بنات الغية والنبى يابا يابا ما تفرط فيا". كان عبد الرحيم منصور هو من اكتشف المطرب محمد منير حيث تحكى مى منصور قائلة " كان وقتها خريج حديث بكلية الفنون التطبيقية، وكان يقدمه للناس على أنه ابنه وهو الذى قدمه للملحن بليغ حمدى وأحمد منيب وكانت أول أغنية تغنى بها منير من كلمات عبد الرحيم منصور " تعالى نلضم أسامينا" ثم توالت الأعمال المشتركة، وتعتبر أوائل الثمانينات هي الفترة الأهم والأشهر في حياة عبد الرحيم منصور حيث كتب لمحمد منير أغانى ألبومى (شبابيك) و(اتكلمى) كما وضع سيناريو وحوار وأشعار فيلم (الزمار) للمخرج عاطف الطيب وكتب كلمات ألبوم (حظوظ) للمطرب الشعبي كتكوت الأمير وكتب أول أغانى المطربين عمرو دياب وعلى الحجار ومدحت صالح ومحمد ثروت ووليد توفيق.