أوروبا تُصعّد لهجتها.. دعوة لوقف النار في غزة ومراجعة العلاقة مع إسرائيل    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    الموساد بلسان إيراني: كان فعلا "أقرب إلينا من آذاننا"    الزعيم يصمد.. وسقوط جماعي للأندية العربية في كأس العالم    حالة الطقس اليوم في الإمارات    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    المستشار الألماني يدعو لإبرام صفقة سريعا مع ترامب بشأن الرسوم الجمركية    السيطرة على حريق هائل في مصنع زيوت بالقناطر الخيرية    ضبط المتهم بالتخلص من شقيقه ونجله وإصابة جارهما في قنا    مصرع وإصابة 16 شخصا فى حادث مروع بالمنوفية    إسرائيل تعلن مقتل 11 عالما نوويا و30 قيادة عسكرية خلال الحرب على إيران    بيع فستان للأميرة ديانا في مزاد علني بمبلغ خيالي (صور)    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    أشرف إمام: حمزة المثلوثي زملكاوي وخرج من الباب الكبير    محافظ الجيزة يعتمد تنسيق القبول بالثانوية العامة الأحد المقبل    شروط التسجيل لاختبارات القدرات بالثانوية العامة 2025    حوار| رئيس اتحاد نقابات عمال الجيزة: الاقتصاد شهد تحسنًا بعد ثورة 30 يونيو    سطو مسلح على منزل براد بيت بلوس أنجلوس أثناء تواجده بالخارج    أطعمة ومشروبات لمواجهة التوتر والنسيان والقلق خلال الامتحانات    سعر الدولار اليوم الجمعة 27-6-2025 ينخفض لأدنى مستوياته عالميًا منذ مارس 2022    بكام طن الشعير؟ أسعار الأرز اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 في أسواق الشرقية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة بين فلسطينيين ومستوطنين إسرائيليين في المنطقة الشرقية بنابلس    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    كم فوائد 100 ألف جنيه في البنك شهريًا 2025؟ أعلى عائد شهادات في البنوك اليوم    حنان مطاوع تروي كواليس «Happy Birthday»: صورنا 8 ساعات في النيل وتناولنا أقراص بلهارسيا    مدحت شلبي يكشف قرارًا صادمًا من وسام أبو علي.. وتخوف الأهلي    «البنت حبيبة أبوها».. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك في عيد ميلادها    دعاء أول جمعة فى العام الهجرى الجديد 1447 ه لحياة طيبة ورزق واسع    فضل شهر محرم وحكم الصيام به.. الأزهر يوضح    مصطفى بكري: 30 يونيو انتفاضة أمة وليس مجرد ثورة شعبية    بالصور.. نقيب المحامين يفتتح قاعة أفراح نادي المحامين بالفيوم    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    وزير قطاع الأعمال يعقد لقاءات مع مؤسسات تمويل وشركات أمريكية كبرى على هامش قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية بأنجولا    من مصر إلى فرانكفورت.. مستشفى الناس يقدّم للعالم مستقبل علاج العيوب القلبية للأطفال    عطلة الجمعة.. قيام 80 قطارًا من محطة بنها إلى محافظات قبلي وبحري اليوم    انخفاض ملحوظ في البتلو، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    لجان السيسي تدعي إهداء "الرياض" ل"القاهرة" جزيرة "فرسان" مدى الحياة وحق استغلالها عسكريًا!    