كتب التاريخ تشهد أن العرب فى الجاهلية كانوا يقيمون الحدود على السارق والقاتل والزانى ،وحتى الشاتم كانوا يقيمون عليه الحد . وكان يختص بإقامة الحد والحكم فيه إما قاضى العرب فى هذا الوقت، أو كبير القبيلة كما حدث من الوليد بن المغيرة الذى كان من سادات العرب قبل مجىء الإسلام عندما حكم على سارق بقطع يده. كما أن «قاضى العرب» الذى تمثل فى ربيعة بن حذار بن مرة الأسدى وهو كما ذكر الأعشى، فى كتابه "صبح الأعشى فى صناعة الإنشا"، كان حاكما، وقد قضى بالرجم على من زنى، فكل تلك الشواهد وغيرها من الوقائع تدل أن للحدود تاريخا طويلا قبل مجىء الإسلام . ويشير علماء الشريعة الإسلامية إلى أن الإسلام عندما جاء أقر بعض هذه الحدود التى كانت موجودة قبل مجيئه حتى لايكون غريبا بين الناس وقد كانت هذه الأحكام موجودة فى بعض القبائل وليست فى الجزيرة العربية بأكملها فكانت فى قبائل: الحجاز ونجد وبعض قبائل اليمن كما ذكر ذلك الدهلوي في كتابه «حجة الله البالغة».. و كان أول قاطع ليد السارق هو الوليد بن المغيرة وكان من سادات قريش،حيث قطع يد عوف بن بن عمرو بن مخزوم، عندما سرق من إبل عمه. ثم جاء عبد المطلب جد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقطع يد سارقى غزالي مكةالمكرمة حيث إن عبد المطلب علق غزالين في الكعبة فكان أول من علق المعاليق بالكعبة ، فسرق بعض شباب قريش ومعهم أبو لهب الغزالين وباعوهما لتجار قدموا مكة بخمر حيث كان أبو لهب مع جماعته ونفدت خمرهم وأقبلت قافلة من الشام معهم خمر فسرقوا الغزالين واشتروا بهما خمرا . وعرف العرب فى الجاهلية حد الزنى حيث كانت الزنى الذي كان من أعظم المنكرات وأفظع المعاصي وأشنعها ، فلذلك جعلوا عقوبته الرجم والقتل الذي هو أعظم الحدود ، ومن أمثلة ذلك ما كان من النعمان بن المنذر من قتل المتجردة والمنخل العبدي عندما اطلع على ما كان من أمرهما ، وأراد قتل النابغة الزبياني لما تعرض في قصيدته التى سميت بالدالية ووصف بها زوجة النعمان بن المنذر ، ثم اعتذر منه بعدة قصائد فعفا عنه. وكان أول من طبق حد الرجم فى الزنى من العرب هو ربيعة الأسدى حيث إن امرأة من قبيلة أسد هوت رجلاً حتى هربت إليه عندما عرفت أن ابناء عمومتها عرفوا بقصتهما ، ثم لقيها بعض ابنائها فعرفوها وهى معه فأخبروا ربيعة بن حدار الأسدي ، فأمر برجمها فرجمت. كما كان القصاص من الحدود التى كانت موجودة فى العرب فكان يحكم به عندهم فى القتل العمد وشبه العمد والخطأ وشبه الخطأ حتى أنهم جعلوا جملة تقال فى الحكم بالقصاص وهى "القتل انفى للقتل". كما سن العرب قبل الإسلام الدية فى المقتول وقدروها بمائة ناقة حتى أن ابن القيم ذكر فى كتابه "اعلام الموقعين" أن العرب كانوا يعيرون من يأخذ الدية ، وعندما جاء الإسلام أقر هذه العقوبات. كما أن بعض القبائل ايضا كانت تقيم الحدود على السباب الذى يسب الناس فكانت قبيلة الأوس تقيم الجلد على الشتام وكانوا يسمونه التّعذير ويستعمل في القبائل الكبيرة بشكل خاص لمعاقبة من تثبت ادانته فى السب والشتم والتحرش بالناس. كما كان الطرد والنفي من أرض القبيلة أو من الحى والخلع والتبرؤ من الشّخص المثير للفوضى عقوبات المجتمع العربى قبيل مجىء الإسلام. وتذكر كتب التاريخ كما فى كتاب ابن هشام ما وافق حكم الاسلام من الجاهلية أن العبرانيين والكلدانيين والآشوريين قد ورثوا من فراعنة مصر حد الرجم فى الزنى وقد كان اول من رجم فى العرب من الرجال هو ربيع بن حدان وكانوا قبلها يرجمون المرأة التى تزنى بغير زوجها بدون علمه. ونقل الشوكانى فى كتابه "القول المفيد فى الاجتهاد والتقليد" أن العرب نقلوا بعض الاحكام من شريعة حمورابى التى نقلها عن فراعنة مصر. الدكتور عبد المقصود ابو باشا استاذ التاريخ الاسلامى بجامعة الازهر يتحدث عن الحدود التى كانت موجودة قبل الاسلام قائلا: إن لكل مجتمع فكرا وقانونا خاصا به يحكمه ويطبقه على من يخرج عن عادات وأعراف وتقاليد هذا المجتمع صيانة له وكان العرب فى هذا الوقت من أشد المجتمعات التى تسير على أعراف وتقاليد تحكمها ويعتبرون من يخرج عن هذه الأعراف والعادات خارجا عن القوانين ويستحق العقوبة فكان العرب يعاقبون بحدود توارثونها من خلال أجدادهم الذين عرفوها من مجتمعات اخرى من خلال احتكاكاتهم وتعاملاتهم مع تلك المجتمعات فكان العرب يقيمون الحد على من يسرق أو يزنى أو يقتل حتى وصلت الدرجة أن يجلدوا من يعق والديه. وأكد أن الكثير من هذه الحدود سنت من قبل بعض حكماء العرب فى ذلك الوقت ووفقوا للحكم الصائب امثال اكثم بن صفى وربيعة بن حذار الأسدى ،ومنهم ذو المجاسد عامر بن جشم في الميراث حيث إن العرب لم تكن تورث البنات فقرر ذو المجاسد توريثهن. لافتا إلى أن العرب أول من قطع وصلب فى حد الحرابة عندما قام النعمان بصلب رجل من بني عبد مناف كان يقطع الطريق وقد سمى هذا الحد في الإسلام بحد الحرابة . ولفت الى أن العرب قبل الاسلام هم أول من سنوا فى حكمهم الديات فقد كانت عشرة إبل دية القاتل حتى جعلها عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل فجرت في قريش والعرب مائة من الإبل وقد أقرها الإسلام على ما كانت عليه , وعندما جاء الاسلام أخذ من العرب بعض الأحكام التي كانوا يتبعونها قبل الإسلام مثل حكمهم في الزواج والديون واللقطة والهبة وبعض هذه الأحكام لايزال موجوداً في الفقه الإسلامي.