لا يراعي في مواقفه الشارع المصري ولايهمه إلا تدوين عبارات إنشائية لم يعد لها وجود في علم الكلام السياسي أحال نواب تكتل «30-25» بأكملهم للجنة القيم لمجرد اعتراضهم على أدائه!! يروى في أدبيات التاريخ الموسيقي، أن الموسيقار الإيطالى الشهير، قائد الأوركسترا الأشهر أرتورو توسكانيني، كان يعمل معه عازف لأكثر من 25 عامًا، وكانت هناك حفلة لتكريم «توسكانيني»، ووقف الجميع يلقون الخطب، وبعد انتهاء غالبيتهم، طالب «توسكانيني» العازف، بأن يقول كلمة، فما كان من العازف إلا أن اعتذر بأدب شديد، لكن قائد الأوركسترا أصر على أن يلقى كلمته، فما كان منه إلا أن صعد على منصة الحفل، ب«الميكروفون» وقال: كنت لا أريد أن أبدى رأيًا في معلمى وأستاذى الفنان العظيم أرتورو توسكانيني، لكن مادام أنه مصمم على رأيه؛ فإننى أقول بكل صراحة «بالنسبة لرأيى في توسكانينى الفنان فإننى أحنى رأسى له إجلالا وتعظيما»، ثم انحنى العازف الشاب راكعا أمام توسكانيني، وانتصب بعدها واقفا، وأكمل قائلا: «أما بالنسبة لتوسكانينى الإنسان فإننى أخلع حذائى وأضربه به على رأسه». في حالة الدكتور على عبد العال، يتضح أن الرجل طوال عمره لم يضبط يوما متلبسا بفعل يدل على امتلاكه موهبة «لعب السياسة»، فلم يعرف عنه موقف واحد سواء كان معارضا أو مؤيدا قبل ظهوره على المسرح السياسي والبرلماني، وحتى الدور الذي ظهر فيه على خشبة العمل العام قبل نحو ثلاثة أعوام، كان في مجال تخصصه العلمي، حيث كان أحد أعضاء لجنة العشرة، الذين أوكل إليهم تعديل دستور2012، بقرار من الرئيس السابق عدلي منصور، خلاف ذلك لا توجد للرجل أي خبرة سياسية يمكن الركون إليها في تبرير جلوسه على مقعد رئاسة البرلمان. لا يراعى أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس - صاحب الخمسة والستين عامًا- الذي جاء لكرسى رئاسة البرلمان بأغلبية «دعم مصر» بنسبة كاسحة، في مواقفه، الشارع المصرى ولا يهمه إلا ربما تدوين عبارات إنشائية، لم يعد لها وجود في علم الكلام السياسي، من نوعية «المصريون لا يسهرون أمام التلفاز حتى الصباح» ما يؤكد أن الرجل جاء للبرلمان دون أن يقف مرة على «ناصية شارع» ليعرف من خلالها متى ينام الشارع المصري، ولم تمر أمامه يوما عبارة أن «القاهرة مدينة لا تنام»..! ومن يتابع أداء «عبد العال» في قيادة البرلمان، يستشعر وكأنه يشاهد مشهدا سينمائيا، فالرجل يدير الأمر وفقا لسيناريو «ناظر العزبة»، الذي يحسن التعامل ب«العصا» وخاصة إذا ما تعلق الأمر بإدارة مصالح مؤسسات الدولة ولا سيما السيادية منها. «عبد العال» يقف بالمرصاد، ويعيد على أسماع النواب كيفية انتقاء الحديث عندما يتعلق الأمر بالقضاة، أصحاب المقام الرفيع حسب وصفه، ويطالب بالالتزام بالسمو الأخلاقى في التعامل مع المؤسسات السيادية. وعندما تئن الطبقات المتوسطة والفقيرة من الغلاء الفاحش يقف رئيس مجلس النواب مدافعا عن قوانين الحكومة، وفى سبيل ذلك يتسلح ب«لجنة قيم» للمعارضين وقبلات وأشواق حارة للمؤيدين، متجاهلا أن الشارع هو من أتى به إلى المبنى الأشهر في شارع «قصر العيني». ولم يلتفت رئيس المجلس لمستوى