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    "القومي للمرأة" يهنئ الدكتورة سلافة جويلى بتعيينها مديرًا تنفيذيًا للأكاديمية الوطنية للتدريب    بحضور مي فاروق وزوجها.. مصطفى قمر يتألق في حفلة الهرم بأجمل أغنياته    طريقة عمل كفتة الأرز في المنزل بمكونات بسيطة    صحة دمياط تقدم خدمات طبية ل 1112 مواطنًا بعزبة جابر مركز الزرقا    متحدث البترول: إمداد الغاز لكل القطاعات الصناعية والمنزلية بانتظام    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    مصرية من أوائل ثانوية الكويت ل«المصري اليوم»: توقعت هذه النتيجة وحلمي طب بشري    ترامب: خفض الفائدة بنقطة واحدة سيوفر لنا 300 مليار دولار سنويا    فيديو متداول لفتاة تُظهر حركات هستيرية.. أعراض وطرق الوقاية من «داء الكلب»    إصابة 12 شخصا إثر سقوط سيارة ميكروباص فى أحد المصارف بدمياط    وزير السياحة والآثار الفلسطينى: نُعدّ لليوم التالي في غزة رغم استمرار القصف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجلس العسكرى يستعين بالسلفيين لإنقاذه من ورطة السلوم
القضاء العرفى ينتهى عادة بإقرار دية لا تتجاوز 300 جنيه.. ويصلح بين القبائل وليس بين الأهالى والجيش
نشر في الفجر يوم 26 - 04 - 2012

- المحاكم السلفية بدأت فى عام 1990 وتستقبل حاليًا معظم الخلافات بين أهالى مطروح
- تدخل «أمن الدولة» فى اختيار شيوخ القبائل تسبب فى إضعافهم ولجوء المواطنين إلى السلفيين
ظل الحزن مخيما على مدينة السلوم الحدودية، طوال الأسبوع الماضى، فدماء أبنائها الثلاثة، الذين قتلوا برصاص قوات الجيش، لم تكن قد جفت بعد، والغضب الذى ملأ نفوس الأهالى أيضا، لم يكن قد جف، رغم المحاولات المستمرة لإقرار مصالحة، بين الجانبين، انتهت بموافقة القوات المسلحة على دفع «الدية» لأسر الضحايا، لكن «الدية» لا تهدئ النفوس.
وخلال زيارة «الفجر» لمدينة السلوم، لم تتوقف حكايات الأهالى لنا، عن القهر الذى يتعرض له أبناء «بوابة مصر الغربية»، وتأكيدهم أن ما تعرضوا له من «قهر» لسنوات طويلة، لم يصل يوما إلى حد استخدام الرصاص ضدهم، وهو ما اعترفت به القوات المسلحة لأول مرة، لتقبل بعدها الاحتكام إلى القضاء الشرعى، ممثلا فى محكمة «الدعوة السلفية»، بدفع الدية، فى واقعة غير مسبوقة، يعتبرها أهالى المدينة حدا فاصلا فى تاريخ علاقتهم بالسلطة، خاصة أن هذه المرة، هى الأولى فى تاريخ البلاد، التى تنسحب فيها قوات «الجيش» من منطقة حدودية، فى محاولة لتهدئة «خواطر» أهالى الضحايا.
تقع مدينة السلوم، فى أقصى حدود مصر الشمالية الغربية، على مسافة 500 كيلومتر غرب مدينة الإسكندرية، وهى ترتبط بمصر عبر طريق واحد، هو الطريق الساحلى الدولى، الذى يحظى بعناية كبيرة حتى مدينة مطروح، وبعدها، يعود الطريق إلى أجواء الحرب العالمية الثانية، فلا إضاءة أو خدمات بطول 220 كيلومترا، هى المسافة بين مطروح والسلوم، وعلى جانب الطريق «المتهالك»، تظهر على مسافات طويلة، قرى الحوالة وحنيش والشيكات.
عندما وصلنا إلى مدينة «السلوم»، مساء يوم الجمعة الماضى، كانت قوات الشرطة قد اختفت تماما من أبواب الدخول، وحتى الشوارع الداخلية، لتحل مكانها «اللجان الشعبية»، فى مساحة الكيلومتر المربع، التى تبلغها المدينة، وهى تحدها من الغرب والجنوب والشرق هضبة السلوم، لتصبح المدينة محاصرة بقوس الهضبة، فيما يحدها من الشمال البحر المتوسط.
