الخميس 32/21/84 يوم خامل، قام فيه الجميع، وهم صائمون، فى الحادية عشرة، ولم ينهضوا من سررهم إلا لصلاة الظهر، وقد احترت من الصباح فى عمل الشاى، وحاولت أن أوقد النار بجذع أو غصن عبثاً، إلى أن أرسل الله إليّ الشيخ حسن الأحمر -(71)- سكرتير المخزن فوضعه على الموقد الكهربائى، وقد شربته جالساً على السرير، اقرأ فى كتاب «حياة محمد» ونحن الآن عصراً، والإخوان يقرأون المأثورات، وهم يقرأونها ثلاث مرات فى اليوم. (هذا الجزء من الصفحة قرضته الفئران، ولم يتبق منه إلا كلمات متفرقة، يصعب وضعها فى سياق، وإن كان يفهم منها تحفظ جمال البنا على اضاعة الإخوان لكل هذا الوقت فى طقس المأثورات، ويفهم من الكلمات المتفرقة مثل «التى سمحت بها لنا السلطات» و«زيارات لطاهر» وجود زيارة لأهالى المعتقلين، وهذا ما تؤكده الصفحة الثانية والتى لم تنج أيضاً من قرض الفئران فى أول سطورها، ومن منتصفها حتى آخر سطورها، فما تبقى من الصفحة الثانية هو). «وغيرهم وكان سرورهم عظيما برؤية الأهل «............» تخطى الأسلاك الشائكة وإزالة غبار المعتقل «...........» الرثة، وحملت إلينا اعتذارا شفهيا من العائلة «........» عدم الحضور، ولقد ألقيت بهذه المناسبة نظرة على الورقة التى كتبها الأستاذ صالح عشماوى، ليطلب من أهله حاجياته، وفيها أسماء الكتب فرأيت أنه يطلب هذه الكتب «الرسالة الحميدية»، «الحصون الحميدية» فقه الأذكار «أول وثاني» و«فقه السنة» و«المصحف».. وهكذا كانت ثقافة الأستاذ صالح عشماوى محرر الجريدة، ووكيل الإخوان ورئيس مجلس إدارة شركة الإخوان. ولقد انتشرت بعد هذه الزيارة الشائعات المبشرة بقرب «..........» فمن قائل إن البوليس يفحص سجلات الإخوان «..........» يبقى فى المعتقل إلا المهمين فعلاً، وأن ذلك لن (كلمات متفرقة مثل «ومن قائل» «السلطات» «ذاكر لرؤيا رآها» وهى كلمات يستشف منها تأثر الإخوان بهذه الشائعات واعتقادهم بقرب انفراج الموقف والافراج عنهم، ثم ينتقل جمال البنا فى الصفحة الثالثة والرابعة إلى رصد وقائع أخرى فيقول: السهرة أمس كانت فى النادي، وقد أعدت «حكومة الطلبة» أى قسم الطلبة برنامجاً مسلياً، يتكون من نقد محكم للأستاذ أحمد السكرى (81) ومصطفى مؤمن، ومن نشرة إخبارية هزلية، ومن تقليد للأستاذ «عبدالرحمن» الساعاتى، عند أداء التمارين الرياضية، وكلمة عن تقسيم مناصب الحكومة والوزارة على الإخوان، إذا قدر لهم النهوض، وتعيين مهن هزلية لهم إذا فشلوا، وقد ذكروا أن مصطفى مؤمن لا يصلح إلا شحاذاً، وأن صالح عشماوى بائع جرائد «على أن يتلحلح»، وحلمى نور الدين بائع ليمون، وعن عبدالرحمن «البنا» رئيس فرقة أراجوز، وعن طاهر الخشاب عرضحالجي... الخ..... ثم مثل فصل من رواية «أبطال المنصورة على مسرح ساذج بنى على براميل وألواح سترت بالبطاطين لم يكن بالبرنامج -كمحاولة بدائية خشنة - بأس، وقد هرع الجميع لمشاهدتها «على عكس ما يحدث فى المحاضرات» وإن كان الاستاذ عبدالرحمن قد تألم باطنياً