على الرغم من روح اليأس والهزيمة التي انتابت الكثيرين عقب نكسة 1967، إلا أن الجيش المصري وعلى الرغم من ضعف إمكاناته آنذاك حمل على عاتقه مهمة إرجاع الأرض بأي ثمن. منذ اندلاع حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل عقب النكسة، أثبتت العسكرية المصرية أنها قادرة على ردع العدو وإذلاله في العديد من المواقع كمعركة رأس العش، وتدمير المدمرة إيلات على أيدي رجال البحرية، وكذلك معركة الجزيرة الخضراء التي لا يعلم الكثيرون عنها شيئا. الجزيرة الخضراء منطقة صغيرة تقع وسط خليج السويس وتتميز بموقع استراتيجي لا يوجد له مثيل في العالم، فهي تقع على مسافة 2500 متر من الطرف الجنوبي لقناة السويس، وتتحكم في المجرى الملاحي للبحر الأحمر بأكمله. وتعد منطقة الجزيرة الخضراء منطقة صخرية ذات ميول حادة صعبة التسلق، استطاع رجال الجيش المصري من خلالها مراقبة تحركات العدو لقربها منهم، ولأهمية تلك المنطقة عسكريا واستراتيجيا أراد الإسرائيليون تدميرها لإذلال المصريين. لم تكن مصر تمتلك صواريخا في هذا الوقت فقد خسرتها في النكسة، لذا فإن الاعتماد الكلي كان على المدفعية المضادة للطائرات، وكانت تلك المنطقة تحتوي على مدافع ثقيلة مضادة للطائرات. شكلت الجزيرة مصدرا للقلق لدى العدو، فقد كان قائدها المباشر النقيب محمد عبد الحميد يهاجمهم من خلالها لذا أراد الإسرائيليون احتلالها لأنها قريبة منهم من جهة وليتخلصوا من الخسائر التي يتكبدونها منها من جهة أخرى،، ولكسر أنف الرئيس عبد الناصر الذي كان دوما ينادي بمحاربتهم ورفع معنويات رجاله من أبناء القوات المسلحة. وأرسلت إسرائيل كتائب لها للتدريب في الولاياتالمتحدة 3 أشهر كاملة ليكونوا على أتم استعداد كما استعانوا بقوات المارينز. كانت الجزيرة واحدة من 5 مواقع تحت قيادة النقيب مجدي بشارة قليني الذي كان رئيسا لعمليات الفوج 63 مدفعية بالسويس، واستطاع هذا القائد الشاب -آنذاك- أن يقوم بمهمة بطولية لعدم سقوط الجزيرة في أيدي إسرائيل، فحين جاءته الإشارات بأن القوات الإسرائيلية تتقدم نحو الجزيرة ولعلمه بأن المصريين غير مؤهلين للحرب فمهمتهم الدفاع عن سماء الوطن فقط، قام بإرسال 30 جنديا و5 ضباط إلى هناك كما نسق مع قائد إحدى كتائب المشاة وأخذ منه قنابل يدوية وقاذفات لهب وأرسلها معهم. ولكن أعداد العدو كانت كبيرة وإمكانياتهم أكبر وبدأت المعركة التي لم يتوقعها العدو فقد كان يريد المعركة صامتة حتى لا يخسر شيئا، ولكن تكبد الطرفين خسائر كبيرة في المعدات والأرواح. تلقى النقيب مجدي بشارة طلبا للنجدة مرة أخرى من الجزيرة وقام بدوره بإبلاغ قائد الجيش الثالث الذي أرسل له "لانش" به 45 رجلا من الصاعقة، ولكن البحرية الإسرائيلية هاجمت اللانش ودمرته واستشهد كل من كان فيه، ورفض القائد إرسال آخرين وأمرهم بمواجهة العدو بما يتوفر لديهم من إمكانيات. تحرك بشارة نحو ميدان الأدبية واستقل ورجاله ال30 "لانشين" لكي يصلوا إلى الجزيرة وأثناء إبحارهم تلقوا ضربات من المدفعية الإسرائيلية ليستشهد سبعة منهم ويصاب عدد آخر منهم النقيب بشارة نفسه، وعند وصولهم الجزيرة وجدوا أنفسهم أمام ألف جندي بينما كان بشارة أمامهم ومعه 24 جنديا فقط. طلب من قادته إرسال مدد من الجنود ولكن طلبه قوبل بالرفض وجد نفسه أمام مآزق وأن الجزيرة ستسقط لا محالة في أيدي العدو وأن مصيره وجنوده إما القتل أو الآسر، فتوجه بطلب إلى قائده كان الأول من نوعه في تاريخ العسكرية المصرية، وهو أن تقوم المدفعية المصرية بتوجيه نيرانها نحو الجزيرة، فقد كان البطل بشارة يرى أن الموت أهون من التفريط في الأرض، وبالفعل اختبأ هو وجنوده في أحد المخابئ وقامت المدفعية بتوجه ضربات عنيفة نحو الجزيرة فقتل من العدو من قتل وهرب الآخرون تاركين أماكنهم منسحبين بعيدا، لتثبت مصر أن الإرادة والصمود أقوى من أي سلاح أو إمكانيات وأن الجيش المصري أنجب خير رجال الأرض وأكثر شجاعة وبسالة كالنقيب مجدي بشارة الذي كان من أبرز أبطال حرب الاستنزاف التي مهدت الطريق نحو نصر أكتوبر المجيد. وشارك بشارة عقب ذلك في حرب أكتوبر 1973، وكان له دورا عظيما وبطوليا بها، وخرج على المعاش عام 1984 على رتبة عميد، وحصل على العديد من الأوسمة والأنواط العسكرية من الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات تقديرا لمجهوداته الكبيرة في خدمة القوات المسلحة ومصر.