هي واحدة من أغرب القضايا، بل يمكن القول إنها مأساة إنسانية بكل المقاييس.. بطلها رجل وزوجته وقعا ضحية لعصابات الاتجار في الأعضاء البشرية.. الأول باع كليته ليشترى بثمنها "توك توك"، لكنه خسر جزءًا من جسده، وضاع التوك توك.. أما الثانية فقد باعت كليتها أيضًا ولم تحصل على ثمنها.. المثير في الأمر أن كلا منهما لم يخبر الآخر بما حدث معه، إلى أن كشفت الصدفة تفاصيل أغرب من الخيال يرويها محقق "فيتو" في السطور التالية: المأساة الإنسانية تم اكتشافها بالصدفة عندما توجه "إيهاب" إلى مركز شرطة أوسيم لتقديم بلاغ عن سرقة "التوك توك" الخاص به من أمام منزله بعد ساعات قليلة من شرائه.. وأثناء مناقشة ضابط التحقيقات له عن ظروف وملابسات السرقة قال بشكل عفوى: "يا باشا انا بعت اللى ورايا واللى قدامى، وكمان بعت كليتى علشان اشترى التوك توك".. قاطعه الضابط مستغربا: "بعت كليتك لمين؟ دى جريمة".. تلعثم الرجل في الكلام، وأكد للضابط أنه قال هذه العبارة، حتى تبدى الأجهزة الأمنية اهتمامًا بالبلاغ وتعيد له مركبته في أسرع وقت. طلب الضابط منه أوراق ملكية التوك توك، فقال إنها ليست معه في الوقت الحالى وسيذهب لإحضارها من المنزل، خرج من مركز الشرطة مسرعا وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.. علم محقق "فيتو" بالحوار الذي دار بين الضابط وبين "إيهاب"، وأيقن أن هناك سرا دفينا وراء هذا الرجل، وبعد بحث طويل توصل إلى مكان إقامته في إحدى قرى مركز أوسيم بالجيزة، فانتقل إليه واستمع منه إلى تفاصيل أغرب من الخيال. قال إيهاب: "أنا رجل بسيط عمرى 40 عاما.. قبل سنوات تعلق قلبى بفتاة وتمنيت الزواج منها، غير أن ضيق ذات اليد حرمنى منها وتزوجت من رجل آخر.. مرت الأيام والسنوات وجمعنى القدر بها مرة أخرى بعد أن طلقت من زوجها.. قررت الزواج منها رغم إنجابها طفلين، لكننى اصطدمت بقلة الأموال، وتملكتنى حالة من الحزن والإحباط الشديد، وشعرت أن حلم حياتى سيضيع من بين يدى كما حدث في السابق.. ذات يوم كنت جالسا في مقهى بالقرية، وجلس بجوارى شخص يعرفنى اسمه "فاروق".. سألنى عما يحزننى وأخبرته بكل شيء، فضحك ضحكة ساخرة وقال: "الموضوع بسيط.. انت مش فقير.. أنت صاحب أملاك".. استغربت من كلامه وشعرت بأنه يسخر منى، وقبل أن أنطق بكلمة استطرد: "أنت قوى البنية وتمتلك داخل جسمك أعضاء يمكنك بيعها وحل مشاكلك كلها، خصوصا الكلى وأنا على استعداد لمساعدتك في هذا الأمر". صمت الرجل قليلا وأضاف: "بعد تفكير طويل قررت بيع كليتى.. اتصلت بفاروق وأخبرته بموافقتى، وعلى الفور بدأنا في الإجراءات، وكانت الخطوة الأولى هي تحديد السعر، واتفقنا بعد مناقشات على أن أحصل على 10 آلاف جنيه، و"توك توك".. والخطوة الثانية كانت في اليوم التالى مباشرة، حيث ذهبنا إلى مستشفى خاص وهناك أجريت لى التحاليل والفحوصات اللازمة، والتي أكدت أن حالتى جيدة والكلية تعمل بكفاءة عالية.. دخلت مع فاروق في غرفة أخرى التقيت فيها مع امرأة قدمها لى على أنها كبيرة طاقم التمريض.. طلبت منى توقيع إيصال أمانة على بياض، وعندما اعترضت قالت لى إن هذا الإيصال مجرد "ورقة" لضمان أننى لن أبلغ عما يحدث.. وقعت الإيصال وتسلمت 5 آلاف جنيه كمقدم للصفقة.. وفى اليوم التالى التقيت فاروق في موقف سيارات الأجرة، وتوجهنا إلى نقابة الأطباء، وهناك تقابلنا مع شخص يبدو أنه يعمل في النقابة، وأخبرنى ببعض الأشياء التي على أن أقولها أمام المسئولين، وأهمها أننى جئت للتبرع بكليتى لشخص يدعى الحاج "سالم" دون الحصول على أي مبالغ مالية، ثم تقابلت مع "سالم" نفسه وصعدت معه إلى اللجنة المختصة، ووقعت على أوراق تبرعى بالكلية، وبعد خروجنا من نقابة الأطباء حصلت على 5 آلاف أخرى ليصل إجمالى المبلغ إلى 10 آلاف جنيه، وأكدوا لى أنهم سيتصلون بى لتحديد موعد إجراء العملية وبعدها سأحصل على توك توك". واصل إيهاب سرد حكايته مؤكدًا أنه سارع بالتقدم لمحبوبته وتزوجها بالفعل خلال أيام قليلة، واستأجر لها شقة جديدة وأقاما معا فيها وأعطاها بعض الأموال.. بعد فترة قصيرة من الزواج اتصل به فاروق وطلب منه الحضور لإتمام الاتفاق، فأخبر زوجته بأنه سيسافر لعدة أيام في مهمة عمل.. توجه إلى المستشفى وهناك خضع لجراحة نقل كلية، وعندما أفاق وتحسنت حالته الصحية بعض الشيء، عاد إلى زوجته وكانت تبدو عليه علامات الإرهاق الشديد، وادعى أنه تعرض لحادث طريق أدى إلى جرح في جانب بطنه.. بعد أيام قليلة اتصل بفاروق وطلب منه إحضار ال "لتوك توك" كى يعمل عليه، وبالفعل استلم المركبة ووضعها أمام منزله، لحين انتهاء إجراءات نقل ملكيتها، ثم كانت الكارثة الكبرى عندما فوجئ بسرقة "التوك توك".. أسرع إلى مركز الشرطة لتقديم بلاغ بالواقعة غير أنه خشى من أن يقع تحت طائلة القانون بتهمة الاتجار في الأعضاء البشرية. لم تتوقف الأحداث في هذه الواقعة عند هذا الحد، فعندما اختفى التوك توك، أخبر إيهاب زوجته بكل التفاصيل، وأنه باع كليته.. فاجأته بأنها أيضًا ضحية عملية نصب كبرى من قبل مافيا الأعضاء البشرية، وأوضحت أنها بعد طلاقها مرت بظروف مادية صعبة، وأقنعتها عاملة في أحد المستشفيات الخاصة ببيع كليتها مقابل 15 ألف جنيه، غير أنها حصلت على 5 آلاف فقط ولم تأخذ المبلغ الباقى، وعندما طالبت به هددوها بالسجن باستخدام وصل الأمانة الذي وقعت عليه قبل إجراء العملية.. الزوجة أكدت لمحقق "فيتو" أنها وزوجها تعرضا لعمليتى نصب فقدا خلالها كليتيهما.. وطالبت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد مافيا سرقة الأعضاء البشرية، التي مازالت تمارس نشاطها دون حسيب أو رقيب.