سنوات وراءها سنوات أخرى من التفانى في العمل ونجاح متواصل حققه رجال «مصر للطيران»، لكن اليوم الصورة غير الصورة والوضع مختلف تمامًا، ولا مقارنة ما بين اليوم والأمس؛ لأن المفاهيم اختلفت والمصالح أصبحت هي الحاكمة بصرف النظر عن مصلحة الشركة التي تمر بأسوأ أوضاعها منذ تأسيسها عام 1932. في لحظة فارقة فاجأ عدد من المهندسين بشركة "مصر للطيران" للصيانة والأعمال الفنية، العاملون بالطيران المدنى بتصريحات نارية تحمل في طياتها رسائل تهديد لقيادات الشركة بالإضراب عن العمل حال إصرار المسئولين على عدم إقرار زيادات في رواتبهم اعتبارًا من الشهر المقبل، ما يهدد مستقبل الشركة ويؤثر في تشغيل رحلاتها حال تنفيذ تهديداتهم. ولا يمكن لمسئولى «مصر للطيران للصيانة والأعمال الفنية» تجاهل التهديد السابق، وصاروا مطالبين بأخذه بجدية لا سلبية حرصًا على سمعة الشركة ومكانتها بين شركات الطيران في المنطقة وعدم التهاون معه لأنه قد يكون له آثار سلبية حال حدوث أزمة مفاجئة. لكن التلويح بالإضراب بات سيناريو متكررا من حين لآخر ويشعر الجميع بالإحباط، ورأى البعض أنه لا يمكن أن يحقق العاملون بالشركة مطالبهم بنظام «لى الذراع»، ورغم كل هذه التصرفات والممارسات المزرية فإن المسئولين في «مصر للطيران» حاولوا تهدئة الأجواء وتصفية النفوس في محاولة لرأب الصدع داخل شركة الصيانة. حاولت القيادات «لملمة أوراق الأزمة»، فعقدوا لقاءات مع العاملين بالشركة لتهدئتهم، وشهدت حضور صفوت مسلم، رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران والمهندس أبو طالب توفيق، رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران للصيانة والأعمال الفنية، وتعهدوا بإقرار زيادات اعتبارًا من يوليو المقبل إلا أن المهندسين قابلوا تلك التعهدات بإصرار على معرفة قيمة الزيادة لتحديد موقفهم سواء بالرفض أو الموافقة. وأمام إصرار المهندسين رفع مسئولو الشركة شعار «التحفظ على إعلان قيمة الزيادة»، وهذا لم يعجب المهندسين الذين أنابوا بعض زملائهم لحضور لقاءات مسئولى «مصر للطيران للصيانة والأعمال الفنية»، ما أدى في النهاية إلى ارتفاع درجة حرارة سخونة الأزمة، وسط غياب تام لوزير الطيران شريف فتحي. وزارة الطيران المدنى تتعرض لتهديدات مستمرة بالإضراب، بدأت بأزمة الطيارين في أبريل الماضى والتي شهدت تباطؤا في حركة الرحلات وتسببت في تأخير الرحلات وإلغاء رحلات أخرى، وكانت بسبب مطالبهم بزيادات مالية ولم تهدأ إلا بعد وعود المسئولين بتلبية مطالبهم اعتبارًا من الشهر المقبل أيضًا. إلا أن الموافقة للطيارين على مطالبهم، شجعت فئاتا أخرى على المطالبة بما سمته «حقوقها» مستندة إلى تحقيق شركة مصر للطيران لأرباح مالية سنوية دون النظر إلى الأوضاع المالية التي تمر بها الشركة، وتهدد بعدم قدرتها على المنافسة في سوق النقل الجوية في ظل للأعباء المالية التي تتحملها، ومن بينها مرتبات العاملين وتقدر ب400 مليون جنيه شهريًا، والديون التي تحاصرها من كل جانب وخطتها الإستراتيجية في تعظيم أسطولها الجوي. على الجانب الآخر، يترقب العاملون بالشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية والشركات التابعة لها أي زيادات تقرر للعاملين بمصر للطيران، للمطالبة بزيادة مماثلة بحجة أن كل الشركات التابعة للقابضة للمطارات شركات تحقق أرباحًا سنوية ولديها مستحقات مالية لدى «مصر للطيران». موقف المهندسين ومن قبله الطيارون يشعل الأزمة ويهدد بالخطر في المستقبل حال تنفيذ التهديدات التي أعلنوا عنها دون أن يدركوا عواقبها والأزمة التي تحاصر الشركة الوطنية، خاصة أن الخروج من عنق الزجاجة يأتى من خلال أبنائها، لكن التخوف الآن أن الخطر ربما يأتى من أبنائها أيضًا.