الطريق الوحيد إلى منفذ السلوم البرى، الرابط بين الأراضى الليبية والمصرية، هو طريق السلوم الرئيسى، الموازى للبحر، ويقع أمام مطلع الهضبة، بقايا غرفة لكمين شرطة تم هدمها فى الأحداث الأخيرة، وعلى يمين الطريق يقع مبنى إدارة التحريات العسكرية، الذى احترقت محطة تحلية ورفع المياه الملحقة به، خلال أحداث العنف.
كانت الشرطة قد انسحبت من تأمين ميناء السلوم البرى، عقب الثورة، لتحل مكانها قوات حرس الحدود، رغم عدم امتلاكها خبرة كافية لديها فى إدارة المنافذ، وهو ما أدى إلى الكثير من المشادات بين العمال وقوات الجيش، خلال العام الماضى، حتى جاء صباح الثلاثاء الماضى، الذى شهد انفجار الغضب المكبوت، عندما كان محمد عبدالمقصود الشهير ب«حميدة»، متواجدا فى منطقة الجمرك، فطلب منه ضابط يرتدى زيا مدنيا تحقيق الشخصية الخاص به، وهو ما رد عليه، بأن طلب من الضابط ما يثبت شخصيته هو، لتبدأ عندها مشادة بين الجانبين، انتهت بالقبض على حميدة واحتجازه، وعندما وصل الخبر إلى أقاربه، تجمعوا أمام الكمين الرئيسى أسفل الهضبة، وأشعلوا النار فى إطارات الكاوتش، وهو ما تسبب فى وقف حركة النقل، وامتد طابور السيارات لمسافة كيلو مترين، على مدار 4 ساعات كاملة.
ومع استمرار الأزمة، وصلت قوات جيش إضافية إلى المنفذ، قادمة من أعلى الهضبة، وحينما اقتربت من المتظاهرين، بدأت فى إطلاق الرصاص فى الهواء، وهو ما رد عليه المتظاهرون برشقها بالحجارة، لتأخذ الاشتباكات منحى جديداً، مع سقوط أول قتيل بطلق نارى، وهو شاب عمره 17 عاما، يدعى أنور عبد الحى، والذى كان يعمل مع عمه فى التخليص الجمركى، ثم سقط القتيل الثانى جلود ذكرى، 24 عاما، وبعد انتشار الخبر فى المدينة، تزايد عدد المتظاهرين، لتنسحب قوات الجيش والشرطة فجأة من على بوابة الدخول، وأسفل الهضبة، فقام الأهالى بتشكيل لجان شعبية لحماية مقر البنك الأهلى والمستشفى، وبوابة الدخول، ومحطة تحلية المياه.
وفى صباح اليوم التالى للمواجهات، تم الإفراج عن «حميدة»، لتبدأ مساعى الصلح بين الأهالى وقوات الجيش، إلا أن الأهالى اشترطوا تقديم المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاعتذار لهم شخصيا، واعتبار القتيلين شهيدين، كما اشترط الأهالى تطبيق «شرع الله»، وهو ما يعنى الفصل بين الجيش والأهالى فى المحكمة الشرعية التابعة للدعوة السلفية، فيما يسمى بالقضاء الشرعى، وهو قضاء مواز للقضاء العرفى القبلى، وعندما قبل الجيش لشروط الأهالى للصلح، سقط القتيل الثالث برصاص قوات الشرطة، وهو شاب يدعى فتحى محمد رزق، عمره 21عاما، ليتم إغلاق الطريق مجددا بعد فتحه.
