عقدت مساء أمس ندوة لمناقشة كتاب "شبه جزيرة سيناء المقدسة" تأليف اللواء فؤاد حسين ، أحد أبطال سيناء والذي تولى مناصب قيادية بالمخابرات الحربية وعمل كمستشار مكافحة الإرهاب الدولي .. الكتاب يسرد تفاصيل عادات أهل سيناء وتاريخهم في سابقة فريدة بالمكتبة العربية ، وقد اخترنا عادة القضاء العرفي موضوعا للقاء مع مؤلف الكتاب ليكشف تفاصيله في السطور التالية ..
* يعد القضاء العرفي بسيناء مدرسة قانونية .. كيف ترى ذلك ؟
- هذا النوع من القضاء هو السائد بين أبناء سيناء الآن رغم وجود المحاكم التي لا يلجأ إليها أبناؤها إلا نادراً إذا كان أحد أطراف الخصومة من غير أهلها . وكل الأحكام العرفية هى أحكام واجبة التنفيذ وهذا ينبع من صفات أهل البادية من الرجولة والشهامة والوفاء بالعهود واعتزازهم بكبريائهم . والقضاء العرفى شديد الشبه بالقضاء العادى من حيث درجات التقاضى ابتدائى واستئناف ونقض وهناك قضايا النفس والعرض والمال والأحوال الشخصية والجنايات وكذلك فى حق الدفاع والأدلة والشهود وأتعاب القضايا وضمان تنفيذ الأحكام .
* ماهى طريقة اختيار القاضى العرفى؟
- يختلف نوع واسم القاضى العرفى حسب نوع القضية والجرم ؛ ولكنه دائما يكون من بين البارزين من أبناء قومه والمشهود له برجاحة العقل والنزاهة والسيرة الطيبة، وهناك عائلات اشتهرت بالقضاء العادل ، كما يجب أن يكون القاضي ملماً بقواعد العرف وأن يتصف بسمة العدل حتى ولو على حساب قبيلته.
* ماهى درجات القضاء العرفى ؟
- أولاً رجال الصلح فى حالة حدوث نزاع بين شخصين أو قبيلتين يتدخل كبار العرب أو رجال الصلح ويتم انتخابهم من شيوخ القبائل وكبار القوم . ثم هناك قضاء القلطة ويعتبرون أعلى درجات القضاء وينظرون فى القضايا المستجدة على المجتمع لخطورتها وحاجتها لمبادئ جديدة .
وثالثاً قضاء المناهى وهم المنوط بهم إصدار الأحكام التى تضمن إنهاء النزاع والبت فى الجرائم الخطيرة ومنهم قاضى الرقاب وهو الذى ينظر فى قضايا القتل وقضايا الاعتداء والجروح ، والمنشد وهو المختص بقضايا قطع الوجه والعرض والشرف وتشمل قضايا الاغتصاب والتحرش وإساءة السمعة وكل ما يختص بالاعتداء على المرأة علاوة على التعدى على المنازل وقضايا السب والقذف .
وهناك العقبى وهو قاضى الأحوال الشخصية ، والزيادى المختص بقضايا السرقة لحفظ أمن المجتمع السينائى ، وقضاة أهل الديار والقطاعات وهم المختصون بالنزاع الذى ينشب حول الزراعة والمياه وملكية الأرض وحدودها ، وقضاة أهل العرايش وهم المختصون بالفصل فى الخلافات حول النخيل سواء فى حالة إتلافها أو قطعها أو التعدى على سكن صاحبها وكذلك فض النزاعات حول تداخل شجر النخيل بين الجيران وقاضى الضيوف ويختص بفض النزاع بين مجموعتين يتنافسا فى إكرام الضيف .
* وهل يتخذ القضاة معاونين لهم ؟
- بالطبع فمنهم المبشع وهو قاضى يستعان به فى الجرائم التى ليس لها شهود وفى هذه الحالة يختار المتهم اللجوء للبشعة "لمس النار باللسان" والبشعة هى طاسة معدنية لها يد تسخّن على النار حتى يحمر لونها ويطلب من المتهم لعقها بلسانه ثلاث مرات بعدها يتم الغرغرة بالماء ثم يكشف عن لسانه أمام المبشع هل تأثر بالنار أم لا ليعلن براءته أو إدانته ، وتقوم الفكرة على أن الخائف يجف ريقه فينشف لسانه فيتأثر بالنار .
ومن المعاونين أيضاً قصاص الأثر أى تتبع أثر القدمين فى بيئة صحراوية تطبع الأقدام على الأرض أينما ذهبت فتترك أثراً ، والحسباء وهم أهل الخبرة فى المسائل التى تتعلق بتقاليد العرب والعهود وهى جمع حسيب ولكل قبيلة حسيب يتم الرجوع إليه وهم أمناء على العهود والمواثيق والمرجع الرئيسى فى حالة نشوب خلاف .
