فى صحراء مصر الغربية قبائل تعيش وتتنفس من خلال القوانين العرفية، التى منحتهم الطمأنينة والعدل فى استرداد الحقوق، وفضلوها عن القوانين المدنية التى يرون أنها تتعارض مع ثقافتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، فنجد القبائل البدوية في مطروح تحترم وتلتزم بأحكامها العرفية من عادات وتقاليد لأبعد الحدود، ويطبقونها ويقبلونها مهما تكبدوا منها من غرامات وخسائر مادية ونفسية، ومن أقوى هذه الأعراف «النزالة» التى يتم العمل بها عند حدوث أى جريمة قتل بين قبيلتين حيث ينزل القاتل وقبيلته على قبيلة ثالثة تسمى «المنزول عليها» طالبة منها الحماية فتترك ديارها ومسكنها وتنتقل إلى جوار القبيلة المنزول عليها والتى يشترط بعدها عن قبيلة المقتول مسافة لا تقل عن 03 كيلو مترا ولا تتم النزالة إلا بموافقة قبيلة المقتول ومن حقها أن ترفض نزول قبيلة القاتل عند قبيلة بعينها وقد تقوم بتوجيهها إلى قبيلة أخرى واحتراما وتقديرا لمشاعر قبيلة المقتول تقوم القبيلة المنزول عليها بأخذ الإذن منها لأنهم فيما بعد ستقوم بخطوات الصلح والتحكيم وتحديد الدية. وتحدد فترة النزالة بعام كامل تتكفل فيه القبيلة «المنزول عليها» بضيافة قبيلة القاتل بأكملها حتي يتم الصلح وممكن أن تقل الفترة إلى ثلاثة أشهر وهنا تسمى «السلاك» أى سداد الدين بأن قبيلة المقتول أخذت ثأرها وقتلت رجلا من قبيلة القاتل وأصبحوا متعادلين بشرط أن يتم الثأر قبل نزول قبيلة القاتل أما إذا حدث والقبيلة نازلة يعد هذا تعديا على القبيلة المنزول عليها وخرقا للنزالة ويعد نقطة سوداء ووصمة عار يتناقلها تاريخ القبيلة بين القبائل ويحكم عليها بالنبذ والخروج عن التجمع القبلى «النجع» مدة تقصر أو تطول يحددها حسن سير القبيلة لذا نادرا ما نجد قبيلة تقوم بهذا الأمر. ولما يتمتع به البدو من أخلاق عربية أصيلة يمنع أهل القتيل من الانتقام من أهل القاتل فى حيواناتهم وأطفالهم ونسائهم وكبار السن عندهم بالقتل وخلال مدة النزالة تقوم القبيلة المنزول عليها بعمل مباحثات ومناقشات مع القبيلتين «القاتل والمقتول» بغرض الوصول إلى حل يقبله الطرفان فى إطار الشرع والدين وتحديد الدية ثم يتم تحديد موعد «الميعاد» للصلح وتتعهد القبيلتان بقبول الصلح وعدم التعدى ويحضر الصلح مندوبون من جميع القبائل المجاورة ورجال الدين والوعظ للنصح والإرشاد وممثلون للحكومة أو السلطة ويتم نحر الذبائح وتسمى «الهلبة أو المسار» ويتناول الجميع الطعام سويا وتقدر الدية ب«مائة» من الإبل وهو نفس العدد الذى افتدى به عبد المطلب جد النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» أحب أبنائه عبد الله أما الآن فيكون الدفع نقدا يوم الصلح كما يقوم أهل القتيل بالتنازل عن جزء من المبلغ المحدد إكراما للعمد والمشايخ وجزء آخر إكراما للحضور وتتم عملية تسليم النقود بين رجلين من قبيلتى القاتل والقتيل خارج الخيمة وليس أمام الحضور ويوم عقد الصلح تنتهى الخلافات وتعود قبيلة القاتل إلى ديارها وإلى حياتها الطبيعية ويبدأ يوم جديد تاركا خلفه كل الذكريات القاسية ونتيجة لما تعانيه القبائل من ضغوط نفسية ومادية لهذه الأحكام العرفية تجعلها تميل إلى الحياة السلمية لتكون بعيدة كل البعد عن المنازعات الدموية وتحفظ الأمن والاستقرار لجميع القبائل.