في 247 صفحة أخذني الكاتب يحيي محمد الغول علي بساط من المعرفة المتخصصة لتاريخ القضاء العرفي في شبه جزيرة سيناء، فهو إلي جانب انه من مواليد العريش، وينتمي قبيلة الفواخرية، فقد حصل علي ليسانس الحقوق وله خبرات كبيرة كممارس للقضاء العرفي، ومثل المحافظة في المجالس الشعبية والمحلية، إلي جانب انه عضو بجمعية جمع التراث السيناوي، ومن الشخصيات التي تحال إليها القضايا من جهة الادارة بمحافظة شمال سيناء، وعشقه لمجتمعه وبيئته دفعه للبحث في تاريخ ارض الفيروز فأصدر كتابا بعنوان " سيناء المقدسة "، وكتابا آخر بعنوان " العريش - الماضي والحاضر ". من المعروف ان العرف كان اول مصدر تعرفه البشرية للقانون، بالتالي فهو ليس بدعة او شيئا مستحدثا، عرفته المجتمعات الاولي قبل نشوء نظام الدولة، وكثير من الاعراف التي شكلت نظم وحياة تلك المجتمعات اخذت عنها التشريعات القانونية فيما بعد، فالكاتب يأخذنا في رحلة ممتعة للتعرف علي المجتمع السيناوي بعد تقديم تاريخي لدخول القبائل إلي شبه جزيرة سيناء قبل وبعد الفتح العربي، ولهذا فهو يحدثنا ضمن ذات نفس السياق عن القضاء العرفي " القبلي " بين القديم والجديد المواكب لتغير الحال والاحوال وتطور المجتمع الذي تعقدت صوره واشكاله ومشاكله، ويأخذنا علي بساط الرحلة إلي مجلس القضاء العرفي شارحا ما له من هيبة واحترام وتقدير لا يقل عن هيبة مجالس القضاء في قاعات المحاكم، ويبين الاجراءات الشكلية للقضاء العرفي سواء في القتل العمل او القتل الخطأ أو التعدي علي الاعراض والبيوت والمعاملات والحقوق العامة في الاراضي والمشاركة، إلي جانب سرده المبسط للإجراءات الموضوعية في تصنيف القضاء العرفي من حيث الاختصاص ودرجات التقاضي ونوعية القضاة وما ينظرونه في اختصاصهم، ومنهم مثلا علي سبيل المثال ما يسمي بقاضي الضيوف، وهو القاضي المختص بعملية فض النزاع الذي ينشأ بين مجموعة كل منهم يطالب بإكرام الضيف فيعرض الامر عليه ليحدد الاسبقية، كما يعرض عليه الامر في حال اي اعتداء من فرد علي الضيف في بيت مضيفه، وبالتأكيد لا يوجد نظير لهذا القاضي في مجالس القضاء بساحات المحاكم ولا يوجد اختصاص في فض منازعات تنشأ بشأن احقية اكرام الضيف، ومثله القاضي الزيادي المختص بنظر قضايا سرقة الابل، أو قضاة الفرسان المختصون بقضايا الخلاف الناشيء حول الخيول واصلها وبيعها وشرائها، وينضم لهؤلاء القضاة قاضي يسمي " محاسبي الرعيان " الذي يفصل في النزاع بين الراعي وصاحب المال، ويحدثنا عن معاوني القضاة وفي مقدمتهم " المبشع " الذي يضع طاسة حديدية تحمي في النار يأمر المتهم بلحسها ثلاث مرات ثم يتغرغر بالماء ويكشف بعدها المبشع علي لسانه لما له من خبرة في ذلك ويقرر من خلال الكشف ان كان المتهم بريئا او مذنبا ويرفع تقرير البراءة او الادانة للقاضي المختص، وهناك معاونون كثر يصعب سردهم اوذكر تفاصيل الرحلة الممتعة التي يأخذنا فيها الكتاب علي بساط المعرفة لكل خبايا القضاء العرفي في شبه جزيرة سيناء .