ونفسياً. الأستاذ عابدين مولع بإبداء ملاحظات طويلة عريضة بعد الصلاة ، وهى تبدأ كما لو كانت ملاحظة عارضة، ولكنها تستمر إلى نصف ساعة أو ساعة، وقد تيقظت أمس صباحاً على صوته العريض وهو يندد بالإخوان لتكاسلهم عن أداء الصلاة وحفظ القرآن، وقراءة المأثورات ويحضهم على ذلك بالآيات والأحاديث. الواقع أن الإخوان مشايخ، وقد اتضح ذلك تماماً فى هذه الأيام، ولكن ما يحير الإنسان ويثيره أشد الثورة أن يزعموا بعد ذلك أن الإسلام كل شيء، وهم أنفسهم -كنماذج إسلامية- لا تحسن إلا قراءة المأثورات، ومطالعة أمثال كتب الأستاذ صالح «عشماوي». الأحد 52/21/84 زارنا اليوم قومندان المعتقل وتفقد العنابر، وسار معه الأستاذ عابدين.. ولما عاد أخبرنى بأن فضيلة الأستاذ «المرشد» قد تظلم من اعتقالى أنا والأستاذ عبدالرحمن، وبعد الظهر أرسل إليّ طردا به ملابس حزنت لوصولها أكثر مما سررت بها، لأنها كانت بمثابة حكم بالبقاء بالمعتقل مدة طويلة، وزاد من هذا الشعور أن جاءت الأنباء بأن معتقلاً جديداً يعد لإخوان الأقاليم.. وأنه من المنظور أن يرسل بهم إلى هنا فى ظرف أسبوع تقريباً. أفكر فى أن أضرب عن الطعام كى أحمل البوليس على الاهتمام بطلبى -(91)- ولكنى أفضل أن أؤجل ذلك حتى الأربعاء المقبل ريثما أرى عبدالباسط -(02)- كما أتوقع. تضايقت اليوم، وزهدت نفسى فى الطعام وكسلت عن أداء أى فرض، ولا تزال الهوسة الدينية قائمة عند هؤلاء الناس، الذين لا يعرفون الهدوء أو الانفراد أو الصمت، وأنا أفكر فى المسألة الدينية بعمق وألم، وقد فكرت فى إبداع مذهب دينى تكون الفكرة الأساسية فيه الأخذ بروح التشريع وطبيعة النبى لا أفعاله أو أقواله، ولو كنت متأكداً من بقائى هنا لسنة، لكان ذلك خير ما استهل به قراءتي. أفكر فى الجماعة -(12)- ومصيرها.. وماذا عسى أن ينفعنى التفكير، وأنا هنا وراء الأسلاك الشائكة، وقد تقوض عالمى القديم. (فى صفحة مكتوبة على الوجه الآخر للورقة المكتوب عليها يومية الخميس 03/21 كتب جمال البنا) الجميع مقتنع هنا بهذه الحجة الفارغة، العقاب الإلهي، وأنا وحدى الذى أتضايق منها تضايق الذكى من الغباء، المصدق به من الجماهير والمؤمن به عندهم، فلماذا لا يعاقب الله غيرهم؟. وماذا فعلوا؟، أليسوا هم القائلون: إن الدين.. دين ودنيا؟. كنت أريد أن تغلى دماؤهم، أن يعرفوا أن ذلك إنما هو نتيجة تقصير منهم، يجب ألا يقعوا فيه، وأريد بدلاً من هذا القنوت، والدعاء، وانتظار النجدة الإلهية، عملا حاسما من ثمار عقولهم وغرس أيديهم، بدون انتظار النجدات الإلهية. لا شيء ينم عن نفسية الإخوان كهذا، فهم رجال دين، ولم يكونوا قط رجال دنيا، وهو ما يؤيد فكرتى عن أن طبيعة الدين تختلف عن طبيعة الدنيا، وأنه لا يمكن الجمع بينهما -حتى ولا الإسلام- وإن كان كل من الدين والدنيا لازم قدرى للحياة. كل اختياراتى تؤيد تفضيلى للعمل والإنجاز، وتحذرنى من «الهدنة المشئومة» أو الانتظار، انتظار إبراهيم باشا عند (كوتاهة) انتظار الجيش المصرى عند تل