الأولى تحملت عذاب مشاركة 3 من أبنائها.. والثانية تلقت نبأ وفاة زوجها مرتين: نرجس ونجاة.. بطولات نسائية على أرض المعركة العميد مجدي بشارة: أمي وزوجتي من أسباب نجاحي في الحرب.. وتحملتا ظروفا صعبة لا يتحملها أشجع الرجال في تاريخ العسكرية المصرية هناك رجال حفروا أسماءهم بحروف من ذهب في سجلات العزة والشرف، وعلى الجانب الآخر هناك نساء ضربن أروع الأمثلة في التضحية والجسارة، وعشن ظروفا يصعب تحملها بسبب مشاركة أبنائهن أو أزواجهن في معركة التحرير الكبرى في السادس من أكتوبر عام 1973. نرجس كامل. سيدة صعيدية من محافظة أسيوط، عشقت تراب هذه الأرض المقدسة ودفعت بأبنائها الثلاثة إلى الجهاد في سبيل مصر دون خوف أو تردد.. ثلاثة أبناء يحاربون العدو في وقت واحد ولا تعلم عنهم شيئا سوي من الراديو وتحملت ألم الفراق والموت، ولكنها كانت شجاعة عندما يخرج أحد أبنائها إلى عمله تودعه وكأنها لن تراه مرة أخرى وعندما يعود تهلل من الفرح وتدفعه للعودة مرة أخرى لأرض المعارك. إنها والدة اللواء طيار وصفي بشارة من قائدي طائرات الميج -21 مقاتلات، والعميد كمال بشارة سلاح المدفعية الصاروخية مدفعية الميدان، والعميد مجدي بشارة قائد كتيبة دفاع جوي وبطل الجزيرة الخضراء. وعن بطولات والدته وتحملها لمشاركة 3 من أبنائها في الحرب، يقول العميد مجدي بشارة:"والدتي كانت سيدة عظيمة وجسورة ولها قدرة خارقة على الصبر والإيمان بأن الله وحده هو الحارث لأبنائها التي دفعت بهم إلى ميدان المعركة.. ويضيف:"عندما حدث العدوان الثلاثي على مصر أمي كانت حزينة جدا وبعد حصولي على الثانوية العامة أصرت أن ألتحق بالكلية الحربية وبالفعل تقدمت وقبلت وبعدي بعامين دخل أخي الثاني وصفي وبعدنا كمال فتقدم في البداية للكلية الحربية ولكنه لم يقبل ودخل كلية التجارة جامعة أسيوط، وفي العام الثاني أصرت أن يقدم مرة أخرى، وقالت له إنك سوف تقبل وفعلا قبل لأنها كانت تقول البلد محتاجة جنود وضباط وأنتم لو مدخلتوش الجيش مين يدافع عن مصر ولادي كلهم لازم يدخلوا الكلية الحربية، لأنها شرف وهي مصنع الرجال والأبطال". وعن شعورها عند عودتهم من أرض المعارك قال:"بصراحة إحنا التلاتة لم نكن نري بعضنا بالشهور لأننا كنا ننزل إجازات في أوقات مختلفة ولم يصادف أن نزل اثنان في وقت واحد وهذا كان محزنا لأمي ألا نجتمع مع بعض كأسرة، ولكنها صبورة جدا على بعدنا وكانت تزداد سعادة عندما يعود أحدنا ويحكي لها بطولة قام بها وحقق انتصارا على اليهود الذين اغتصبوا أرضنا بالقوة والغطرسة. وكانت متدينة دائمة الصلاة والدعاء لي ولإخوتي ولزملائنا على الجبهة، خصوصا وأننا في أماكن خطرة، فأخي وصفي يخرج يوميا في مهام خلف خطوط العدو بالطائرة الميج 21 وأنا موقع الدفاع الجوي الذي كنت به كل يوم إسرائيل تقصفه بالطيران، وأخي الثالث سلاح مدفعية كل يوم في اشتباك مع العدو ورغم هذا والقلق الشديد والفزع الذي كانت تعيشه لم تظهر لنا يوما هذا الفزع بل كانت قوية وصامدة مثل الصخرة". وأضاف:"من أكثر الأشياء التي جعلتها حزينة عندما تلقت خبر موتي مرتين الأولى في حرب الاستنزاف، عندما قطع عنهم الاتصال بنا وأقاموا سرادق العزاء لمدة يومين ثم فوجئت بعودتي ولا أستطيع أن أصف لكم فرحتها واندهاشها في نفس الوقت، والمرة الثانية عندما حاصرتنا إسرائيل في الجزيرة الخضراء وقالوا في الإذاعات الخارجية إن إسرائيل قامت بضرب الجزيرة بالكامل ولم يتبق فيها أي جندي أو ضابط وأقاموا عزاء لمدة 8 أيام وبعد فك الحصار عدت مرة أخرى". وتابع:"أمي وزوجتي تحملتا معي ظروفا صعبة لا يستطيع تحملها الرجال وكانتا مؤمنتين بأننا لو عدنا منتصرين أو استشهدنا فهذا واجب علينا نحو الأرض المقدسة أرض آبائنا وأجدادنا وأرض أبنائنا بعدنا لابد أن نحافظ عليها ولا نبخبل بالنفس أو بالولد فداء كل شبر فيها". أما نجاة مينا ناشد زوجة العميد مجدي بشارة، والتي تلقت خبر استشهاده مرتين وظل لقب أرملة شبحا يطاردها نهاية خدمته، فتروى تلك الرحلة قائلة:"تزوجنا في 3 نوفمبر عام 66 وكنت مبهورة به