سيادة وزير الداخلية, السادة المسئولين, عفوا, أنتم مخطئون. فالتصريحات الوردية بأن جهاز الشرطة بدأ مرحلة جديدة في خدمة الوطن وأبناء الشعب, ودعوات ضرورة إعادة الثقة بين رجال الشرطة والمواطنين, تبدو محاولات فاشلة لترميم علاقة انهارت أواصرها تماما وتحتاج لإعادة البناء. والدليل سلاسل حوادث الاشتباكات والعنف بين الطرفين وتوجس كثير من عناصر الشرطة من العودة لمواقعهم وأخيرا مشادة كلامية بين أحد الضباط وسائق ميكروباص, استخدم فيها كل منهما تراث متراكم من مشاعر الحقد والكراهية والتسلط, لتنتهي بمعركة ضارية. أطلق الضابط النار علي السائق بينما تدافع أهالي منطقة ميدان الجزائر بالمعادي ليشفي كل منهم غليله من جهاز الشرطة من خلال ضرب وسحج واعتداء علي الضابط حتي أغمي عليه. لم ينته الأمر عند ذلك, بل قاموا بإحراق سيارته, واتجهوا بعد ذلك للاعتداء علي قسم الشرطة, وفرضوا اعتصاما في المنطقة, التي شهدت انسحابا لعناصر الشرطة, لتفسح المجال إما للجان الشعبين أو لعناصر من البلطجية لفرض قانونهم. هذه ليست الحادثة الوحيدة ويبدو أنها لن تكون الأخيرة لحالة الاحتقان والعنف بين المواطنين والشرطة, لهيب تزداد حدة اشتعاله كل يوم. والسؤال كيف يمكن رأب هذا الصدع, وحل أزمة مجتمع لا يمكنه الاستغناء عن وجود الشرطة. وتتوالي تعليقات المواطنين:( نحن لازلنا غاضبين من موقف الشرطة في الأحداث الأخيرة, التي اقتنصت برصاصها الشباب والأطفال وحين احتجناهم ليحمونا من البلطجية والمساجين هربوا كالفئران داخل الحجور). (الشرطة شعارها الوحيد هو إذلال المواطن وإهانته). (الشرطة طول عمرها ليست في خدمة الشعب من عهد العادلي). ( لن أتسامح مع الشرطة حتي تظهر نتائج التحقيقات والمتسببين في قتل الشهداء وإصابة الآلاف من الجرحي)( احترموا الناس حتي تحترمكم). آراء مختلفة تؤكد أن الجرح غائر وممتد لسنوات طويلة من الخبرة السيئة, زادت مواقف الشرطة في ثورة52 يناير من تلوثه وأصبح لا بديل عن العلاج العميق, فلا اختيار سوي عودة الأمن للشارع. ولكن كيف يمكن أن تتم المصالحة بين مواطنين يعتبرون الشرطة رمز للقهر, العنف, الاستبداد, حتي انطلقت شرارة ثورتهم من موقع يندد بالتعذيب وإهانة الحرية والكرامة: كلنا خالد سعيد, وبين ضباط يحاسبون بسبب انتمائهم لجهاز ألقي عليه النظام كل خطاياه. )يجب إعطاء فرصة للضباط حتي يعود الانضباط للبلد, وأن يطبق القانون علي الجميع علي قدم المساواة سواء أكان ضابط أو سائق, واتخاذ الإجراءات الحاسمة لمعاقبة المخطئين( يقول أحد الضباط السابقين, مؤكدا أنه يجب ألا يأخذ جميع الضباط بذنب قياداتهم الفاسدة, التي كانت تتلاعب تحقيقا لمصالح شخصية ولخدمة النظام. (فالفشل السياسي والاقتصادي للنظام وأجهزته المختلفة, كان يلقي علي عاتق الأمن, والفساد الذي استشري في جسد المجتمع كالسرطان في السنوات الأخيرة طال بشكل كبير المؤسسة الأمنية, حتي أن من كان يرفض تنفيذ الظلم, كان يتعرض له). يقول الضابط الشاب الذي آثر الابتعاد عن جهاز الشرطة في الفترة الأخيرة مضيفا أنه من الضروري إعادة هيكلة وزارة الداخلية والاهتمام بتأهيل الفرد وليس بالإعداد. ففي السنوات الأخيرة لم يعد هناك أمن جنائي أو أمن عام, كما يجب تحسين دخول ضباط الشرطة, حتي يستطيعون مواجهة الضغوط المختلفة ولضمان نزاهتهم. ويضيف أنه يجب رفع الكفاءة التدريبية للضباط, وتأهيلهم لانتزاع الاعترافات والقبض علي المجرمين. فضابط الشرطة كما يقول ضابط أمن دولة سابق فضل الاحتفاظ باسمه, هو القادر علي أن يحكم البلد داخليا مؤكدا أنه يعلم أن كثير من الضباط الحاليين يعرفون جيدا أماكن المساجين والمجرمين وأماكن الأسلحة, لكنهم لا يتحركون لأن الناس ترفض وجودهم. فهم لا يريدون المواجهة مع الشعب كأعداء, فهو إما يضرب أو يضرب, فما حدث قبل الثورة كان به العديد من الخطايا, لأن الدولة حملت الشرطة كل ضعف أجهزتها ووزاراتها, فعام0102 كان عام الاعتصامات والإضرابات, في المصالح الحكومية والخاصة.. وكان الحل دائما ما يكون أمني, مما أحدث هذا العداء بين الداخلية والشرطة أما الآن فالنظام تغير, وبالتأكيد سوف تتغير وزارة الداخلية, لذا أدعو أن تختلف النظرة إلي الضابط قبل وبعد52 يناير. نظرة لن تتغير واشتباك لن يفض إلا من خلال استراتيجية واضحة وحقيقية للتغيير, كما يقول الحقوقي نجاد البرعي. (كتاب أبيض يوضح ازاي ح تتعامل الشرطة مع المواطنين, خاصة مع ميراث من الأساليب القهرية والسلوكيات العنيفة, فالضباط في حاجة إلي التأهيل النفسي والكشف الدوري لما قد يلحق بنفسيته نتيجة للتعامل الدائم مع المجرمين ومع نوعيات من الجرائم الشديدة القسوة). فالحل, من وجهة نظر نجاد البرعي لن يكون بتغيير الوجوه أو بعمل تنقلات للقيادات بين المحافظات والأجهزة ولكن من خلال إعادة بناء جهاز الشرطة حتي تعود الثقة مع المواطنين. (فلما لا تتم الاستعانة بوزير داخلية من خارج الشرطة, مثل تجربة زكريا محيي الدين بعد ثورة25, ولماذا لا يشارك المجتمع المدني وأساتذة الاجتماع وعلم النفس في التطوير حتي يشعر المجتمع أنه شريك, وحين ينزل الشرطي إلي الشارع يعلم تماما أن ما بينه وبين المواطن هو القانون, لا العنف والسلاح). ففي المعادي حين استخدم الضابط سلاحه, لم يرتدع الناس أو يهربون بل ازدادوا عنفا. فلقد آن الأوان لحلول جذرية لأن الناس المقهورة سنوات طويلة, أشعلتها ثورة التغيير الذي يجب أن يطول كل الأجهزة خاصة الشرطة. (فيمكن أن ندرب دفعات جديدة من الضباط أو المحامين الذين تنطبق عليهم الشروط في خلال مدة ستة أشهر أو سنة ونؤهلهم لأسلوب تعامل جديد مع الجمهور ثم ننزل بهم للشارع في محاولة لبناء جسور ثقة جديدة). ثقة وتنازل لا يمكن حدوثه كما يقول المعالج النفسي أحمد عبد الله بدون تحقيقات سريعة ومحاسبة حقيقية لرموز الفساد وللمتسببين في حوادث الموت والتعذيب وإلا فما حدث في المعادي لا يمكن اعتباره إلا مزحة, ليصبح الواقع فيما بعد مأساة من الصعب احتوائها. ولا يجب أن نتسائل بعد عدة سنوات لماذا ونحن المجتمع المتسامح يقتل ظباطنا في الشارع, كما يحدث في جنوب إفريقيا. أزمة وخطر حقيقي يحذر منه د. عبد الله متسائلا إذا ما كانت عقدت محاكم عسكرية سريعة أدانت أمناء الشرطة الذين اقتحموا مبني الداخلية وعاقبتهم فلماذا لم يحدث ذلك حتي الآن مع رموز الفساد في الداخلية والمتسببين في قتلي وجرحي وانفلات أمني في خلال الشهر الماضي. فعناصر الشرطة سوف يظلون يتحملون أخطاء نظامهم الفاسد, لو لم تتم المحاسبة السريعة. يقول عبد الله مضيفا أن الوضع في جهاز الشرطة يحتاج إلي ثورة تغيير, لتعود الشرطة إلي وظائفها الحقيقية من حماية للشعب ولكن بتكوين مختلف, يتفق ويتواءم مع العصر. فنحن بحاجة إلي تعلم كيفية إدارة الأزمة وكذلك التغيير, فالإرادة وحدها لا تكفي بعودة الشرطة إلي دورها الطبيعي كما يقول الخبير الأمني سامح سيف اليزل, ضرورة لتحمل مسئولية الأمن الوقائي والجنائي في الشارع المصري, وذلك حتي تعود القوات المسلحة إلي معسكراتها, وذلك حتي يشعر المواطن بالأمن علي حياته وحياة أسرته وممتلكاته وذلك باحترام الجميع للقانون. (يجب أن يضع كل شخص تصرفاته الشخصية في موضع المسئولية قبل أن يقوم بخرق القانون). يقول سيف اليزل مضيفا ضرورة أن تظهر الشرطة بمظهر وفكر جديد عند أداء دورها في الشارع, في أقسام الشرطة وفي الإدارات الخدمية المختلفة حتي تستطيع المصالحة مع المواطنين. فما حدث في المعادي مرفوض ويندرج تحت بند التهور وتصاعده نتيجة لتراكم الشحن والاحتقان الذي يجب أن نعمل جميعا علي ضرورة التغلب عليه ومنح الشرطة فرصة أخري. فرصة إذا لم يحدث خلالها تغيير حقيقي, سنشارككم نحن الضباط ثورتكم ضد فساد الجهاز وأساليبه العقيمة كما يقول أحد الضباط رأي يمكن أن يكون صائبا إن لم تواجهه تصريحات شرطية مثل ما قاله مدير أمن دمنهور عن ضرورة قطع يد وضرب بالجزمة من يتعدي من الشعب علي أسياده من الشرطة. شعب وصفه بأنه شاف أيام سودا بدون الشرطة التي تخلت عنهم. دعاء خليفة