حمل شباكه بعد أن فكك خيوطها المتداخلة وربطها إلى كف يده بإحكام، وبدأ جولته في مياه البحر الضحلة بين صخور الشاطئ، ليتوقف للحظة قبل أن يلقي شباكه بحركة سريعة، تنم عن خبرة فائقة نحو سرب من أسماك "البوري" الكبيرة. وبدقة وحرفية عالية بدأ الشاب الفلسطيني محمود الهسي (20 عاما) بسحب شباكه التي علقت فيها سبع سمكات إلى رمال الشاطئ، ليعلن لأصدقائه الذين يرافقوه في رحلته التي بدأت قبل شروق الشمس عن صيده الذي وصفه ب"الكنز"، فهذه هي المرة الأولى منذ عدة أسابيع التي يصطاد فيها هذا العدد من الأسماك كبيرة الحجم. وقبل أن ينتهي من استخراج صيده من الشباك، عرض رجل عجوز على الهسي شراء أسماكه مقابل مبلغ 90 شيقل (23 دولار) فقبل الأخير على الفور فهذا المبلغ يمثل أقصى ربح حققه منذ بداية عمله في هذه المهنة قبل عام واحد. وبينما كان ينتزع الطحالب البحرية التي علقت بشباكه ليبدأ جولة صيد جديدة، يقول الهسي لمراسل الأناضول "لجأت إلى الصيد بشباك الطرح (شباك تستخدم لصيد الأسماك من المياه الضحلة والمناطق الصخرية القريبة من الشاطئ)، بعد أن عجزت عن العثور على فرصة عمل مناسبة بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها غزة". ويضيف "أبدأ عملي منذ الساعة الخامسة فجرا، ولا أعود إلى المنزل إلا بعد مرور عشرة ساعات اصطاد خلالها كميات محدودة من الأسماك الصغيرة، والمتوسطة، التي لا يتجاوز وزنها في أحسن الأحوال ثلاثة كيلو جرام، أبيعها بمبلغ يتراوح ما بين 20 إلى 50 شيقل (الدولار يعادل 3.8 شيقل)، وفي بعض الأيام لا أتمكن من اصطياد شيء". ولجأ الصياد الشاب إلى صنع شباكه بنفسه بسبب ظروفه الاقتصادية السيئة، فسعرها في السوق يتجاوز ال120 دولار، فيما بلغت تكلفة صناعتها 50 دولارا فقط، بحسب قوله. "الهسي"، ليس وحده من هرب من البطالة إلى صيد الأسماك، فعشرات الشباب الفلسطينيين في غزة أصبحوا يقبلون على هذه المهنة، رغم خبراتهم المحدودة ليوفروا مصدر رزق لهم في ظل ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة بالقطاع إلى مستويات قياسية. وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانا قال فيه إنّ نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت إلى 43 %، وهي الأعلى في العالم، في حين ارتفعت البطالة في صفوف الشباب إلى ما يزيد عن 60% بحلول نهاية عام 2014، وهو أمر "يدعو للقلق"، وفق البنك الدولي. وقال ستين لو يورجينسون المدير الإقليمي للبنك الدولي في أراضي السلطة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) "تعتبر أرقام البطالة والفقر في قطاع غزة مقلقة جداً، والتوقعات الاقتصادية مزعجة نظراً لعدم قدرة الأسواق القائمة في غزة على توفير فرص عمل، مما ترك شريحة واسعة من السكان ولا سيما الشباب في حالة من اليأس". وأضاف يورجينسون "تسبب الحصار المستمر وحرب عام 2014 بآثار مدمرة على الاقتصاد في قطاع غزة وعلى معيشة الناس". وعلى مقربة من صخور ميناء مدينة غزة كان الشاب الفلسطيني سائد الأطرش (23 عاما) يلقي شباكه تجاه مجموعة من أسماك "السروس" صغيرة الحجم، ولكنه فشل في مهمته بعد أن اختفت بين الصخور والطحالب البحرية. وبعد أن خرج من المياه ألقى شباكه، التي علق فيها طحالب وأصداف بحرية مزقت جزء كبيرا منها، على رمال الشاطئ وأتبعها بجسده المنهك، قائلا لمراسل الأناضول "هذه جولة الصيد العاشرة منذ الصباح بلا جدوى سأجمع شباكي وأغادر.. يبدو أني لن أحقق شيء اليوم". وبعد أن لملم شباكه الممزقة وأمتعته، أضاف "لا أملك ما أفعله غير الصيد، سأصلح الشباك وأعود في وقت مبكر غدا لعلي أنجح في الحصول على صيد ثمين، هذه ليست أول مرة أفشل فيها فأنا مجرد هاوٍ لجأت لهذه المهنة لأوفر مصروفي اليومي". وبينما كان "الأطرش" يغادر، خرج شاب آخر وعلامات السرور تغمر وجهه بعد أن تمكن من صيد كمية كبيرة من أسماك "البوري". ومع اقتراب موعد غروب الشمس يجمع الصيادون الهواة أمتعتهم وشباكهم ويغادر بعضهم إلى منازلهم، وآخرون ينشغلون ببيع ما اصطادوه من أسماك للمصطافين على شاطئ البحر الذي يعد المتنفس الوحيد للغزيين مع دخول فصل الصيف. وتفرض إسرائيل حصارًا بحريًا وبريًا وجويًا على غزة، منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية يناير 2006، وشددته عقب سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي. ويعيش حوالي 1.8 مليون مواطن في قطاع غزة واقعا اقتصاديا وإنسانيا قاسيا، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي.