البحر من أمامهم والفقر من خلفهم، هذا هو حال الصيادين فى غزة، والذين كلما حاولوا الهروب من قسوة الفقر، قابلتهم الشباك الحدودية التى تحرم عليهم الصيد ليس داخل الحدود المصرية أو الإسرائيلية فقط، وإنما حتى فى حدود قطاع غزة!!، وإذا ما حاولوا الاقتراب من هذه الحدود الوهمية، دون حتى تجاوزها، حاصرتهم قوارب سلاح البحرية الصهيونى بنيرانها، لتتحول زرقة البحر فى لحظة إلى لون أحمر يطهر البحر من دنس الصهاينة. محمود حسو صياد غزاوى، عمره مرتبط بعدد خيوط شبكته ومركبه العجوز، لا يجيد أى مهنة سوى صيد السمك، ولا يعرف مكاناً لعمله سوى البحر، الذى أتى الحصار الصهيونى ليضع عليه حدوداً لا تزيد عن 25 كيلو متراً، وجرم على الصياد الفلسطينى تجاوزها، بالتزامن مع فترة تنفيذ معاهدة السلام كان عندنا مجال الصيد مفتوحاً من غزة حتى العريش، إلى أن تحددت الحدود مع استلام السلطة الفلسطينية، فتحدد لنا مسافة 35 كيلو متراً للصيد. قبل الصياد الفلسطينى أن يتم خنقه فى 35 كيلو متراً فقط فى البحر، إلا أن الصهاينة كان لهم رأى آخر، الإسرائيليون يؤكدون أن الحدود البحرية تقتصر على 25 كيلو متراً فقط، لأنهم يحسبون الحدود بشكل مائل، والصحيح أنها تحسب بشكل طولى، وبالتالى قلت المساحة المسموح فيها للصياد الفلسطينى بالصيد، وهو ما أدى إلى حالة من الركود، حيث قل السمك، بل وانعدم فى العديد من الأحيان. الحصار الصهيونى لم يؤثر فقط على الحدود البحرية التى قلصها، وإنما أيضا فى أسعار المحروقات التى زادت بشكل جنونى، الأمر الذى أثر على الجميع بما فيهم الصيادين، "ارتفعت أسعار السولار الذى نشغل به ماكينات وقوارب الصيد، فقد وصل سعر ال 60 لتراً إلى أكثر من 300 شيكل، ونحن عندما نخرج للصيد لا نتحصل حتى على ثمن السولار فى ظل قلة الأسماك"!. رفض الصهاينة فتح الحدود البحرية أو توسعتها، فعلق الصياد الفلسطينى أمله على أشقائه فى مصر "ضيق الحدود إلى جانب الحصار أدى بنا إلى وضع صعب جداً، وقد طلبنا أكثر من مرة من الإسرائيليين فتح الحدود لنصطاد ولو حتى تحت سيادتهم، إلا أنهم رفضوا، ولذلك فنحن نرى أن الحل الوحيد للخروج من أزمتنا هو فتح الحدود للصيد من ناحية مصر، كما كان فى السابق، فقد كنا نصطاد فى رفح والعريش والبردويل، كان مجال الصيد واسعاً والرزق هائلاً، فنحن كصيادين لم نعرف البطالة، نحن ولدنا فى البحر، ويدينا فى الشباك". ناهض العمودى، صياد فلسطينى، كان فى ميناء غزة يصلح بعض التلفيات فى شباك الصيد الخاصة به، لم يكن ما يقوم به ناهض عملاً هاماً، بقدر ما كان محاولة لقتل الوقت بدلاً من البطالة التى تطارده!!، قال ناهض، أدى ضيق الحدود إلى قلة الأسماك، مما أثر على حركة البيع والشراء التى تنعدم فى العديد من الأيام، وبالتالى تأثر المواطن الغزاوى الذى أصبحت تمر عليه أسابيع بل وشهور لا يذق فيها طعم السمك!!. ضيق المساحة المسموح فيها بالصيد فى قطاع غزة، يؤدى إلى ندرة السمك، وخاصة مع وجود 3500 صياد فلسطينى فى غزة، ولذلك فالكل يستعيض بالنوة عن الخروج إلى مناطق أخرى "فترة النوة تغير معالم البحر فيأتى سمك جديد من ناحية حدود مصر، فالخير يأتى دائما من حدود مصر، ويزداد الصيد، أما قبل النوة فقد جلسنا لمدة شهر كامل على الشاطئ، حيث لم يكن يوجد فى البحر ما نصيده. ويكمل ناهض العمودى حديثه قائلاً، فى ظل الوضع المتردى الحالى، تصرف لنا وكالة الغوث بدل بطالة يصل إلى 265 دولاراً شهرياً، وهو رقم لا يكفى إلا مصروف عشرة أيام فى غزة، وعندما نعيش فى حالة تقشف يكمل نصف شهر فقط، أما بقية الشهر فلا يسأل أحد كيف نعيش!. محمود، فى نهاية العشرينات من عمره، رغم المعاناة والحصار وضيق الرزق اختار البحر ليكون مصدر