الخدمات التي تطلب الدولة إضافة ضرائب أخرى تلوى بها عنق المواطن المتبرم بالأصل من شظف العيش لتحسينها، رغم كل مرتفعات عدم الثقة بين الحكومة والمواطن، في عدم تصديق تلك المزاعم والدليل «إتاوات» رفع القمامة التي تزين إيصالات الكهرباء، دون أن يكون لها مبرر على أرض الواقع. كما أنه لم يكلف نفسه عناء النظر في الدراسات والأبحاث واستطلاعات الرأى التي تتحدث عن مستوى دخل الأغلبية الساحقة التي منحته هو وائتلافه الأصوات في اللجان الانتخابية، حين يشجع الحكومة على المزيد من الضرائب، ما ينذر بصدام لا يمكن ل«عبد العال» تخيله، في ظل انشغال الرأى العام بتفانين البرلمان لسن ضرائب مبتكرة، يدعمها شخصيا رئيس مجلس النواب، لدرجة جعلته مؤيدا بقوة لضريبة القيمة المضافة، معتبرا أنه قانون إصلاحى بامتياز، وكالعادة رفع عصا تهديده لكل المعترضين عليه. ولم يسأل رئيس البرلمان نفسه عن الفارق بين القيمة المضافة وضريبة المبيعات، إلا كونه يزيد غنائم الحكومة من جيوب المواطنين بنسبة 3 % عن الأخيرة. «دفاعه المستميت عن الحكومة وتصوراتها، وإظهار العين الحمراء لكن من يتجاوز الخط المسموح به» أكثر ما يثير الاندهاش في أداء الدكتور على عبد العال، لدرجة جعلته يحيل نواب تكتل «25 30» بأكملهم للجنة القيم، لمجرد اعتراضهم على أدائه، وهو الأمر الشاذ عن قيم العمل البرلماني. كما يُصر رئيس البرلمان على شنق نفسه سياسيا، بمواقف غريبة في سياقاتها، وتحمل طابعا أمنيا غريبا على «الأعراف السياسية» مفادها أنه «رجل أجهزة دولة»،. ورغم مناوشات «عبد العال» مع النواب المعارضين لسياساته، إلا أنه اختار محمد أنور السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، الذي يبدو أنه أزعجه بشدة، فراح يهدده بفضح «مكائده الحقوقية» وهو ما أكده السادات بعد تقدمه باستقالته من رئاسة اللجنة، كاشفا عن أن رئيس المجلس يتعقبه بشكل شخصي، منذ بداية تشكيل لجان البرلمان، ويهدده بين الحين والآخر بمعلومات أمنية تخص مشاركته في الندوات والتجمعات الدولية، فضلا عن الغمز واللمز المستمر حول حصوله على أموال وهبات خارجية، وهو الأمر الذي نفاه السادات جملة وتفصيلا، ليس هذا فحسب، لكنه طالب «عبد العال» بالتقدم لجهات التحقيق في الدولة بما تحت يديه من مستندات تدينه، أو التوقف عن التشهير والضرب تحت الحزام. الغريب أنه في الوقت الذي يحرص فيه «عبد العال» على تهديد المخالفين والمعارضين، لم يتخذ موقفا حاسما تجاه الشجارات التي نشبت لأسباب مختلفة بين النواب وبعضهم البعض، ووصل تدنى الخلاف بينهم إلى السب ب«الأم والأب» سواء في حضور عبد العال نفسه، أو في الجلسات التي تعقدها اللجان وبثتها وسائل الإعلام. الملفات السرية تحكم علاقته ب«الإعلام» وبعيدا عما يدور «تحت القبة»، فإن المعطيات الراهنة فيما يتعلق بعلاقة رئيس مجلس النواب، تشير – بما لا يدع مجالا للشك- أنه لا يوجد عمّار بين الدكتور عبد العال والإعلام، فالرجل لا يرى من وجوه وسائل الإعلام إلا وجه مروج الشائعات، لدرجة جعلته يهدد بعض نوابه –علنا- في أزمة الدولار بإحالة من سيتحدث عنها للإعلام للجنة القيم.