المرأة هي السر في حروب مصر القديمة والمعاصرة، فبقاء مصر وعراقتها يكمن في حب المصريين للأرض، ولم يختلف هذا الحب بالنسبة للمراة سواء في الصعيد أو البدو أو الحضر، الكل سواء، والثقافة واحدة مصر ثم مصر ثم مصر، ويهون بعدها المال والولد. والمرأة التي عاصرت حرب الاستنزاف وأكتوبر هي أم لبطل، أو زوجة شهيد، المرأة المصرية دفعت أبناءها للحرب، هناك أمهات استشهد لها ابن ودفعت بالباقين لأخذ الثأر، ولم يقف دورها عند هذه المهمة، بل قامت بحماية الجبهة الداخلية خلف الرجال حتى لا تسقط مصر، وتسطر بمواقفها الصامدة أروع قيم التضحية والعطاء.. في السويس تحملت ويلات القصف وهي نفسها التي دفعت بالابن والزوج على خطوط الجبهة، ولا ننسي مرارة التهجير التي ألمت بنساء مدن القناة وقصف بيوتهن، وهي التي شاركت في سنوات الحصار على السويس، وكانت مثابرة ولم تنهار أو تنحني من غدر العدو، بل إنها غرست الصبر والصمود والتحمل في نفوس أولادها؛ لخلق جيل جديد قادر على مواجهة التحديات. ومن النماذج التي لازالت ذكراها عالقة في ذاكرة التاريخ الست فطوم إحدي نساء السويس البواسل التي كلفها أحد الضباط بعمل استطلاع لقوات العدو من وراء الأشجار، وعندما وجدت أعداد العدو كثيرة حاولت التضحية بنفسها وبابنتها ومرت وسط قوات العدو لترصد تمركز آلياته ومجنزراته التي تختبئ بين الأشجار الكثيفة، فيمكن للإنسان أن يكون فدائيا ويقدم على (المهمة) رغم معرفته بخطورتها على حياته، ولكن أن يعرض حياة ابنه للخطر، فهذا هو الغريب. أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميري بقوا يزودون عن مدينتهم، ويقاومون محاولات العدو الإسرائيلي اقتحام المدينة. رغم وجود نحو 200 سرير في المستشفى يخدمها طاقم من 20 طبيبا و78 ممرضة فقط، ظلوا يعملون 24 ساعة يوميا أثناء المعارك وما بعدها. إحدي الحكيمات قالت: "لم نكن نخشى شيئا، وفي بعض الظروف حين تقل إمدادات الدم كنا نتبرع بدمائنا للجرحى....". أما المرأة السيناوية بعد نكسة 1967 فقد لاقت كثيرا من المعاناة الكبيرة في ظل احتلال صهيوني غاشم، لا يعرف فقط سوي مصلحته فوق مصلحة السكان الأصليين للبلد، ورغم هذا كان لها دور فعال وإيجابي في المقاومة بجانب الرجل، فالمرأة البدوية الجريئة كان لها أثر فعال في حرب الاستنزاف حتى أكتوبر، فهي التي قامت بتهريب الفدائيين وعلاجهم ومساعدتهم في الوصول إلى الأراضي المصرية عبر طرق لم يعرفها العدو، رغم أن تلك المرأة لم تتعلم ولم تتدرب ولكن بفطرة الانتماء وحب الوطن دافعت عن أرضها في مواجهة العدو، وساعدت رجال الاستطلاع في التخفي عن العدو، وكانت تمدهم بالأكل والشرب. فلم ينس التاريخ العسكري السيدة التي حاول اليهود إلقاء ابنها الرضيع في النار للكشف عن مكانه،ورغم ذلك لم تتكلم وعلي مدى 6 سنوات من الاحتلال لم يستطع العدو الإسرائيلي التغلغل داخل كيان أهل سيناء، لأنها زرعت الوطنية والانتماء لمصر فقط في نفوس أطفالها، وعندما أراد العدو الصهيوني "تدويل سيناء" من خلال مؤتمر دولي في الحسنة وقف جميع أهل سيناء رجالا ونساء وقالوا "إن باطن الأرض خير لنا من ظهرها إذا تخلينا عن مصر أو فرطنا في سيناء". المرأة المصرية كان لها مشاركة فعالة في حرب أكتوبر على الأرض، من خلال مقار التنظيم النسائى، والجمعيات النسائية الأهلية في خدمة الجرحي والمصابين، ومساعدة أسر الشهداء، ونشر الحملات الإعلامية للتطوع في التمريض والتبرع بالدم للجرحي. ولا ننسي دور أم كلثوم وذهابها إلى آخر الدنيا، لإحياء حفلاتها الشهيرة لصالح المجهود الحربي، وأم البطل الطيار عبد القوى شمس التي طلبت رؤية قائده حتى تعرف ابنها استشهد وهو مقبل على العدو أم مدبر، وعندما أجابها بأنه مقبل، قدمت له الشربات ولم تزرف عينها دمعة واحدة رغم أنه ابنها الوحيد.