وسط طلقات الرصاص والحروب الضارية بين الجيش والإرهاب وسقوط الشهداء وتخوفات المواطنين، لم تتأثر طبيعة أرض «الفيروز» ملكة السحر والجمال ذات السماء الصافية والأمواج المتوسطة تشع نورًا ذهبيا مع تعامد الشمس على صفحة المياه. هنا «العريش» حاضنة المصيفين أجانب ومصريين طوال عهدها لينالوا قسطا من الراحة ويحظوا من السعادة والاستمتاع بأجوائها الخلابة بنصيب وافر. الشمس تحتضن مياه المتوسط. تبدل حالها بصورة تحزن قلوب محبيها بعد ثورة يناير المجيدة نظرًا لعدم استقرار الأوضاع، وتعيش العريش وأرض الفيروز كافة سنوات عجاف نظرًا لحساسية موقعها واقترابها من منطقة اللهب والنار. ورغم عزوف الزائرين لخطورة الأوضاع بأرضها وحصار النيران ارجائها وطلقات الرصاص المتبادلة بين رجال الجيش والمخربين، إلا أن أهلها بين الحين والأخر يزورون شواطئها ليستعيدوا الذكريات. سكانها وزوارها والمصيفون عازفون عن شواطئها يرتبط عدد غفير بمهنة الصيد كمصدر للدخل والرزق من أسماك وخيرات البحر المتوسط، ولم يعطل خطواتهم للبحر لهب نار الحرب مع الإرهاب، ليحتضنوا أمواج البحر محاربين للموت. ويبدو أن الهواية والرزق لصيادى تلك المنطقة وجهان لعملة واحدة، ينطبق عليهم ما تغني به حسن الأسمر "يابا أنا الصياد لفيت بلاد وبلاد.. الموج على انساه دي قسمتي قدري.. يا حبيبي ليه تختار باديك تعيش في النار ده العشق والله مرار". يفرد شباكه باحثا عن قوته ورزقه توارث الصيادون المهنة عن اجدادهم وآبائهم، لتتحول المهنة لهواية وصداقة بينهم وبين امواج البحر، يتنقلوا ما بين الشاطئ والآخر وسط محاذير ومعايير تحددها طبيعة المنطقة الملتهبة. تبدأ مراحل العمل من مكتب المخابرات لإستخراج التصريح بالصيد، ليبدأ التحرك وفق المحددات المشروطة حرصًا على ارواحهم، لينطلق الصياد حاملًا الشباك باحثا عن الرزق. على أحد شواطئ العريش.. بجوار شاليهات السعد بحى الريسة، وسط هدوء وسكينة تغلب على المكان ومحيطه تعلو اصوات الامواج، جاء رجل ونجلة ليبدأ البحث عن المجهول.. قوتهم غير المعلوم. شموخ النخيل عزة وشغور الشواطئ قهره وبدأ يتأهب للعمل اقتربنا منه وسألنا عن صورة الشاطئ قبل سنوات، وبمرارة قال: " كان يشغى بالبشر والناس زوار وأهالي ومحال وكافتيريات". يمسك قلاعه داعيًا ربه لحصد خيرات البحر سعيد بكير- أحد أفراد عائلة النائب رحمى بكير - في العقد الرابع من العمر امتهن الصيد عن أبيه وتحولت إلى هواية، ويطوف شوائط المدن الساحلية بحثا عن الرزق وإرضاء للنفس. ورث الصيد هواية وعلمها لابنه بشواطئ العريش يقول بكير باللهجة العريشية: «إننى حاصل على شهادة من الاتحاد المصري في الغوص والسباحة والإنقاذ وفرتها لنا وزارة الشباب وتدربنا على يد الكابتن نبيل الشاذلي، وحاضرنا عددا من اللواءات». يضيف سعيد بكير: «نزول البحر كيف عندى زى السيجارة، ومهنة مش مشروطة بالصيد، ولفيت على شواطئ كتير دمياط وإسماعيلية وبورسعيد وغيرها بحثا عن أكل العيش». الأمواج في المتوسط تنادي محبيها وحدثنا عن أنواع الشباك المستخدمة في الصيد، وأكد أن أفضل أنواع الشباك الإسرائيلى والتي كانت تتواجد خلال حقبة زمنية حال عهد الرئيس السابق مبارك، ويليها في الجودة الألمانى والتركى وغيرها. وكشف بكير عن أن الشباك الإسرائيلي كانت تباع بالأسواق وفق الطلب والحاجة وتأتى بطرق لا يعلمها، إنما كانت ذات جودة عالية، ووصف عهد الرئيس المعزول مرسي ب" الخراب والبلاد كانت بتضيع والأمن كان في إجازة وقتها، بس مصر محفوظة وأهلها رجالة". ويقول: "طبعًا الأمان قبل أكل العيش، وتوفير الحماية أفضل من الثراء، الواحد يكون مطمن على أولاده حتى لو وسط الحرب، مصر بترجع للأمان بعد ماغار المحروق مرسي". يخرج من بيته بحثا عن الرزق،رافعًا ما قاله الحسين صفي الدين الحلي بن على (فدعِ الحرصَ على الرزقِ فما ... دُمتَ فيها باقيًا فالرزقُ باقْ وارضَ بالقسمةِ واعلمْ أنه ... لا يقي مما قضاهُ اللّهُ واقْ). وأوضح "بكير" أنه يخرج ليرمى شباكه في باكر اليوم أو عصره ويتركها لليوم التالي لتصطاد ما حل وطاب والمقدر والمقسوم، واضعًا في الاعتبار مواعيد الحظر المفروضة على المنطقة ليتلافى أي عقوبات ويساهم في تحقيق الأمن والأمان. ويؤكد أن شباكه معروفة من شباك الآخرين، ووالصيادون لا يتجاوزون في حق بعضهم، بعض فلا يجور أحد على حق أو شباك صاحبه. وعن صيده لو فاض بالخيرات يبيع شروات للمحبين وجيرانه، وان لم يفضٍ فإنها يكتفى بالأسماك لبيته وأهله. وحدثنا عن أشهر أنواع الأسماك بالعريش، منها الدنيس والبوري، والسردين أو البورى وهما الكبير والصغير دهبان، التونة والسيجان، الشبار وغيرها. وألمح إلى إن هناك مواسم للأسماك مثل غزلان وأبو منقار وقاروس أوغيرها، كما يوجد أسماك قمرية واخرى شمسية تظهر بالبحر في اوقات بعينها ليمكن صيدها، وتابع: أن المخاطر لا تمنعنى عن العمل والبحث عن رزقي.. مختتمًا بقول الشافعي توكلتُ في رزقي على اللّهِ خالقي وأيقنْتُ أن اللّهَ لاشكَّ رازقي.. وما يكُ من رزقي فليس يفوتُني ولو كانَ في قاعِ البحارِ العوامقِ.. سيأتي به اللّهُ العظيمُ بفضلِه".