يبدو أن التئام الجروح التي تصيب الفئات التي أضيرت بفعل الثورات، أصعب بكثير من علاج الجروح العادية التي تكفى لعلاجها الأدوية والمضادات الحيوية وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على ثورة يوليو 1952، ما زال الأحياء الذين أضيرت مصالحهم وكان يطلق عليهم «أعداء الثورة، لم تشف جراحهم بعد ولا يخفون كراهيتهم التي امتدت إلى الأبناء والاحفاد، لمفجر الثورة جمال عبدالناصر رغم أنه رحل عن عالمنا منذ عام 1970. أما جراح أعداء ثورة يناير التي لم يمض عليها سوى خمس سنوات، فمازالت تنزف.. ويبدو أنها غير قابلة للالئتام، بل إنهم لا يعترفون انها ثورة رغم نصوص الدستور التي تؤكد أنها كانت خطوة البداية لثورة يونيو. ولا يعترف جرحى ثورة يناير بأنها كانت وراء التخلص من نظامين فاسدين، أحدهما استمر أكثر من ثلاثين عاما، نشر خلالها الفساد في أرجاء الوطن، ومنح جماعة يطلق عليها ظلما وصف رجال الأعمال، تفويضا بإدارة البلاد سياسيا واقتصاديا، فلم يهتموا سوى بتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب ملايين المصريين الفقراء، ما أدى إلى استفزاز المواطنين الشرفاء الذين اشعلوا ثورة يناير التي أطاحت بنظام مبارك الذي مازالت مصر تعانى من آثاره المدمرة. تلك الثورة العظيمة التي أشعلها الشباب الوطنى المخلص، وانضم إليها ملايين المصريين في مشهد رائع، اعترف به العالم أجمع، إلا جرحى الثورة سواء من الذين مارسوا سطوتهم لقمع المصريين، أو الذين حققوا ثرواتهم الحرام في ظل نظام مبارك، وبعض قيادات الشرطة الذين حصلوا على امتيازات غير مسبوقة بحجة حماية النظام، وجاءت الثورة لتحاسبهم على ما ارتكبوه من جرائم تعذيب للمواطنين، واستغلال للرتب الأصغر والمخبرين الغلابة والرشاوى التي حصلوا عليها للتستر على تجار المخدرات، ومرتكبى أبشع الجرائم الجنائية. ويجيء التحالف غير المقدس بين رجال الأعمال الفاسدين وبعض قيادات الشرطة الذين مازالوا يحلمون باستعادة نفوذهم القديم لمحاولة الانتقام من الذين شاركوا في إحداث الثورة، أو دافعوا عن أهدافها في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهى شعارات تزعج الذين حولوا اقسام الشرطة إلى مجازر تنهك فيها آدمية المصريين. وعندما حانت ساعة المواجهة تهربوا من الاستجابة لنداء الحكومة الحالية، التي أقرت قاعدة المصالحة، وتهربوا من دفع ما عليهم من استحقاقات وإعادة الأموال المهربة. والسؤال.. هل العداء للثورة ينحصر في أعضاء التحالف غير المقدس؟ الإجابة.. هناك قوى أخرى نتحدث عنها في المقال القادم.