وحول أسباب تطبيق «القضاء الشرعى» وليس «العرفى»، يقول د.فؤاد الزوام، صيدلى، إن «القضاء العرفى فى حوادث القتل، يحكم بصورة مؤقتة، بهجرة قبيلة القاتل من المكان الذى تعيش فيه، لتستضيفها قبيلة أخرى، وهو ما يسمى بمبدأ النزالة، وذلك لفض الاشتباك مؤقتا، وقد تستمر فترة النزالة لعام كامل، ويتم خلال هذه الفترة، منع قبيلة القتيل من الثأر، لأن ذلك يعتبر اعتداء على القبيلة المضيفة، وتتبادل القبائل النزالة لقبيلة القاتل، وأثناء تلك المرحلة، ترسل القبائل أقوى رجالها حجة ولسانا، إلى قبيلة القتيل للتفاوض حول إزالة خطر التهديد بقتل كبار السن من قبيلة القاتل، وذلك فى البداية، وبعد استجابة قبيلة القتيل، تأتى قبيلة أخرى لتتفاوض حول تضييق دائرة الثأر من أقارب القاتل من الدرجة الأولى، واستبعاد أبناء العمومة، ثم يصل التفاوض إلى مرحلة إقناع قبيلة القتيل بالثأر من القاتل نفسه دون غيره، وكل هذه الخطوات، يستحيل تطبيقها مع الجيش، لاستحالة ترحيل قواته المنتشرة على طول الحدود من مكانها، ولصعوبة معرفة الأفراد الذين أطلقوا الرصاص، لذلك اشترط الأهالى الذهاب مع الجيش إلى القضاء الشرعى التابع لجماعة الدعوة السلفية فى السلوم».
«الفجر» التقت الشيخ سالم عوض سعد، وهو إمام وخطيب مسجد الفتح، وأحد شيوخ الدعوة السلفية فى السلوم، والعضو فى المحكمة الشرعية، والذى قال لنا “إن سبب ظهور القضاء الشرعى فى السلوم، يرجع إلى الجمود الذى أصاب القضاء العرفى، فتقييمه لدية القتيل ظلت محددة ب300 جنيه منذ عشرات السنين، حيث كان مربوط الدية مائة إبل، بسعر 3 جنيهات للواحد، وهو ما أدى إلى عدم إنهاء الكثير من النزاعات، فأهل القاتل كانوا يدفعون الدية، ثم يعيدونها بعد الأخذ بالثأر، لذلك بدأت الدعوة السلفية فى دعوة الناس عبر مساجد الحق والفرقان والفتح، إلى الاحتكام لشرع الله، وهو ما استجاب له الناس، وطلبوا تحكيم الشرع، فتشكلت أول محكمة شرعية فى السلوم، وتتكون منى أنا و الشيخين ممدوح عبدالمولى وعيسى محمد، وتشكلت محاكم أخرى فى باقى مدن مطروح، واعتمدوا فى البداية على كتاب منهاج المسلم، للإمام أبو بكر الجزائرى، ثم تم التوسع فى المراجع وكتب الفقه، ومن عام 1990 حتى 1995، استقبلت المحكمة الشرعية خمسة وسبعين فى المائة من قضايا الأهالى، وبعد عام2000، أصبحت المحكمة تستقبل غالبية القضايا، وللمحكمة الشرعية قاعدة رئيسية، هى عدم الانتقال لأحد، إذ يجب أن يأتى الطرفان إليها برغبتهما، ويطلبان تحكيم الشرع، فتحدد لهما موعدا فى أى مسجد، ويتم الاستماع إلى الطرفين، والشهود، ويقدم كل طرف ما لديه من مستندات، فإذا وجد ما يقضى على أساسه، صدر الحكم، وإن لم يوجد، يتم الاحتكام إلى اليمين الشرعى، ومعظم القضايا تتعلق بالحدود الفاصلة بين الأراضى، وأصعب القضايا هى المتعلقة بالقتل، حيث تقوم المحكمة بأخذ أقوال الطرفين، مع وجود ضامن لكل طرف لتنفيذ الحكم، ثم تدرس المحكمة القضية شرعا، وتكتب حكمها فى ورقة تسلم منها نسختين للطرفين، ويتم الفصل فى دعاوى القتل فى مدة زمنية لا تتجاوز شهراً واحداً.
