سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محطات النضال في مسيرة شاهندة مقلد.. فقدت زوجها في محاربتهما ضد الإقطاع.. «جيفارا» رفع لها القبعة.. «سارتر» حرص على مقابلتها.. ذاقت وحشة السجون.. ثارت ضد «مبارك».. وأسقطت حكم الإخوان
في قرية كمشيش بمركز تلا التابع لمحافظة المنوفية، ولدت أون سان سو تشي العرب، إحدى النبيلات المناضلات اللاتي تصدين للإقطاع بكل ما أوتيت لها من قوة، دفعت فاتورة ذلك بفقدان الزوج والمعيل، نظم لها الشعراء قصائد كتبت خصيصًا لمدحها، ولقبها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم ب"أم صوت حزين"، وسماها المصريون ب "أم الفلاحين".. إنها المناضلة اليسارية شاهندة مقلد، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، التي وافتها المنية مساء أمس الخميس الموافق 2 يونيو عن عمر ناهز ال78 عامًا بالمركز الطبي العالمي، بعد صراع طويل مع المرض، ليشاء القدر أن تنهى رحلة نضال طويلة لتلك السيدة الصلدة. النشأة الوطنية ورثت "شاهندة" حب الفلاحين والدفاع عن المعدمين من والدها الذي كان يعمل ضابطًا في الشرطة، فكان رجلًا وطنيًا ليبراليًّا واحدًا من أنصار حزب «الوفد»، بدأت المناضلة تقرأ في سن مبكرة كتبًا ذات طابع اشتراكي، وحتى ماركسي، وبدت مستعدة نفسيًا لتقبل الأفكار المغايرة والغريبة، ازدادت رسوخًا وقوة بعد ظهور زوجها المستقبلي وابن خالتها صلاح حسين، الذي كان اشتراكيًا ماركسيًّا، التحق بصفوف المقاتلين العرب أثناء حرب عام 1948 في فلسطين. محاربة الإقطاع دعمت شاهندة مقلد الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ل"عبد الناصر"، وخاضت هي وزوجها صراعًا مريرًا مع بقايا الإقطاع في مصر، والذي لم تقضِ عليه إصلاحات الرئيس جمال عبد الناصر بتوزيع الأراضي على الفلاحين الأُجَراء المحرومين، وركزت في صراعها مع الإقطاع على أسرة "صلاح الفقي"، رمز الإقطاع والظلم في قريتهما، الأمر الذي أدي إلى اغتيال زوجها، فهرعت الأرملة ذات السبعة والعشرين عامًا إلى مكان الحادث، وشاركت في تشييع جنازة زوجها القتيل، متوعدة بمواصلة نضاله من أجل الفلاحين. لقاء سارتر حظيت حادثة اغتيال زوج "مقلد" باهتمام كبير داخل مصر وخارجها، وتناقلت الصحف العالمية حادث قرية كمشيش، وبعدما اطلع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على هذه الوقائع قرر مع سيمون دي بوفوار زيارة قرية كمشيش ومقابلة المناضلة اليسارية. تحية جيفارا وشاءت المصادفة أيضًا أن تلتقي شاهندة مقلد بأشهر مناضل ثوري عرفه التاريخ الحديث، وهو أرنستو تشي جيفارا، «هب واقفًا ورفع قبضته تحيةً لها، فأطلق الفلاحون عاصفة من الهتافات والتصفيق دون أن يعرفوا هوية الضيف الثوري الأسطوري». سجون السادات واختبرت «شاهندة»، ظلمة السجن مرتين في عهد السادات، الأولى في السبعينيات بسبب مظاهرة في حلوان، لم تشارك فيها، والثانية مع مئات المثقفين في سبتمبر 1981، كتب لها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم آنذاك قصيدة «النيل»: «النيل عطشان يا صبايا.. يا شاهندة وخبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون السجانين، إيش لون الصحبة معاكي». إحباط نظام مبارك انتقدت "مقلد" نظام مبارك، ونددت بعواقب زواج رأس المال بالسلطة، وشاركت في الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها حركة "كفاية" للتنديد بحكم مبارك، إلا أنها عانت في السنوات الثلاثة الأخيرة قبيل ثورة يناير من حالة إحباط، هاجمت فيها أداء حزب التجمع الذي انتمت إليه قائلة: "أنا سياسية بلا وطن"، إلى أن جاءت ثورة 25 يناير التي حررتها من عزلتها وسباتها ويأسها. التنديد بحكم الإخوان كانت المناضلة الراحلة أول المهاجمين لحكم الإخوان، وتحديدًا بعد إصدار الإعلان الدستوري المكمل، إذ هبت «رئيسة اتحاد الفلاحين» وقتئذ ومجموعة من السيدات والفتيات إلى قصر الاتحادية، حيث يوجد الرئيس المعزول محمد مرسي، في مسيرة سلمية خالصة، لتتفاجأ باعتداء أحد الموالين لجماعة الإخوان عليها بتكميم فمها للسكوت عن الهتاف، وظلت تطالب برحيل حكم الإخوان إلى أن رحل بالفعل.