وهناك أمين الأراضى الخاص بتقدير ثمن الأرض ومساحتها والمشايخ ويطلق عليهم "لحاسة الأختام" وهم المشايخ المعينون من قبل الحكومة ويباشرون القضايا الصغيرة التى تتعلق بأجور العمال وحقوق القبائل فيها . والمسّوق وهو خبير الإبل وتسلم على يديه غرامات الإبل والأمينة وهى سيدة ومؤتمنة من طرف قاضى الرقاب أو القصاص يستعان بها للانتقال لبيوت السيدات الجريحات لمعاينة إصابات النساء وهى سيدة أمينة فى هذا الشأن .
* هل يمكن رد القضاء العرفى؟
إذا بدأت خصومة بين طرفين اتفقا على تسمية ثلاثة قضاة ثم يحذف كل طرف من طرفى الخصومة قاض ويبقى الثالث ليصبح هو قاضى النزاع فإذا رضى الطرفان بحكمه أصبح نافذاً وإذا اعترضا الطرفين أو أحدهما ذهبا إلى احد القاضيين المحذوفين ليحكم بينهما فإذا جاء حكمه مطابقاً لحكم القاضى الأول أصبح ملزماً إما إذا كان مخالفاً ورفضه الطرفان أو احدهما يلجأ إلى القاضى الثالث ويكون حكمه نهائياً .
ماهو شكل المحكمة أو المجلس العرفى؟
يحضر طرفا الخصومة وأقاربهم لديوان القاضى المتفق عليه "المجلس" فى الزمان والمكان المحددين ويجلسون على شكل دائرة كبيرة يتوسطها موقد النار الذى تعد عليه القهوة والشاى ويستقبل القاضى الرجال ويعد لهم الطعام حسب الوقت المناسب وتتم الجلسة فى العراء دون حراسة جنود أو حاجب محكمة أو قفص اتهام إلا أن هيبتها توازى هيبة المحكمة العادية وينبع هذا من الالتزام القبلى باحترام القضاء .
ثم يطلب القاضى من كل طرف سرد ادعائه مؤيداً ذلك بالأدلة ويسمى هذا السرد "الحجة" بعدها يقوم القاضى بإعادة ما سمعه على الحاضرين ثم يستمع لشهود الإثبات والنفى ولا بد للشاهد أن يحلف اليمين قبل الشهادة حيث يقف فى وسط دائرة مرسومة على الأرض ووجهه فى اتجاه الكعبة ويحلف بست كلمات أولها الله وآخرها الله ثم ينطق القاضى بالحكم وإذا كان احد الخصوم قاصراً فلوليه الحق فى رفض الحكم وطلب إعادة الدعوى ويعرف ذلك بالتقويل وإذا غاب أحد الخصوم عن التقاضى يحق نقض الحكم ويجوز للقاضى فى هذه الحالة أن يحكم غيابياً إذا كان الغياب بعذر غير شرعى
* ماهى نوعية الأحكام فى القضاء العرفى؟
جميع الأحكام فى القضايا العرفية تكون غرامة مالية فليس لأهل سيناء حكم بالقتل أو الضرب أو الحبس سواء فى القضايا الجنائية أو المالية ويعتبر هذا هو الخلل الوحيد فى القضاء العرفى ففى حالة القتل سعى أهل القتيل للدرجة الخامسة للأخذ بالثأر فإذا أخذوا ثأرهم وقتلوا القاتل انتهى الأمر وإما أن يلجأ القاتل وأهله إلى قبيلة أخرى قبل الأخذ بالثأر لعقد جلسة صلح وتراضى وتسمى "الجيرة" ويمتنع أهل القتيل ابتداءا من ذلك الوقت عن المطالبة بالثأر وعندها تدفع الدية طبقاً للشريعة الإسلامية كما ورد بالآية 92 من سورة النساء ومقدارها عند أهل سيناء أربعون جملاً إما إذا كان القاتل قد سبق له الإنكار ثم ثبتت عليه تهمة القتل حكم عليه بدفع أربع ديات أى 160 جملا وكلك يدفع من قتل طفلاً أما قتل المرأة ثمانية ديات أى 320 جملا
* ما مدى صحة الدية بفتاة بكر ؟
صحيحة ولكن فى حالة ما إذا كان القاتل والمقتول من نفس القبيلة وجب على أهل القاتل أن يقدموا علاوة على الدية المتعارف عليها فتاة بكر ليتزوجها أحد أقارب القتيل بدون مهر ويستمر الزواج حتى تضع مولوداً ذكر ثم تختار ما بين استمرار الزواج أو الرجوع لأهلها حرة بعد أن يدفع لها مهرها كاملاً والهدف من هذا هو إعادة الروابط العائلية بينهم إلى حالة ما قبل القتل ورغم ذلك فالفتيات بالبادية يأنفن من هذه العادة ولذلك فقد أجازوا فداء البنت