ويذكر الشيخ سالم عوض أن حوادث اعتداء قوات الجيش على المتظاهرين، مؤخرا، تم عرضها على القضاء الشرعى، فاختار الأهالى الصلح، وتم تصنيف القضية باعتبارها قتل عمد، بما يعنى أن يدفع الجيش دية لكل قتيل ثلاثمائة ألف جنيه، وهى قيمة مائة إبل، ويتم الدفع عن طريق تسليمها إلى اللجنة الشرعية، التى تقوم بتسليمها إلى الأهالى، وهو ما تم بالفعل، حيث قام أهالى القتيلين بتقبل العزاء فيهما، ورفض الجيش دفع دية القتيل الثالث، بحجة أن قوات الشرطة هى التى قتلته.
ويوضح الشيخ سالم أنه فى حالة وجود صعوبة فى قضية معينة، يتم أخذ رأى اللجنة الشرعية فى مطروح، ويمكن تصعيدها بعد ذلك إلى اللجنة الشرعية فى الإسكندرية، التى يمكن تصعيدها بعدها إلى اللجنة الدائمة للإفتاء فى المملكة العربية السعودية، والتى تصدر فتوى شرعية مكتوبة، مضيفا أن الجيش أصبح ملزما الآن بدفع الدية، وعدم تكرار واقعة إطلاق الرصاص على المواطنين مرة أخرى.
ويشير الشيخ سالم إلى الدور الذى لعبه أهالى السلوم فى الثورة الليبية، موضحا أنهم فتحوا منازلهم ل50 ألف نازح ليبى، وتم تخصيص أماكن لاستقبال النازحين، وتقديم الغذاء لهم، ثم تم التنسيق مع باقى مدن مطروح، لاستضافة الأسر الليبية، خاصة أن عددا كبيرا من هذه الأسر، تمثل امتدادا لقبائل مرسى مطروح، واستمر ذلك لمدة ستة أشهر، كما واجه الأهالى مخططا لأحمد قذاف الدم، مبعوث الرئيس الليبى المخلوع معمر القذافى، يهدف لإقناع القبائل بإغلاق الحدود مع ليبيا، فى محاولة لخنق الثورة، وهو ما رفضته القبائل، مؤكدة مساندتها للثوار، وبعد اشتعال الثورة السورية، قامت السلوم بأداء نفس الدور، حيث استقبلت 3 آلاف نازح سورى عبر ليبيا، فأصبحت المدينة ملتقى الثورتين الليبية والسورية.
ويبلغ عدد سكان المدينة، 60 ألف نسمة، يتوزعون على عدة قبائل، أكبرها قبيلة القطعان، التى تتفرع منها قبيلة أولاد على، وهى تمتد داخل الأراضى الليبية، وتصل إلى صعيد مصر، ثم قبائل القنيشات والجرارة والحبون والعشيبات، والعراوة والسمالوش والمنفة، والصراحنة، والمحافيظ والشهيبات والشتور والعجارمة، ويحكم كل قبيلة شيخ، ولكل بيت داخلها رئيس يسمى «عاقل»، يتولى مساعدة شيخها فى إدارة شئون الرعية، ويصل عدد مساعدى الشيخ إلى 10 عواقل، وفى السابق كان شيوخ القبائل ذوى النفوذ والسلطة الوحيدين على أبناء القبائل، قبل أن يتدخل جهاز أمن الدولة «المنحل»، خلال السنوات العشر الأخيرة، فى اختيار بعض الشيوخ الموالين له، وهو ما أضعف نفوذ الشيوخ.
ربما تكون المواجهات الأخيرة بين الدولة، ممثلة فى القوات المسلحة، وأهالى مدينة السلوم، هى نتاج سنوات طويلة من الأزمات المتراكمة بين الجانبين، فالمدينة تعانى نقصاً حاداً فى مياه الشرب، حيث يعتمد الأهالى على تخزين مياه الأمطار فى الشتاء، داخل آبار تنتشر أسفل الهضبة، وهى موزعة على القبائل، ولا تباع المياه فى المدينة، ولكنها توزع بحسب الحاجة، أما المياه التى تصل إلى المنازل، فهى مياه بحر محلاة، يستعملها الأهالى فى النظافة.
