رمضان يعني تواشيح الفجر والمغرب، وإذا ذكرت التواشيخ كان «الشيخ النقشبندي» حاضرًا بقوة، فبصوته القوى الرقيق رسم لنفسه خطًا مستقيمًا تربع به على عرش مستمعي الإذاعة منذ سنوات طويلة، والآن صارت تسجيلاته تراثًا مميزًا لمصر. بمرور السنوات أصبح صوت الشيخ سيد النقشبندي من الأصوات النادرة، التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم، لكونه واحدا من المميزين في تقديم الابتهالات الدينية والتواشيح، واستطاع بما حباه الله من صوت ندي قوي، وخشوع وإحساس بالكلمات التي يتغنى بها، أن يعيش داخل كل مصري وعربي، وتفنن في الإنشاد والتوشيح فأصبح صوته يعلو بالابتهال وينطلق الإحساس من أعماقه فتلامس نفسه ووصلت بنفس الإحساس للآخرين. وفى قلب مدينة طنطابالغربية لا تزال أسرة الشيخ الراحل سيد النقشبندى تقيم في منزلها التاريخي، لتمد «فيتو» بعدد مميز من الصور التاريخية الخاصة بالشيخ مع أسرته وشخصيات سياسية والرئيس أنور السادات والسيدة أم كلثوم وغيرهم الكثير. ورغم كل ما سبق إلا أن من المفاجآت أن هذا الرجل لم يطرق أبواب الشهرة في القاهرة إلا بعد أن تجاوز عمره الأربعين بكثير، ولم يستمر سنوى سنوات معدودة ورحل في الخمسين، لكن ما كان يحمله أكبر من السنوات لتحقيق الشهرة بهذه الكلمات. الشيخ أحمد سيد النقشبدى الابن البكرى له المقيم بمدينة طنطا بجوار السيد البدوى قال: إن له أشقاء محمد «متوفى» وإبراهيم والسيد وسعاد ورابعة، موضحًا أن والده الشيخ كان همه الأكبر ترسيخ القيمة الإنشادية، وقراءة الابتهالات الدينية وليس جمع المال، مؤكدًا أنه رحل تاركًا ألف و100 جنيه ولم يترك عقارات. يروى «أحمد» قصة والده منذ أن كان في قرية دمير بمركز طلخا في الدقهلية عام 1920، قبل أن ينتقل طفلا بصحبة الأسرة إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، وهناك تربى تربية صوفية خالصة، وتأثر بالطريقة النقشبندية التي أخذ منها اسم شهرته، وكان والده هو شيخ الطريقة التي كانت تلتزم بالذكر بالقلب، وحفظ في تلك الفترة القرآن الكريم ونال حظا من الفقه، وقدرا من الشعر الصوفى الخالص، منه قصيدة البردة للإمام البوصيرى وأشعار لابن الفارض الشاعر الصوفى المصرى الشهير، وكان الذي تعمق في نفسه بقوة في تلك الفترة هو محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حبا يتميز بالصفاء حتى ليخيل لمن يستمع إليه أنه عندما كان يذكر اسم محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يخاطبه أمامه ويوجه إليه ابتهالاته. وواصل ابن الشيخ النقشبندى حديثه بالتأكيد على أنه عندما كان والده يبتهل كان الكل يتزاحم للاستماع إلى صوته الفريد الذي يدخل القلب، فكان بمثابة دفء للقلوب المثقلة بالهموم، وينطلق الأذان من بين شفتيه فيروى القلوب العطشى إلى الحب الإلهي. وقال: «والدى اشتهر في إحدى الاحتفالات الدينية في مسجد الحسين بالقاهرة، ثم ازدادت شهرته عندما بثت الإذاعة المصرية برنامجا تحت اسم (الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي)، وكان الشاعر حمد السيد ندا من الشعراء الذين كتبوا عددًا من القصائد الصوفية التي تغنى بها النقشبندى (الإنشاد والمديح)، حيث كان الشيخ سيد يعتبر الإنشاد فنا وجوهره المناجاة للخالق والدعاء له، موضحًا أن ابتهالاته احتلت مكانًا في وجدان المسلمين على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم. وبفخر أكد نجل الشيخ النقشبندى أن جميع الإذاعات العربية تذيع التواشيح والابتهالات الخاصة بوالده، وتحديدًا خلال شهر رمضان وحقق صيتا كبيرًا في العالم الإسلامي، فزار العديد من الدول العربية والإسلامية، موضحًا أنه زار دول الخليج وسوريا وإيران وعدد من دول المغرب واليمن، وفى الستينيات ذهب لأداء عمرة، وشدا بصوته بابتهالاته وأناشيده، وتصادف مرور مجموعة من المعتمرين الجزائريين «المتعصبين» فأوسعوا النقشبندى ضربا، ولولا دفاع مجموعة من المصريين لكان الشيخ فتك به. ظل الرئيس الراحل أنور السادات واحدًا من محبى صوت النقشبندي، وكان عندما يذهب إلى قريته في ميت أبو الكوم يبعث إلى النقشبندى لينشد له ابتهالاته في مدح النبى صلى الله عليه وسلم، وكان النقشبندى من مجموعة من المشايخ المقربين من السادات، وكان على رأسهم الشيخ محمد متولى الشعراوي، والشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر. والشيخ سيد النقشبندى حاصل على العديد من الأوسمة والنياشين من عدد من الدول التي زارها، كما كرمه الرئيس السادات -بعد وفاته- عام 1979 فحصل على وسام الدولة من الدرجة الأولى. كما كرمه الرئيس الأسبق حسنى مبارك بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى عرفانا بما قدمه الشيخ من ابتهالات وتواشيح دينية تخدم الإسلام والمسلمين، وكرمته محافظة الغربية التي عاش ودفن بها بإطلاق اسمه على شارع مدينة طنطا، لكنها لم تعلق لافتة باسمه حتى الآن. عاش الشيخ سيد النقشبندى حياته زاهدا عابدا محبا مخلصا كريما، وتوفى في 14 من فبراير 1976 عن عمر يناهز 56 عاما.