النضال والحب والكفاح، والصراع مع الإقطاع، هذه الصفات تجسد المناضلة الحقوقية شاهندة مقلد، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والأمين العام للاتحاد العام للفلاحين، والتي توفت اليوم عن عمر يناهز 78 سنة بعد صراع طويل مع المرض، بالمركز الطبي العالمي، بعد تدهور حالتها الصحية منذ أيام. "مقلد"، المولودة عام 1938 بقرية كمشيش بالمنوفية، ورثت النضال منذ صغرها عن والدها ضابط الشرطة "التقدمي"، الذي زرع فيها حب الفلاحين والعمال، وأكملت النضال مع زوجها الذي كافح ضد الإقطاع. قصة "مقلد" مع رفيق دربها صلاح حسين، تشبه كثيراً الأفلام التراجيدية. بعد طلاقها من ضابط تزوجته "مجبرة"، ووفاة والدها، أصرت على الزواج من "حسين"، ورفضت والدتها: "أضربت عن الطعام، وهربت مرتين".
تزوج الرفيقان بعد محاولات عديدة، وشقا طريقهما معاً في النضال لمدة 9 سنوات، إلى أن اُغتيل زوجها على يد الإقطاعيين من عائلة تُدعى "الفقي" بقرية كمشيش، لتواصل المناضلة التي حياها المناضل الأممي جيفارا أثناء زيارته ل"كمشيش"، مع الرئيس جمال عبدالناصر، كفاحها ضد الإقطاع، مرتدية الزي الأسود حداداً على زوجها: "كان كل أصدقائي بيقولوا لي لازم تقلعي الأسود، أنا قلت لهم مش هأقلع الأسود إلا في حالتين، إذا لقي السادات جزاؤه أو قامت الثورة".
كانت "نصيرة الفلاحين" لها موقف معادٍ من "السادات" قبل صعوده للسلطة تحكي تفاصيله في حوار تليفزيوني: "ذات مرة استعان الإقطاعيون بمجموعة من المجرمين، واحتلوا قرية كمشيش، وهددوا الأهالي، فالأهالي بعثوا ببرقيات تحكي ما يحدث، السلطة لم تهتم، فاضطر الأهالي للهجوم على المجرمين وقتلوهم، فالسادات وكان عضو مجلس قيادة الثورة عن دائرة كمشيش، نزل القرية، واعتقل 25 فلاحاً، وقال لهم إنني أحكم بلا معقِّب وسأقيم لكم المشانق في كمشيش".
واختبرت "مقلد"، ظلمة السجن مرتين في عهد السادات، الأولى في السبعينات بسبب مظاهرة في حلوان، لم تشارك فيها، والثانية مع مئات المثقفين في سبتمبر 1981، وكتب لها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم آنذاك قصيدة النيل: "النيل عطشان يا صبايا.. يا شاهندة وخبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون السجانين، إيش لون الصحبة معاكي".
اُغتيل السادات، فخلعت "مقلد"، ثوبها الأسود، وبقيت تناضل ضد نظام حسني مبارك، وشاركت في الاحتجاجات والمظاهرات التي نظمتها حركة "كفاية"، إلى أن انتفض الشعب في 25 يناير 2011، وأطاح بمبارك، بعدها أبدت حزنها على تصدر الإخوان المسلمين المشهد: "لعبوا على فقر الناس، ووعيهم المشوه، وفازوا بالسلطة"، لكنها لم تفقد الأمل: "الشعب سيفيق من غفلته، بعدها بأشهر قليلة، احتج الملايين في مختلف الميادين، وأطاحوا بالرئيس الإخواني من كرسي الرئاسة.
وكانت من أقوالها في ثورة 25 يناير: "الثورة ليست إلا بداية جديدة في طريق لن ينتهي" وكانت هذه المقولة تعبر عن تجربتها السياسية التي تمتد إلى خمسة عقود وعن قناعتها بأن هذه الثورة ستولد الرجل أو المرأة المناسبة التي يختارها الشعب لقيادة مصر الحرة والمتحررة، وظلت تناضل في سبيل تحقيق ذلك إلى اللحظة الأخيرة في حياتها.
ضربت "مقلد" مثالا آخر على الصبر والصمود فيما يتعلق بدورها كأم عندما اختفى ابنها منذ أشهر قليلة في روسيا، وتم العثور عليه في شهر ديسمبر الماضي مقتولًا، ورغم ذلك ظلت شاهندة المرأة القوية الشامخة التي لا تقهر.