الحقبة الناصرية قضت على الجمعيات بدعوى الخروج عن المسار السادات منح المنظمات حرية مشروطة وتدخل فى عملها مبارك اعتبرها «سبوبة» فكتبت كلمة النهاية فى حكايته ينظر البعض إلى منظمات المجتمع المدنى فى مصر على أنها طفل صغير مازال يحبو، بينما التاريخ يذكر أن عمر أقدم جمعية أهلية فى المحروسة يقترب من مائتى عام، وقد لعبت تلك المنظمات دورا ضاغطا على الأنظمة والحكومات المتعاقبة انتهى إلى قيام ثورة يناير والاطاحه بالرئيس السابق حسنى مبارك وصحبه من عليائه. تشير دراسة للدكتورة هويدا عدلي أستاذة العلوم السياسية ورئيس وحدة المجتمع المدني بمركز العقد الاجتماعي إلى أن الجمعيات الأهلية تعد أقدم فصائل المجتمع المدني في مصر حيث نشأت أول جمعية أهلية عام 1821 وهي الجمعية اليونانية في الاسكندرية وكانت مختصة بشئون الجالية اليونانية فقط ، وتوالت إنشاء الجمعيات الثقافية بعد ذلك كجمعية معهد مصر للبحث في تاريخ الحضارة المصرية عام 1859 وجمعية المعارف عام 1868 والجمعية الجغرافية عام 1875 ثم توالى بعد ذلك إنشاء الجمعيات الدينية كالجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878 والجمعية القبطية الخيرية عام 1881 وجمعية المساعي وكان دور هذه الجمعيات تقديم الخدمات الصحية والتعليمية للمواطنين, وظهرت أيضا الجمعيات ذات الطابع السياسي كجمعية محفل التقدم وجمعية محبي التقدم وأيضا الجمعيات النسائية كالحركة النسائية التقدمية وكانت تلك الجمعيات تلعب دور الضغط على النظام الملكي والتنديد بالاستعمار الانجليزي لكن سرعان ما واجهها النظام الحاكم إما بتقليص نشاطها أو غلقها ، وازدهرت حركة إنشاء الجمعيات الأهلية بعد دستور 1923 والتي كانت تعتمد في تمويلها على تبرعات المواطنين وذلك لأنه سمح بحرية تكوين الجمعيات آنذاك ، وشهدت فترة الأربعينيات إسهامات من جمعية الرواد وجمعية النهضة بوضع الخطوط العامة لبرنامج الإصلاح الزراعي والضمان الاجتماعي ، وبعد عام 1945 تم الحد من إنشاء الجمعيات الأهلية في مصر حينما بدأ نشاطها ينمو ويتوغل في العمل السياسي والوطني إذ أنه كان لابد على الجمعية أن تحصل على موافقة وزارة الداخلية أولا قبل إنشائها مما قلل هذا الأمر من تزايدها وانتشارها . عبد الناصر والمواجهة وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر بدأت المواجهات مع منظمات المجتمع المدني وتم التدخل في إدارة شئونها وإيقاف قراراتها ثم تحويلها بعد ذلك لصالح أجهزة الدولة ، وتم حل الأحزاب السياسية عام 1953 وإنشاء التنظيم السياسي الواحد بدعوي انه يعبر عن الثورة وأهدافها ، كما قام النظام بحظر أنشطة الجمعيات الأهلية كأنشطة الاتحاد النسائي المصري واتحاد فتيات النيل وصدر في عام 1956 قانون فرض حل التنظيمات الأهلية واعتبر أن أي مخالفة له تعتبر جريمة تخضع لقانون العقوبات وكان ذلك أول سابقة تجعل المجتمع المدني يخضع للتجريم والعقاب ولهذا تم تعديله بإصدار القانون رقم 32 لسنة 1964 الذي تم بمقتضاه وقف اشهار أي منظمات مدنية أو جمعيات أهلية دون موافقة مسبقة من الوزارة المختصة ، فعبد الناصر كان يرى ضرورة إحكام قبضته على كل شيء في الدولة حتى لايقف أيا منها عائقا أمام مشروعه الثوري وتطبيق الاشتراكية وأنه لا داعي لوجود انشقاقات تتولى