الأثرياء ازدادوا ثراء ً والفقراء يعانون من لهيب الأسعار.. والسلطة تكره المثقفين عاش مع الماضى وقرأ التاريخ بعمق، وقدم أعمالًا تاريخية مميزة، عشقه للتاريخ وتقلبه بين كل فنون الكتابة (الصحافة والمسرح والسينما والدراما والنقد) جعله كاتبا من طراز خاص، يرى الواقع الذي نعيشه برؤية مختلفة.. إنه الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن الذي فتح قلبه في حوار خاص عن هموم ومشكلات البلد ومشكلات المبدعين مع السلطة وتقييمه لفترة حكم الرئيس السيسي وتحدث عما يجب أن يفعله خلال الفترة القادمة.. وإلى نص الحوار: في البداية.. هل ترى أن الكتاب في مصر حصلوا على حقوقهم ؟ وكيف ترى تعامل السلطة معهم؟ الكتاب في مصر والعالم العربى كله عبر التاريخ وحتى الآن عناصر مشوهة ومهمشة ومرفوضة ومكروهة من السلطة، والسلطة لا تثق في أي كاتب لأنه من الممكن أن ينقلب عليها في أي وقت. كيف تقيم وضع الكتاب في الفترة الحالية.. وهل ترى أنهم يمتلكون حرية الإبداع؟ لا يوجد ما يسمى الحرية الكاملة للكتاب منذ حكم عمرو بن العاص وحتى الآن، ولا يوجد نظام حكم أبدًا في البلاد الكلاسيكية مثل مصر والعالم العربى يمنح الكتاب حرية مطلقة، ولكن في الحقيقة ما يتمتع به الكتاب مجرد شىء يشبه الحرية، "والسلطة في تلك البلاد تعجب بالكاتب حتى ترى أن له رأيا". كيف تقيم فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي من حيث حرية الفكر والإبداع ؟ أؤيد النظام الحالى، ولكن الحقيقة تؤكد أن حرية الفكر والإبداع في تراجع، وأصبح المجتمع أيضًا يعانى من عدم فهم معنى الديمقراطية وحرية الرأى وأصبحت هناك حالة من عدم تقبل الرأى الآخر بل مهاجمته، ويجب على الشعب أن يتدرب على الديمقراطية. برأيك.. ما أسباب تراجع حرية الفكر والإبداع في فترة حكم الرئيس السيسي؟ الشعب مسئول أيضًا بشكل كبير عن ذلك، فهو الذي يصنع الديمقراطية والحرية، وهى مكسب يحصل عليه الإنسان بعنف وقوة، ولن يمنح النظام الشعب الديمقراية وحرية الفكر والإبداع أيضًا دون أن يطلبها ويقاتل من أجلها، ولا يستحقها من لا يقاتل من أجلها، والأهم من الديمقراطية العدل. بالحديث عن العدل.. هل ترى أن هناك خطوات حدثت في مصر في الفترة الأخيرة تؤكد أن العدل يمكن أن يتحقق؟ النية موجودة ولكن يجب أن يحدث نضال من الشعب بفئاته المختلفة وعلى رأسهم المثقفون من أجل تحقيق العدل، وأن يحدث نضال من السلطة الحاكمة حاليًا من أجل تحقيق ذلك، "ولكن توجد مطالب غير منطقية فيما يتعلق بالعدل ولا تتعلق بالديمقراطية خاصةً تلك التي تنادى بتحقيق العدل مع العناصر التي تحارب الدولة، وهو مطلب وضع الدولة في مأزق لأنها من المفترض أن تعامل الناس كلها بشكل واحد وفى نفس الوقت لا يمكن أن الدولة تدلع المسجونين من عناصر تحاربها". وبرأيك ماالذى يمكن أن تمض إليه الأمور في ظل الأوضاع الحالية؟ يمكن أن تحدث ثورة ثالثة نتيجة الضغوط على الفقراء تحديدًا، وإذا قرأنا المستقبل بخريطة الماضى سنجد أنه لابد أن يحدث تغيير لأن الأثرياء زادوا ثراءً في الفترة الأخيرة وزاد الفساد وإذا حدث وارتفعت معدلاته بدرجة أكبر من ذلك ستحدث مذبحة، والشعب مسئول عن ذلك الفساد أيضًا مع الدولة فمثلًا التعاملات كلها أصبحت تتم عن طريق الرشاوى وهذا فساد، وعلى مستوى الحكومة والأجهزة التابعة لها فتعانى أيضًا من فساد كبير "على سبيل المثال فإن اللجان التي تعقد لمناقشة مشكلة معينة يحدث أن تطمع في الكعكة وتأخذ الأموال لنفسها وعلى مستوى الوزارات توجد فئران بمعنى الكلمة تعمل في السر في إفساد المنظومة من أجل الأموال". من المسئول عن انتشار الفساد ؟ كلنا مسئولون عن الفساد.. الحكومة والجهاز الإدارى للدولة والشعب أيضًا يتحمل المسئولية عن ذلك، ومن أسباب بقاء الفساد أنه موجود في العالم كله ولكن بنسب تختلف من دولة لأخرى ففى العالم الفساد حوادث فردية أما في مصر فهو حياة يومية. ماذا يجب أن يفعل الرئيس للارتقاء بأوضاع الحريات تحديدًا؟ الرئيس وحده لا يمكن أن يفعل شيئًا ويجب أن يتعاون الجميع، وأنا ضد تحويل الرئيس إلى جهاز يمكنه أن يصلح كل شىء، فهو بشر في النهاية، والبلد يعانى مشكلات كثيرة والتغيير يحتاج وقتا، حيث توجد ملفات كثيرة تتطلب تغييرا، ويمكن أن يأتى وقت يثور فيه الشعب على الفساد بكل أشكاله لأنه يوجد ما يسمى الكيمياء السياسية وتعنى اتفاق المواطنين دون أن يتفقوا على هدف واحد فتحدث ثورة، كما حدث في ثورة 1919 دون تدخل من أحد. برأيك.. ما أهم الملفات التي تتطلب تغييرا واهتماما من قبل الدولة ؟ التعليم يحتاج إلى تغيير، حيث يعانى من حالة من الفساد وأمريكا سبب أساسى في ذلك فقد دفعت أموالًا كثيرة من أجل إفساد منظومة التعليم في مصر والنظام ارتضى بذلك، والتعليم أيضًا يعانى حاليًا من مشكلات كثيرة منها الدروس الخصوصية وغياب دور المدارس وضياع دور الكتب المدرسية واللجوء للكتب الخارجية، والدروس أصبحت الأساس والمدارس تحولت إلى شىء مرفوض، وبالنظر لدول في آسيا على سبيل المثال نجد أن بعضها بدأ بالتعليم فقط وارتقت بسبب ذلك خلال عدد محدد من السنوات، والدولة يجب أن تلتفت لذلك لأن التعليم الخاطئ يسهم في زيادة معدلات البطالة وانتشار الفوضى في المجتمع. هل ترى أن هناك أشياء إيجابية حدثت مؤخرًا خلال حكم الرئيس السيسي؟ نعم توجد إيجابيات مثل المشاريع المختلفة التي أعلن عنها الرئيس وبدأ تنفيذ عدد منها مثل مشروع قناة السويس الجديدة وتسهم في تشجيع الاستثمار، ويجب أن تتقدم الدولة بخطوات قوية لأنه إذا حدث وتراجعت فستكون حالة انتحار جماعى حقيقية، "وفى الحقيقة إحنا بناكل ونشرب بالدين وهييجى يوم والمشاريع دى هتوفر فلوس للناس وتقلب الأوضاع للأفضل". كيف تقيم تعامل الرئيس مع ملف العلاقات الخارجية وتحديدًا مع العالم العربى وكيف تقيم خطاباته من تلك الناحية؟ الرئيس درس علم الجغرافيا ويعى جيدًا حدود علاقتنا مع الدول ومجالنا الحيوى وفى خطاباته يتضح ذلك الفهم العميق للمجال الحيوى تحديدًا نظرًا لأنه يدرك إمكانية حدوث حرب في يوم ما ويدرك أنه يجب أن يكون مستعدا دائمًا. برأيك.. هل يجب أن تطلع مصر على تجارب دول أخرى لتحقيق التنمية؟ بالطبع فمثلاُ توجد تجربة دول آسيا التي تقدمت بشكل لافت للانتباه واستطاعت أن تغير من أوضاعها مثل اليابان التي طورت نفسها بعد الاطلاع على تجارب عالمية رائدة في كل المجالات، المهم أن تتوافر الإرادة لدى السلطة الحاكمة حاليًا لإحداث تغيير حقيقى. هل ترى أن مصر في خطر حقيقى حتى بعد الإخوان؟ نعم مازالت مصر في خطر، حيث يوجد مخطط غربى أمريكى لتقسيم المنطقة العربية ومصر، وتعانى دول عربية من ذلك منها العراق التي لن تهدأ أبدًا وغيرها، الخطر موجود والمقاومة موجودة أيضًا. ختامًا.. ماذا يجب على الرئيس أن يفعل خلال الفترة القادمة؟ الرئيس نشيط وحالم جدًا ويريد أن يحقق أشياء كثيرة ويبذل في سبيل ذلك جهدا كبيرا، ولكن مطلوب منه أن يشرك ذوى الرأى والعلم معه في اتخاذ القرارات المختلفة في كل المجالات حتى تكون قراراته مدروسة وغير متسرعة، وأوجه للرئيس صرخة أعتبرها صرخة في الوادى أطالبه خلالها بالاهتمام بالثقافة فلن يبنى هذا البلد دون ذلك، وطالما تحدثت في ذلك لكن مازالت الأمور لم تتغير، ويجب على الرئيس أيضًا أن يحرص على معاقبة المسئولين عن الفساد وتطهير الجهات الإدارية كلها من الفساد، لأن الفاسدين في الحكومة والجهاز الإدارى أصبحوا لا يخشون أي شىء وأطالبه بقطع الأيدى التي تمتد على المال العام.