وبالإضافة إلى أزمة المياه، لا يوجد سوى مستشفى واحد آيل للسقوط، ولم تفكر الحكومات المتعاقبة فى إنقاذه، فهو يفتقر إلى أطباء التخدير ونقص أكياس الدم، حسبما يقول د.أحمد زينهم، مدير المستشفى، وهو ما يضطر المرضى إلى السفر لمطروح، لتلقى العلاج، أو حتى إجراء عملية ولادة قيصرية، ومن المفارقات الغريبة فى المدينة، أن المكتبة العامة الوحيدة الموجودة فى السلوم، تم إغلاقها فى الثمانينيات من القرن الماضى، عندما تحول بيت الثقافة، الذى يضم المكتبة، إلى مقر لجهاز أمن الدولة، قبل أن يحرقه الأهالى فى جمعة الغضب، 28 يناير 2011، وكتبوا على جدرانها جملة “هذا مصير منازل الذين ظلموا”، فقد تعرض عدد كبير منهم للاعتقال المتكرر، دون أسباب، طوال سنوات حكم مبارك، ويروى الأهالى لنا، أنهم عند اقتحام مقر الجهاز، وجدوا خمورا ومخدرات وملابس نسائية، إلا أن أكثر ما أثار استفزازهم، فهو وجود معلبات أكل للكلاب، يبلغ ثمن الواحدة منها، 150 جنيها، فى مدينة شديدة الفقر.
ورغم أن السلوم تطل على البحر، إلا أن الصيد ممنوع فيه بعد الساعة السادسة مساء، بحجة أنها منطقة حدودية، وكان الرئيس الراحل أنور السادات، قد أصدر قرارا باعتبار المنطقة الممتدة من غرب مطروح وحتى السلوم، منطقة عسكرية، ومنع فيها إقامة أى منشآت سياحية، ولذلك لم يبق لدى سكان المدينة أى نشاط اقتصادى، سوى الزراعة أعلى الهضبة، لكن خلال المواجهات العسكرية بين مصر وليبيا، فى عام 1977، تمت إقامة معسكرات للجيش أعلى الهضبة، وتم إخلاء 12 واديا زراعيا من السكان، فى مساحة 70 كيلومترا مربعا، معظمها كانت تزرع بالقمح والشعير والخضراوات والفواكه، والتى كانت تصدر إلى اليونان، وتسبب إخلاء الأراضى فى توتر مكتوم للعلاقات بين الجيش وأهالى المدينة، يبدو أنه وجد طريقه للانفجار مؤخرا.
ورغم مرور عقود طويلة على مصادرة أراضى الأهالى، إلا أنهم مازالوا يحتفظون بأوراق ملكيتها، حيث أجبرت المصادرة قبيلة القطعان على النزول من أعلى الهضبة إلى مدينة السلوم، أما قبيلة الشهيبات، التى لم تكن تمتلك غير أراضى الهضبة، فقد استضافتها قبيلة القطعان كضيوف لديها، لذلك بنى أبناء الشهيبات منازل من الصفيح والخيام، ضاقت بهم.
وفى الفترة الأخيرة، بدأت أزمة رعى الغنم فى تكدير العلاقة المتوترة أصلا، ما بين قوات حرس الحدود وأبناء القبائل، فبفضل حقول الألغام التى تلتهم شمال الصحراء الغربية والشريط الحدودى مع ليبيا، ازدادت المدينة فقرا، خاصة بعد إغلاق الحدود المصرية الليبية لمدة 10 سنوات، باع فيها البعض أسقف المنازل، وعند إعادة فتح الحدود فى عام 1989، أصبح العمل فى الجمرك ومنفذ السلوم، هو شريان الحياة الاقتصادية فى المدينة، ونظرا لتدنى مستوى التعليم، وعدم اهتمام الدولة بالخدمات، أصبح عمل الأهالى مقتصرا على نقل البضائع عبر الجمرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.