رزقه الوحيد، كما كان مصدر رزق آبائه وأجداده من قبله، كما يقول، رغم أن الكثير من الصيادين فى ظل ضيق الحال قرروا أن يتركوا البحر، إلا أننا لازلنا نبحث فيه عن رزقنا، حيث أننا ليس لدينا أية حرفة أخرى نعيش منها. وكما يحرق الصهاينة الأخضر واليابس على أرض فلسطين، فإنهم يحرقون أيضا قوارب الصيد فى بحرها، الإسرائيليون يحرقون قواربنا حتى لا نصل إلى مناطق الصيد، بل ويقتلون أيضا الصيادين، كما حدث مؤخراً حين قتل الصهاينة اثنين من الصيادين أثناء عملية إطلاق نار على قواربهم، بالإضافة إلى العديد من حالات الاعتقال للصيادين قرب السواحل الإسرائيلية، إلى جانب ضرب النار العشوائى الذى يصيب العديد من الصيادين والمراكب والقوارب الخاصة بالصيد والتى تغرق فى البحر من جراء إصابتها بالرصاص الإسرائيلى، ولكننا نعاود تصليحها ونستأنف الصيد بها. الإرهاب الصهيونى ضد الصياد الفلسطينى لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما وصل إلى تقطيع الشباك المتعمد، والتى نجلس أياماً وليالى نصلح فيها، ولكن ما باليد حيلة نخاطر بحياتنا بين أمواج البحر وأمطار الرصاص الصهيونى من أجل لقمة العيش، محمود أكد لنا أن ما يحدث فى غزة ليس بعيداً عن مصر ولا عن أمنها القومى "حياتنا متعلقة بمصر، فالأمن القومى المصرى مرتبط بغزة، والتى إذا استبيحت ستضيع مصر، لذلك فنحن نطالب بمراعاة مصر للقضية الفلسطينية بشكل قوى خلال الفترة القادمة". أما رجب الهس، فقد اشتكى من أن ضيق الحدود لا يسمح للصياد الفلسطينى بالوصول إلى عمق معين يستطيع فيه اصطياد أنواع معينة من الأسماك "لم يعد حتى فى إمكاننا الوصول إلى الحدود الفلسطينية لنبدأ الصيد، فنحن يجب أن نتعمق فى البحر، فالأسماك لا تظهر إلا فى العمق، فمثلاً سمكة "شيطان البحر" لا تظهر إلا على عمق 150 متراً، وفى ظل ضيق الحدود لا نستطيع الوصول إليها، وفى أقل من ساعتين نكون قد لففنا المنطقة المحددة للصيد، وعادة ما يكون لا يوجد بها أسماك، وبالتالى نضطر للعودة، وهو ما يعنى أننا نستهلك السولار رغم أسعاره العالية دون أى جدوى"، مطلب فتح مصر لحدودها البحرية أمام الصياد الفلسطينى طرحه مرة أخرى رجب الهس، إذا قامت السلطات المصرية بفتح الحدود البحرية أمامنا، سيكون الرزق مفتوحاً ونستطيع أن نعيش حياة كريمة. فى المقابل شهد سوق السمك بمنطقة مخيم الشاطئ حالة من الركود التام فى ظل ارتفاع أسعار الأسماك، الناتجة عن قلة الكميات المعروضة، الأمر الذى أدى إلى انعدام الإقبال تماماً من المواطنين الفلسطينيين، يقول حاتم محمود صاحب محل بيع أسماك ب"حلقة السمك" فى مخيم الشاطئ، إن سوق السمك حالياً يشهد حالة ركود كاملة بسبب ارتفاع الأسعار الجنونى الذى انتاب السوق، فانعدمت حركة البيع والشراء وتوقف التصدير، حيث إن الحصار أوقف دخول السمك المصدر إلى غزة، بعدما كان من أشهر البلاد المنتجة والمستهلكة للسمك فى المنطقة. أسعار السمك وصلت لأسعار مرتفعة جداً فى القطاع، حيث وصل سعر كيلو السمك الوقار إلى 90 شيكل، والسلطان 50 شيكل، والجزع العريشى 30 شيكل، أما الجمبرى فوصل سعره إلى 80 شيكل للكيلو الواحد، وهو ما أثر بالسلب على المواطن الفلسطينى، كما يؤكد حاتم محمود الذى أضاف، أن ذوى الدخول المرتفعة بغزة أصبحوا يشترون سمك مرة واحدة فى الشهر، أما متوسطى الدخول والفقراء فقد خلت مائدة غذائهم من السمك للعديد من الشهور!!. موضوعات متعلقة.. ◄ هنا غزة التى مازالت على قيد الحياة ◄ عائلة سويلم أول من يستقبل الاجتياحات الصهيونية ◄ مأساة تحت القصف والحصار والسبب فتح وحماس.. قبل إسرائيل ◄ العامل الفلسطينى آلة متوقفة عن الإنتاج فى ظل الحصار ◄ حصاد الفلاح الفلسطينى فى موسم الحصار