من ملائكة الرحمة إلى تجار الآلام، صار اللهث وراء كسب مزيد من الأموال والتربح على حساب المرضى شعار المرحلة، والآن لا تتوقف المنافسة بين المستشفيات الحكومية على اصطياد المرضى البسطاء لعلاجهم في الأقسام الاقتصادية. نجاح طبيب في إقناع مريض بالدخول للقسم الاقتصادى أمر لا يتم «لله وللوطن» كما يتخيل البعض، بل يحصل الطبيب على أجر أعلى أو الدخول تحت بند «الحالات البرايفت»، وهو نص داخل لائحة أمانة المراكز الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة، يسمح للطبيب بتحويل حالات من العيادة الخاصة إلى المستشفى الحكومى واستخدام غرفة العمليات وغرف الإقامة وحصول الطبيب على أتعابه، لكن ما يحدث على أرض الواقع غير ذلك. منذ أيام، أصيب طالب بالصف الثالث الثانوى في حادث مروري، ورغم أنه يدخل في إطار حالة الطوارئ وتم نقله إلى مستشفى إمبابة العام، وهو أحد مستشفيات القطاع العلاجى وقدم الخدمات للمرضى مجانًا أو بأسعار رمزية، إلا أن أحد الأطباء أقنع أسرته بأن هناك مستشفى أفضل، ويمكن إجراء الجراحة به دون انتظار، وعليهم دفع 35 ألف جنيه، وحاول أهل المريض تخفيض التكلفة فتمت المفاوضات حتى وصلت إلى 25 ألف جنيه، رغم أن مستشفى إمبابة به قسم جديد مخصص لجراحة الوجه والكفين، فضلا عن أن الطالب يخضع لمنظومة التأمين الصحي. وحتى لا يقع الطبيب تحت طائلة القانون، لاعتياده اصطياد المرضى من المستشفيات الحكومية، جعل أهل المريض يأتون إليه في عيادته الخاصة ليتم تحويلهم إلى مستشفى آخر يُجرى فيها العملية بروشتة من العيادة لتسجل كحالة خاصة في المستشفى. وبعدها تم نقل الطالب المصاب من مستشفى إمبابة العام إلى مستشفى العجوزة لإجراء العملية، ورغم عدم اكتمال شفاء المريض خرج من مستشفى إمبابة العام، حسب أهل المريض، وفى تلك الحالة كان يجب على المستشفى عدم السماح له بالخروج إلا بعد معرفة أسباب ذلك، وهو ما لم يحدث. وفى حالة ثانية، طبق أحد كبار الاستشاريين في معهد ناصر التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، بند الحالات الخاصة أثناء إجازته، ليتم حجز الحالات المرضية باسمه تحت بند الحالات الخاصة من خلال النواب المساعدين له، ثم يُجرى النواب العمليات الجراحية للمرضى، ويحصل الاستشارى وهو في منزله على أجر العملية الجراحية. وتتفاقم «سبوبة الأقسام الاقتصادية» بالمستشفيات، في ظل وجود فرق مساعدة من النواب لكل الاستشاريين وأساتذة الجامعات الذين يعملون في مستشفيات وزارة الصحة، يساعدون في «اصطياد» الحالات والمرضى، ويكون المقابل في ذلك هو رضا الاستشارى على النائب، خصوصًا أن أغلب النواب يسجلون رسائل الماجسيتر والدكتوراه وشهادة الزمالة المصرية مع الإستشاريين وحتى ينال رضا الاستشارى والأستاذ، وييسر له إجراءات الدراسات العليا. وكشف طبيب يعمل بأحد مستشفيات وزارة الصحة، رفض ذكر اسمه، أن بند الحالات الخاصة يتضمن أن يذهب المريض المقتدر إلى عيادة الطبيب الخاصة، ثم تتطلب حاجته إجراء عملية جراحية تبلغ تكلفتها على سبيل المثال 20 ألف جنيه فيتم تحويل المريض إلى المستشفى الحكومي، الذي يعمل به الطبيب بروشتة من العيادة ويحصل الطبيب على «أجرة» يده والفريق المعاون له ويدفع المريض تكاليف الإقامة في المستشفى، وحجز غرفة العمليات الجراحية والأدوات والمستلزمات المستخدمة. طرق التحايل والمتاجرة بآلام وأوجاع المرضى، تمتد إلى إمكانية دفع أتعاب الطبيب الاستشارى فقط له، فيما يتحمل التأمين الصحى أو قرار العلاج على نفقة الدولة تكاليف الإقامة والمستشفى مقابل تقديم دور المريض في قائمة الانتظار. وخلال الفترة الماضية، استقبل مستشفى معهد ناصر مريضًا يُجرى عملية في قسم المسالك البولية، وبعد الكشف عليه في العيادة تبين حاجته لإجراء عملية جراحية وعليه أن ينتظر دوره، إلا أن الطبيب أقنعه بأن حالته خطيرة ولا يمكن له الانتظار وإلا تحدث له مضاعفات، ونجح في إقناعه بالذهاب إلى الطبيب «م. س» لإجراء العملية في أسرع وقت، ولكن عليه دفع 15 ألف جنيه، لتوفير إقامة له بالمستشفى وتعجيل دوره. «اصطياد» الحالات الخاصة أصبح يعمل به سماسرة، سواء من الأطباء أنفسهم أو غيرهم داخل المستشفى، وينقسم هولاء السماسرة إلى نوعين «داخلى وخارجي»، من خلال وجود شركات متخصصة في جلب المرضى للأطباء والمستشفيات يتم التعاقد معهم، وإيهام المريض بأن التعاقد مع الشركة يجعله يحصل على نسب خصومات على الكشف والعمليات الجراحية، وتلجأ إليها المستشفيات الجديدة التي لا يُقبل عليها المرضى حتى يتردد عليها المرضى. أما الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء، فأوضح أن تلك الوقائع تحدث بنسب كبيرة داخل المستشفيات الحكومية، وهى مرفوضة تمامًا وتعتبر استغلالا للمريض البسيط، مطالبًا أي مريض يتعرض لاستغلال الطبيب له بأن يتقدم بشكوى إلى النقابة وتقوم بالتحقيق فيها. «الطاهر» لفت إلى أن طبيب المستشفى الحكومى يحصل على مقابل مادى نظير عمله، وإذا رفض ذلك الأجر فعليه طلب زيادة راتبه وليس استغلال المرضى، مهددًا بتوقيع عقوبات صارمة ضد أي طبيب يُقدم المريض شكوى ضده.