أبيب، انتظار هانيبال بعد «كان»، انتظار الإخوان قبيل، وبعيد الحل، فالجانب المفضل هو فى الحقيقة جانب العمل، حتى وإن كان طيشاً. «كتب جمال البنا الخمس كلمات الأخيرة فى أعلى صفحة يومية الخميس، وهو ما يعنى أن ما أثبتناه هو جزء من يومية سابقة على يوم الخميس وتاليه ليوم الأحد 52/21). الخميس 03/21/84 فى الفترة ما بين الظهر والعصر من يوم الثلاثاء الماضى انتشرت الشائعات فى المعتقل،بأن النقراشى باشا قد اغتيل بيد ضابط.. وبقدر يئس الإخوان، تجمع الإخوان جماعات، جماعات، وكان مصدر الخبر بعض نفر من البوليس والعمال الذين يعملون فى التصليحات بالمعتقل، وظللنا بين مصدقين ومكذبين حتى تواترت الروايات وتضاءل الشك وثقلت كفة اليقين، عندئذ كنت ترى الإخوان يتعانقون فى الحوش والحجرات، ويكبرون ويديرون الآيات على ألسنتهم «فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي» -(22)- «ولو تواعدتم لاختلفتم فى الميعاد» -(32)- إلى آخر هذه الآيات والأحاديث والإشارات بالمعجزات الإلهية، وصار كل واحد يرى أن ذلك إنما تم تصديقاً لرؤيا رآها، أو دعاء دعا به، بينما أمر وكيل المخزن بشراء شيكولاتة على حسابه الخاص (وقد وزعت أمس، وكانت لذيذة) ولعلى كنت الوحيد الذى لا يشارك هذا الجمهور المتحفز المتحمس عاطفته. السبت 1/1/94 قضينا أمس تلك السهرة العاطفية فى حمى دينية، تملكت الحاج عبدالله الصولى، وعبده قاسم -(42)- والحاج حلمى المنياوى -(52)- والاستاذ عبدالرحمن، فبدأوا بالمأثورات، ثم ورد الاستغفار، ثم كلمة «حسبى الله ونعم الوكيل» 413 مرة، وكلمة «أزفت الأزفة ليس لها من دون الله كاشفة»، وأخيراً «يامنتقم ياجبار، ياشديد البطش ياقهار» وقدمت هذه الابتهالات احتساباً إلى الله فى سبيل معاقبة عبدالرحمن عمار -(62)- وفريد -(72)- وغيره وغيره.. وهكذا نمت آخر ليلة فى سنة 8491م، وأصوات الابتهالات تتردد فى عنبرنا. علمنا أمس أن مجلس البوليس الأعلى قد عاقب عبدالباسط بتنزيله درجة إلى كونستابل ممتاز، مما آلم هذا على النفس!، أننى لأرثى لعبدالباسط فى معتقلى لأنه، وإن كان عديم الاكتراث، إلا أن ظروفه المادية قاسية، وهو الآن بعد خدمة أكثر من عشرة سنين كالميت، فى هذا البلد الذى لا يقدر إلا الشهادات. يخطر لى أكثر من مرة أن أكتب إلى إدارة المعتقل طالباً الإفراج ثم يثنينى عن ذلك عدة اعتبارات -(82)- فأنا لا أريد أن أبرز فى أوساط المحافظة بشيء ما، وأنا كذلك أريد أن أفكر أكثر وأكثر فى الموقف. أما بالنسبة للإخوان، فإنه ليبدو فى تحسن، وفى فكرى أشياء كثيرة كنت أود لو أكتب بها للاستاذ، ولكنى لا أجد ورقاً أكتب عليه نقدى -(92)- وقد قرأت اليوم «أخبار اليوم» وفيها عدة كلمات عن مقتل النقراشى باشا، تليت بين هدوء الإخوان وسخريتهم، والواقع أن هناك هوة كبيرة بين الإخوان وبين الرأى العام والمثقف الممثل فى البرلمان والسياسة والصحافة، وما لم يتبادل الفهم فإن الأمور ستسوء وستتطور لأن أحداً من الحكومة أو الإخوان لن يسلم.