أمور المواطنين داخل الدولة كما كانت تفعل منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية طالما أن الدولة تقوم بهذه المسئولية اذ كان عدد الجمعيات الأهلية في عهد عبد الناصر عام 1960 يمثل 3195 جمعية بمعدل 8 آلاف مواطن فقط لكل جمعية من أصل 26 مليون مواطن مصري ، وتقلص هذا العدد عام 1964 بعد صدور قانون تقييد إنشاء الجمعيات الأهلية إلى 7 آلاف مواطن من أصل 28 مليون مصري ، وتعكس هذه الأرقام مدى تدخل نظام عبد الناصر في شئون إدارة الجمعيات الأهلية بالمقارنة لعددها عام 1900 في ظل الحكم الملكي الذي كان يبلغ 65 جمعية فقط لكن كانت بمعدل 149 ألف مواطن لكل جمعية من أصل 9 ملايين العدد الكلي للمواطنين ، وكذلك الحال عام 1925 بلغ عدد الجمعيات 300 جمعية وكانت بمعدل 47 ألف مواطن لكل جمعية من أصل 14 مليون العدد الكلي للمواطنين ، فعبد الناصر أحكم السيطرة على المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات الأهلية كلها فألغى جزء منها وأمم بعضها وكبل الآخرين بالقيود مما أدى لابتعاد المواطنين عنها . نظام ساداتي .. تحيا الحرية بالعودة مرة أخرى لدراسة د. هويدا عدلي نجد أن الجمعيات الأهلية شهدت بعض الحرية في إنشائها وممارسة عملها في عهد السادات ضمن المشروع الديمقراطي الذي تبناه وسماحه بقيام الأحزاب عام 1976، فسمح بتشكيل جمعيات التنمية وبعض جمعيات حقوق الإنسان طالما أنها لم تخرج عن السياسات التي وضعها النظام الساداتي لها ، لكن الجمعيات التي كانت تهاجم على سياسات الأمن أو النظام أو شخص السادات نفسه يتم اتخاذ الإجراءات ضدها فورا إما بالحد من نشاطها أو إيقاف عملها ، وظهر ذلك بوضوح في بعض منظمات المجتمع المدني والجمعيات التي عارضت معاهدة السلام مع اسرائيل فقام السادات بحلها وتعيين آخرين ممن يدينون بالولاء له ونظامه . مبارك وحقوق الانسان شهدت فترة الرئيس المخلوع مبارك من منتصف الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات تزايدا كبيرا في عدد منظمات المجتمع المدني كرد فعل لتراجع الدولة عن كثير من أدوارها في تقديم الخدمات فوصلت إلى 17 ألف جمعية وكان ذلك هو بداية ظهورها الواضح كجماعات ضاغطة تندد بسياسات نظام الحكم وتضعها في موقف الحرج أمام الدول الخارجية ، فتكونت منظمات حقوق الإنسان عام 1985 وعملت على رصد انتهاكات حقوق الإنسان من النظام الحاكم كتعذيب المواطنين في السجون وأقسام الشرطة وغيرها وكان ذلك يزعج مبارك بشكل كبير لأنها كانت تكشف صورته أمام العالم ، كما عملت أيضا بعض الجمعيات الحقوقية الأخرى على تفعيل الدولة للإشراف القضائي على الانتخابات لضمان نزاهتها وتفعيل الحياة الحزبية مثل الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات ، وهناك جمعيات ركزت على قضية مكافحة الفقر ، وأدى حصار الأحزاب المعارضة وغلق منافذها في العمل السياسي إلى دخول اليساريين والليبراليين في الجمعيات الأهلية وممارسة نشاطاتهم من خلالها واعتبروها منفذ يمكن ممارسة العمل السياسي والضغط على الحكومة منه فبدأ مبارك يعمل على تقييد هذه الجمعيات ، وكانت تتلقى تمويلها من الخارج بمعرفة الدولة لكن بشكل غير مباشر حيث أنه كان يدرج ضمن اتفاقية المعونات المقدمة من الدول والمنظمات الخارجية على أن تأخذ مصر حصتها من المعونة ويذهب الباقي للمنظمات والجمعيات . المجتمع المدني وخلع الديكتاتور جاءت الثورة كنتاج لحركة مستمرة للمجتمع المدني كما أشارت الكاتبة سحر ابراهيم الدسوقي في كتابها «مستقبل المجتمع المدني بعد ثورة 25 يناير» وكان ذلك من خلال منظماته ومؤسساته بالإضافة إلى التنسيقات التي كانت تتم بين الأحزاب والجمعيات من خلال شبكات الإنترنت عبر موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) والذي كان بمثابة الخلية التي تجمع فيها المئات المؤلفة للضغط على الحكومة من المنادين بالإصلاح والتغيير والذين ارتكزوا على إصلاح النظام والدستور ووقف مشروع التوريث والحفاظ على حقوق الإنسان والحريات ، وأبرز الحركات التي قامت بهذا الدور هي حركة كفاية التي مهدت الطريق منذ عام 2004 لحركات كثيرة أخرى مثل 6 ابريل والجمعية الوطنية للتغيير وكلنا خالد سعيد و9مارس وغيرها من الحركات الاحتجاجية حينما كسرت حاجز الخوف من بطش الحكومة ونادت ليوم الغضب ، وساهمت هذه الحركات في ازدياد الوعي السياسي للمواطنين وحشد الجماهير ضد النظام وتعليمهم كيفية التواصل معهم على شبكات الإنترنت والعمل الميداني والذي كان بداية الانطلاق نحو ثورة يناير ، وأثناء الثورة أصبح دور المجتمع المدني منصبا على رصد انتهاكات الثوار وتشكيل اللجان القانونية التي تتبنى إرادة الشعب لحل الأزمة والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وتوثيق يوميات الثورة والمطالبة بحرية تداول المعلومات وقت الأحداث والسماح للإعلاميين بنقل الحقيقة والتضامن مع مصابي الثورة الذين فقدوا القدرة على العمل والمعيشة . المجتمع المدني ومستقبله في صنع القرار السياسي هناك مسئولية كبيرة تقع على المجتمع المدني بعد ثورة يناير ليصبح فاعلا ومؤثرا في صنع القرار السياسي خصوصا في ظل تزايد عدد المنظمات الذي وصل إلى ما يقرب من 37 ألف منظمة الآن بالإضافة إلى أن العديد من المواطنين بدأوا اللجوء لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب والحركات السياسية بهدف الوصول للمصلحة المرادة التي يعلم أن الدولة في عجز عن تقديمها له ، ويأتي تفاعل هذه المنظمات مع المواطنين من خلال إطلاق الحملات والأنشطة المختلفة التي تهدف لإعادة بناء مصر مرة أخرى ، ونرى ذلك في حملات العديد من الجمعيات كجمعية رسالة في تقديم المساعدات للمتضررين من الثوار وحملات تنظيف الشوارع وحملات التبرع بالدم وأيضا حملات تنظيم أطفال قيد الحياة وجمعيات الأورمان الخيرية وحملات حقوق الإنسان على الفيس بوك وحملات حماية الآثار وغيرها ، لكن يظل المحور الرئيسي في أن تصبح هذه المنظمات ضاغطة ومشاركة في صنع القرار السياسي هو منهجيتها في العمل بمعنى أنه لو كان منهجها هو تقديم الخدمات فقط للمواطنين فلن تصبح جماعات ضغط على الحكومة للمشاركة في صنع القرار ولن تقدرعلى تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أما لو عملت هذه المنظمات على حشد الجماهير وتعبئتها في مواجهة السياسات الخاطئة للحكومة إضافة إلى أنشطتها الخدمية التي كانت تقوم بها فإن هذا يضمن لها المشاركة في عملية التحول السياسي والاجتماعي وفي صياغة القوانين والسياسات والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الشعب .