جدا لأنه شخصية مرحة وجادة في نفس الوقت ويستحق لقب بطل فعلا، وبعد شهور من زواجنا قامت نكسة 67 وانتقل إلى وحدته في المنصورة وتركني في المنزل وحدي كنت وقتها صغيرة ولا أعلم شيئا عن العيشة في القاهرة لأنني من قرية أبنوب بأسيوط وينزل كل شهر 3-4 أيام إجازة ومعظم الوقت يحضره السائق إلى المنزل وقبل أن يخلع هدومه يعود السائق بطلب العودة إلى الوحدة للأهمية". وعن شعورها في تلك الفترة تقول:"لا أنكر أنني كنت أشعر بالوحدة والغربة في نفس الوقت ولكن حبي له يمحي هذه الأحاسيس ويترك إحساسا واحدا وهو قلقي وخوفي الشديد عليه طوال فترة حرب الاستنزاف فلم نكن نعلم أخباره وكان يكلمني كل 15-20 يوما والوسيلة الوحيدة التي نستمع إليها لمتابعة العمليات في الجبهة هي الراديو نسمع الإذاعات المصرية تطمئننا وتقول إن الأمور جيدة نسمع الإذعات الخارجية نجدها تقول إن إسرائيل تقوم بحصد أرواح أبناء الجيش المصري بالآلاف يوميا فكان هناك تضارب كبير في المشاعر بسبب الأخبار المتضاربة". وعن أصعب اللحظات التي عاشتها أثناء فترة وجود مجدي على الجبهة قالت:"أيام نكسة 5 يونيو 67 كان مجدي قائدا لكتيبة مضادة للدبابات في فايد وحدثت الحرب وهو هناك لا نعرف عنه شيئا وأذاعوا في الرديو بيانا بضرب المنطقة التي كان موجودا فيها وجاءني نبأ استشهاده فأسودت الدنيا في وجهي وأقمنا العزاء أمام منزل والده وأخذنا نتلقي العزاء لمدة يومين وفوجئنا به قادما أمام الناس سليما، وكانت أحلي مفاجأة في الدنيا وبقي معنا لمدة يومين حكي لنا ما حدث وكان حزينا جدا بسبب قرار انسحابه من مكانه، وقال لي يومها أمر الانسحاب كان أسوأ قرار قمت بتنفيذه في حياتي لم يتركونا نأخذ بثأرنا ونموت بشرف كنت أفضل الموت على الانسحاب، وعاد مرة أخرى للجبهة وكان يحضر كل شهر مرة والإجازة لا تتعدي ساعات، وكنا نسمع أن إسرائيل تستهدف يوميا مواقع الكتائب المضادة للطائرات وتنسفها نسفا حتى عام 69 عندما كان مكلفا بالدفاع عن منطقة "الجزيرة الخضراء" وكان وقتها قائدا لفوج 63 مدفعية مضادة للدبابات وصدرت له الأوامر بعدم تمكين العدو من احتلال هذه الجزيرة ودارت معركة شديدة الخطورة، كنا نسمع عنها في الراديو وعندما بدأت تنفد ذخيرتهم طلب من مدفعية الجيش ضرب الجزيرة وهو وجنوده فيها والعدو حتى لا تتمكن إسرائيل من احتلالها، وكان أخوه كمال أحد ضباط المدفعية في الجيش المكلفين بضربها ولكن قائد الجيش الثالث رفض طلبه". وتابعت:"أما إذاعة إسرائيل وأمريكا فأكدتا أن إسرائيل احتلت الجزيرة وقتلت كل فرد فيها وفعلا انقطعت الاتصالات بيننا، وأتي إلينا خبر وفاته للمرة الثانية وكان الشعور هذه المرة أكثر مرارة فتم إقامة العزاء للمرة الثانية لمدة 8 أيام من كثرة الناس التي جاءت إلينا وبعدها بأيام وجدناه قادما إلينا وعندما حكينا له ما حدث قال "عمر الشقي بقي".. لسه لي عمر حتى أحرر سيناء كاملة، وشارك في فترة حرب الاستنزاف كلها بهذه الطريقة، كل يوم معركة شرسة مع العدو حتى نصر أكتوبر المجيدة وعاد إلينا الحمد لله سالما وقد كرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنوط الشجاعة من الطبقة الأولى عن بطولته في معركة الجزيرة الخضراء ثم عين بعد الحرب في هيئة البحوث العسكرية وكان له إسهامات كبيرة فيها". وعن شعورها كزوجة لبطل الكل يتحدث عن بطولاته في الحرب وبعدها قالت: "مجدي شخصية تستحق التقدير والاحترام، فهو يحب ويعشق تراب مصر ودائما نفسه يعمل أي شيء للبلد وفعلا بعد الحرب تم تعيينه في هيئة البحوث العسكرية، وقام بتصميم طائرة موجهة بدون طيار وعرضها أمام الرئيس السادات، وألف كتابين عن بطولاته وهما: معركة الجزيرة الخضراء- والآخر عن نشأة وتطور الدفاع الجوي في مصر وهذه الكتب تدرس في كل المعاهد العلمية المصرية والدولية، كل هذا يجعلني فخورة لأني زوجة بطل يحكي عنه الناس وفخورة جدا ببطولاته، وقد حافظت على منزلي وأولادي وربيتهم أحسن تربية وجعلتهم فخورين بوالدهم الذي ضحي بعمره كله في الدفاع عن مصر وأرضها حتى نعيش نحن في سلام الآن".